جاد حداد

ساعة الشيخوخة... الذكاء الاصطناعي لتقييم المناعة والأمراض

11 آب 2021

02 : 00

ابتكر العلماء نظام حلول حسابية بناءً على الذكاء الاصطناعي وأعطوه اسم "ساعة الشيخوخة الالتهابية". يستطيع هذا النظام توقّع الأمراض الالتهابية المرتبطة بالسن وتقييم صحة جهاز المناعة عموماً. تبرز روابط مشتركة بين الالتهاب المزمن وعدد كبير من الأمراض المرتبطة بالسن، بما في ذلك مشاكل القلب، والسرطان، وأمراض التنكس العصبي مثل الزهايمر. تنجم هذه الروابط عن ارتفاع مستوى الجزيئات المتعلقة بالعمليات الالتهابية التي تتراكم مع التقدم في السن وسرعان ما تُسبب أضراراً طويلة الأمد في الجسم.

يشتق نظام الحلول الحسابية الخاص بساعة الشيخوخة الالتهابية من تحليل عميق لعدد من المؤشرات الحيوية المناعية في الدم، فضلاً عن تحديد المعايير والأنماط المرتبطة بهذه الاستجابة الالتهابية المزمنة.

يُحدد مستوى ساعة الشيخوخة الالتهابية عمر الفرد بناءً على صحته المناعية والمستويات الالتهابية في جسمه، مقارنةً بمجموعة من القياسات المرجعية وبسنوات عمره. يثبت ارتفاع ساعة الشيخوخة الالتهابية أن الشخص سيكون أكثر عرضة للأمراض من غيره. أما تراجع نشاط هذه الساعة، فهو يشير إلى جهاز مناعة صحي نسبياً.

في تقرير جديد نشرته مجلة "شيخوخة الطبيعة"، يَصِف الباحثون منافع الجهاز ونتائجه. جرت الدراسة تحت إشراف نزيش سيد وينغشيانغ هوانغ من "مشروع الألف جينوم مناعي" في كلية الطب التابعة لجامعة "ستانفورد" في كاليفورنيا. تذكر شركة التكنولوجيا الحيوية "إديفيس هيلث" التي طوّرت هذه الساعة أنها طرحت لائحة من الابتكارات الأخرى، منها تركيبات خاصة من المكملات الغذائية، والمغذيات، والمنتجات الطبية، والأدوية، والتعديلات المرتبطة بأسلوب الحياة، لمعالجة اضطراب ساعة الشيخوخة الالتهابية وتخفيف أثرها.

مستويات مرجعية

لإقامة مقارنات فعالة وتحديد مستوى ساعة الشيخوخة الالتهابية، استعمل العلماء بيانات مأخوذة من "مشروع الألف جينوم مناعي" في جامعة "ستانفورد". جمع هذا الأخير عينات دم من مجموعة طولية شملت 1001 شخص تتراوح أعمارهم بين 8 و96 عاماً. خضع المشاركون للمراقبة طوال تسع سنوات. على عكس الالتهاب الحاد الذي ينجم في معظم الأوقات عن عدوى معينة، وكان العلماء قد رصدوا الجزيئات المرتبطة باستجاباته، يذكر التقرير أن الالتهاب المزمن لا يتعلق بمجموعة محددة من المؤشرات الحيوية الخاصة بهذه الاستجابة. من خلال تحليل عينات الدم وأخذ عوامل مؤثرة عدة بالاعتبار (العمر، الجنس، مؤشر كتلة الجسم، عوامل بيولوجية أخرى)، نجح الباحثون في إجراء تحليل عميق لجهاز المناعة ورصدوا المؤشرات الحيوية المحتملة.

أي مؤشرات حيوية تتوقعها ساعة الشيخوخة الالتهابية؟

استناداً إلى نهج المقارنة غير الخطية، برز رابط بين ساعة الشيخوخة الالتهابية وعدد من معايير الالتهاب التي تتحدد بحسب كمية الجزيئات الموجودة في جهاز المناعة والمسارات المتصلة بها.

