يوسف لحود

بين إرادة الأمة وسلوك ممثليها

4 آب 2021

02 : 00

الجيش في موقع الإنفجار

ملابسات جريمة العصر في ما يتعلق باكتشاف الحقيقة والمحاسبة الشاملة رهن القضاء اللبناني الذي نثق فيه ونراهن على ضميره وجرأته وبتنا على قاب قوسين من كسب الرهان.

وأما الهوة السحيقة والواسعة بين إرادة مصدر السلطات (الشعب)، وبين ممثليه (السادة النواب) فهي تتمثل بما يلي:

عرقلة المرجعية القضائية بوسائل شتى تحت عنوان واضح:"الحق الذي يراد به باطل"، ومنها:

1 - اثارة الحصانة النيابية سنداً للمادة 40 من الدستور (معطوفة على البند 3 من المادة 69).

- وهي حصانة يمكن إعطاء الإذن بشأنها بقرار من المجلس النيابي بأكثرية بسيطة، وطالما ان رغبة الأمة جمعاء هي في رفع الحصانة، فلماذا لا يقدم ممثلوها على إحترام إرادة مصدر سلطتهم،

- وأما اللجوء إلى الالتفاف على الارادة العفوية والبسيطة للأمة بتعقيد الأمور وتغليفها بشعارات براقة تستفز المذهبيات والعصبيات... إنما هو من قبيل التحايل على الوكالة المعطاة للوكيل، (من مثل طرح تعديل الدستور لإلغاء الحصانات) فإذا كانت النية الحسنة معقودة على قانون دستوري لرفع جميع الحصانات الدستورية والقانونية بشأن نكبة 4 آب، فليصرح السادة النواب أنه يمكن تعديل الدستور (الحصانات الدستورية) والتشريع (الحصانات القانونية) في ظل حكومة مستقيلة، حتى ولو ان القانون المعجل للتعديل والتشريع سيأتي من رئاسة الجمهورية عبر مجلس الوزراء حسب الأصول الدستورية،

- وإذا لم يكن هذا الأمر متاحاً دستورياً أو (بحسب العرف المستقر...)، فلماذا لا يأخذ ممثلو الأمة إرادة الشعب ويعمدون إلى:

- اخضاع اي وزير (بدون الحاجة لتعديل دستوري او قانوني) إلى المحاسبة سنداً للمادة 70 من الدستور، ومن ثم الادعاء عليه وإصدار قرار باحالته أمام المجلس الأعلى لَمحاكمة الرؤساء والوزراء، حين يمتنع تعسفاً عن إعطاء الإذن لملاحقة اي موظف بخصوص جريمة العصر.

- تفعيل المادة 60 دستور (في حال كان السادة النواب مقتنعين بأن الجميع كان يعلم والسيد رئيس الجمهورية مسؤول لهذه الناحية)، وليأخذ المجلس النيابي دوره هنا وهو مقتصر عليه بدلاً من مزاحمة السلطة القضائية على دورها المستقل والمحصور بها تحديداً، وذلك من دون أي حاجة لبحث التعديل الدستوري الشائك...

- الإسراع في تشكيل الحكومة واعطائها الثقة تحت طائلة محاسبة المعرقلين بما هو منوط بصلاحيات مجلس النواب، حتى يتمكن المحقق العدلي من تجاوز عقبة الإذن إذا لم يمنحه المجلس، حين لا يكون المجلس في دور انعقاد (عادي او استثنائي).

2 - التذرع بالمادة 70 دستور لحجب صلاحية المحقق العدلي، ولكن الإهمال في الواجبات الوظيفية حين يقترن بأسباب مشددة أو بمواد قانونية تجعل منه جرائم جنائية شاملة لا يعود إلا من اختصاص السلطة القضائية، حتى لا تصبح المساواة بين اللبنانيين حسب المادة 7 دستور نظرية غير مطبقة.

وإن استنكاف المجلس النيابي عن تفعيل المادة 70 بحق الحكومة الحالية، وهي لا تعمد الى تصريف الأعمال الملحة غير آبهة بشؤون المواطنين اليومية وحاجاتهم الأساسية (حتى أن بعض الوزراء لا يحضرون إلى وزاراتهم...) لكن إذا تطور إهمال الوزير إلى حصول جرائم جنائية بين المواطنين بفعل تقصيره فإنه سنداً للمادة 189عقوبات (قصد احتمالي) يصبح شريكاً في الجرائم واقله متدخلاً، ويحال الجميع أمام القضاء (من مثل جرائم القتل او السرقة أو التهريب... التي تحصل بسبب عدم تنظيم وضع الدعم أو توزيع المحروقات أو عدم تنظيم حماية المؤسسات العامة والخاصة...).

وهنا يأتي دور النيابة العامة لأن هذه الجرائم الجنائية أصبحت من اختصاص القضاء بوجه الفاعلين كما الوزراء المختصين، والمؤسف انه في كلا الحالين:

الإهمال الوظيفي العادي والجرائم الجنائية فإن اي تحرك من اي مرجعية من هاتين لم تتحرك بوجه اي وزير فلماذا يستشرس المجلس النيابي في حفظ صلاحية هي لسواه ولا يمارس صلاحيته في محاسبة الوزراء (الحاليين والسابقين) على اهمالهم وفسادهم، إلا إذا اعتبر المجلس أنه طيلة عشرات السنوات لم يكن هناك من إهمال او تقصير؟

3 - وأما بخصوص الحصانات الوظيفية او المهنية فهي عائق شكلي أمام التحقيق يمكن تجاوزه بمزيد من البحث القانوني المعمق ولكن إزاء توافر سوء النية لدى المرجع المناط به إعطاء الإذن نقول:

إنه في ظل دمار الاقتصاد الوطني بفعل جريمة العصر، وتدمير نصف العاصمة، ودماء مئات الضحايا الأبرياء، واشلاء واصابات الأحياء، وتدمير آلاف المنازل، وتشريد مئات الآلاف (مما لم تلحقه بنا حتى الحرب العالمية الثانية)، فإن اي تنظير قانوني يشابه المماحكة، وطرح تفسيرات واقتراحات تزيد التعقيد وتبعد الحل العادل... مما لا يستقيم حتى في الزمن العادي الهادئ فكم في زمن استثنائي هو زمن الدمار والموت والغضب...

مما يقتضي مقاربة لا يقدم عليها رجال السياسة وإنما فقط رجال الدولة (وهؤلاء من الذكور والاناث على حد سواء) تحاكي الضمير والجرأة لمصلحة الناس والعدالة وقد وجد القانون لخدمتهما وليس العكس.

وأما السفسطة فهي من الماضي البائد وقد تصبح سبباً وجيهاً لثورة عارمة لا تبقي ولا تذر، وإنني أراها مقبلة رغم أن بعد نظر المسؤولين يجب أن يتخطى بعد نظر المواطنين العاديين، فإذا ابتلينا بالعكس فإنها نهاية حقبة لا ريب.



* ممثل نقابة المحامين واهالي الضحايا في مكتب الإدعاء أمام المحقق العدلي


MISS 3