تعدد الأمراض

تشير ظاهرة تعدد الأمراض إلى تراكم عدد من الأمراض الالتهابية المزمنة. برز رابط قوي بين تعدد الأمراض وساعة الشيخوخة الالتهابية. بعد عمر الستين، سُجّلت زيادة في مشكلة تعدد الأمراض تزامناً مع تكثيف نشاط ساعة الشيخوخة الالتهابية. رصد الباحثون أيضاً رابطاً مشابهاً مع العدد الإجمالي من بعض الخلايا التائية والبائية (أي خلايا الدم التي تؤثر على الاستجابة المناعية).

طول العمرفي مجموعة مؤلفة من مشاركين في عمر المئة وما فوق، قارن العلماء ساعة الشيخوخة الالتهابية لديهم بعمرهم الحقيقي. من أصل 19 مشاركاً، سجّل 68% معدلاً منخفضاً نسبياً واقتصر أصحاب المعدل المرتفع على 31% فقط. في المقابل، تراجع مستوى ساعة الشيخوخة الالتهابية لدى 23% فقط من المشاركين في مجموعة مرجعية مؤلفة من كبار السن. سجّل المشاركون في عمر المئة وما فوق مستوىً أقل بعد، ما يثبت أن ساعة الشيخوخة الالتهابية ترتبط بمستوى استثنائي من متوسط العمر المتوقع.

الشيخوخة المناعية


تعني الشيخوخة المناعية تدهور وظيفة جهاز المناعة واختلال عمله مع التقدم في السن. كان بروتين CXCL9 الذي يرتبط بظاهرة الشيخوخة المناعية أبرز مؤشر على نمط ساعة الشيخوخة الالتهابية. ينظّم هذا البروتين الصغير الاستجابات الالتهابية والمناعية. في الأصل، يحمل البروتين روابط إيجابية مع العمر، لكن ترتفع مستوياته بدرجة كبيرة في عمر الستين.

ربما تتعلق الآلية الكامنة وراء عمل بروتين CXCL9 وتأثيره على الشيخوخة المناعية باختلال وظيفة الخلايا البطانية. تقع هذه الخلايا في بطانة الأوعية الدموية وتتولى في الحالات العادية تنظيم تدفق الدم. لكن قد تعزز الخلايا البطانية العمليات الالتهابية بعد تضررها.

بعد تحليل دور هذا البروتين لدى الفئران، تبيّن أن القوارض الأكبر سناً حملت خلايا بطانية متضررة وكميات متزايدة من بروتين CXCL9. أدت هذه الخلايا المتضررة إلى نشوء مشاكل مثل تصلب الشرايين. تذكر دراسات أخرى أيضاً أن تلك الخلايا البطانية المتضررة كانت مسؤولة عن زيادة سماكة عضلة القلب. تُمهّد هذه الحالات للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

يفترض العلماء أن الخلايا البطانية تتضرر في ظل زيادة إنتاج بروتين CXCL9 مع التقدم في السن، ما يؤدي إلى ارتفاع كمية الإشارات الالتهابية التي تُسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. لكن حين كبح الباحثون بروتين CXCL9 لدى الفئران، نجحوا حينها في تجديد وظيفة الخلايا البطانية السليمة جزئياً، ما يزيد احتمال ظهور علاجات مستهدفة بهذا البروتين واستعمالها كتدبير وقائي لتأخير شيخوخة الخلايا ونشوء الأمراض.

مــــنـــافـــع الســــاعـــة

تفتح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المجال أمام تشخيص الحالات الالتهابية وتدهور جهاز المناعة في مرحلة مبكرة. حتى أنها قد تسهم في تحديد الفئات المعرّضة لأمراض مبكرة وتُمهّد لاتخاذ تدابير وقائية لتحسين الوضع الصحي العام.

في هذا السياق، يكتب الباحثون في تقريرهم: "من خلال تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي على المراقبة المناعية العميقة للدم البشري، سنطرح ساعة شيخوخة التهابية يمكن استعمالها كأداة تشخيص تكميلية لإبلاغ الأطباء بحجم الأعباء الالتهابية في جسم المريض وبوضعه الصحي العام، لا سيما المصابين بأمراض مزمنة".

يسهم ابتكار ساعة الشيخوخة الالتهابية في إضافة أفكار مناعية مهمة إلى قائمة متوسّعة من ساعات الشيخوخة التي تتوقع الحالات الصحية بناءً على عمليات بيولوجية محددة.


MISS 3