إنتهاكات "طالبان" تُثير رعب غوتيريش والغرب يُجلي مواطنيه

المدن الأفغانيّة تتهاوى... والعين على كابول

02 : 00

"طالبان" تسعى إلى عزل كابول تمهيداً لإسقاطها (أ ف ب)

بينما تتهاوى عواصم الولايات الأفغانية كأوراق الشجر في فصل الخريف بيد حركة "طالبان" التي باتت على مشارف العاصمة الأفغانية، طمأنت وزارة الدفاع الأميركية أمس أن كابول لا تُواجه على ما يبدو "خطراً وشيكاً"، وقال المتحدّث باسم البنتاغون جون كيربي للصحافيين إنّ "كابول لا تشهد راهناً أجواء خطر وشيك"، مع إقراره في الوقت عينه بأنّ "طالبان" "تُحاول عزل كابول".

ولم يُخف البنتاغون قلقه حيال الوضع الميداني، لكنّه أكد أن القوات الأفغانية باتت تتحمّل المسؤولية الآن. وأضاف كيربي: "لقد لاحظنا بقلق كبير سرعة تحرّكهم (طالبان) والمقاومة المحدودة التي واجهوها، وكنّا صادقين جدّاً حيال ذلك". وتابع: "نُريد أن نرى العزيمة والقيادة السياسية، (واستطراداً) القيادة العسكرية، المطلوبة في الميدان"، مكرّراً أن "على الأفغان فعلاً أن يُقرّروا... ليست هناك نتائج حتمية".

وكشف كيربي كذلك وصول أوائل عناصر مشاة البحرية الأميركية إلى مطار كابول في إطار مهمّة أصدر الرئيس جو بايدن أمراً بتنفيذها الخميس، موضحاً أنه "يتوقّع وصول غالبية العناصر الثلاثة آلاف بحلول نهاية الأسبوع". وحول عمليات الإجلاء جوّاً، أكد كيربي أن العدد الكبير "لن يُشكّل مشكلة"، وأردف: "نحن قادرون على إجلاء الآلاف يومياً".

وفي السياق ذاته، أعلنت دول عدّة بينها هولندا وفنلندا والسويد وإيطاليا وإسبانيا خفض وجودها في البلاد إلى الحدّ الأدنى، لافتةً إلى برامج لإجلاء موظّفيها الأفغان. وأشارت ألمانيا أيضاً إلى أنها ستُقلّص طاقمها الديبلوماسي. وفضّلت دول أخرى مثل النروج والدنمارك إغلاق سفاراتها موَقتاً. وأعلنت سويسرا، التي لا سفارة لها، إجلاء عدد من المتعاونين السويسريين ونحو 40 موظّفاً محلّياً.

وفي الأثناء، أعلن الأمين العام لـ"حلف شمال الأطلسي" ينس ستولتنبرغ إثر اجتماع مع سفراء دول الحلف في بروكسل أن الحلف سيدعم الحكومة الأفغانية "قدر الإمكان" وسيقوم بـ"تكييف" وجوده الديبلوماسي. وقال ستولتنبرغ في بيان إن "الحلفاء في الأطلسي قلقون للغاية للمستويات العالية من العنف التي تسبّب بها هجوم "طالبان"، خصوصاً الهجمات على المدنيين وعمليات الإغتيال المحدّدة الهدف والمعلومات التي تتحدّث عن انتهاكات أخرى بالغة لحقوق الإنسان"، فيما يُعاد إلى الأذهان مشهد سقوط سايغون العام 1975.

من ناحيته، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن المعلومات عن انتهاكات لحقوق الأفغانيات يرتكبها مقاتلو "طالبان" تُثير الرعب. وقال: "أنا قلق للغاية إزاء معلومات أولية مفادها أن (مقاتلي) "طالبان" يفرضون قيوداً صارمة على حقوق الإنسان في المناطق التي يُسيطرون عليها. من المرعب والمؤلم خصوصاً أن نرى الفتيات والنساء الأفغانيات يُحرمنَ من حقوق اكتسبنها بعد جهد شاق".

بدوره، تعهّد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون "عدم إدارة الظهر لأفغانستان"، داعياً الدول الغربية إلى العمل مع كابول لتجنّب "أن تُصبح البلاد مجدّداً تربة خصبة للإرهاب". وأعلن جونسون متحدّثاً عبر قنوات التلفزة البريطانية إثر اجتماع أزمة حكومي، أن بلاده تعتزم "ممارسة الضغط" عبر القنوات الديبلوماسية والسياسية، مستبعداً حتّى الآن فرضية "حلّ عسكري".

وفي وقت سابق، حذّر وزير الدفاع البريطاني بن والاس من أن بلاده قد تعود إلى أفغانستان إذا بدأت في إيواء تنظيم "القاعدة" على نحو يُهدّد الغرب، وقال: "سأترك كافة الخيارات مطروحة، إذا كان لدي رسالة لـ"طالبان" من المرّة السابقة، فسوف تكون... إذا بدأتم في استضافة "القاعدة" ومهاجمة الغرب أو بلدان أخرى، فسوف نعود!".

ميدانياً، باتت "طالبان" على مشارف كابول تقريباً مواصلةً تقدّمها في أفغانستان، حيث استولت بالأمس على مدينة بولي علم، عاصمة ولاية لوغار الواقعة على بُعد 50 كيلومتراً فقط جنوب كابول، فيما أصبحت تُسيطر على حوالى نصف عواصم الولايات الأفغانية. وقد سقطت جميعها في أقلّ من 8 أيام.

وأتى ذلك بعدما سيطر المتمرّدون الإسلاميّون على لشكركاه، عاصمة ولاية هلمند في جنوب البلاد، بعد ساعات قليلة على سقوط قندهار ثاني مدن البلاد على بُعد 150 كيلومتراً إلى الشرق منها. وسيطرت "طالبان" كذلك، من دون أن تُواجه مقاومة، على شغشران، عاصمة ولاية غور في الوسط. وأصبح الجزء الأكبر من شمال البلاد وغربها وجنوبها تحت سيطرة مقاتلي الحركة الجهادية. وكابول ومزار شريف، كبرى مدن الشمال، وجلال أباد (شرق)، هي المدن الكبرى الثلاث الوحيدة التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة.

وفي واشنطن، إنتقد زعيم الجمهوريّين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل بايدن بسبب سياسته "المتهوّرة" تجاه أفغانستان. وقال ماكونيل في بيان إنّ "أفغانستان تتّجه نحو كارثة هائلة ومتوقّعة ويُمكن تفاديها. والمحاولات السرياليّة للإدارة، للدّفاع عن سياسات الرئيس بايدن الخطرة، هي صراحةً مهينة"، معتبراً أنّ "إدارة بايدن هبطت بالمسؤولين الأميركيّين إلى درجة مناشدة المتطرّفين الإسلاميّين لتجنّب سفارتنا، بينما يستعدّون للسيطرة على كابول".

كما دعا الزعيم الجمهوري بايدن إلى "الإلتزام الفوري بتقديم مزيد من الدعم للقوّات الأفغانيّة، بدءاً بدعم جوّي" ما بعد 31 آب، التاريخ المحدّد لإنهاء الإنسحاب الأميركي من أفغانستان، محذّراً من أنّه "من دون ذلك، قد تُحيي "القاعدة" و"طالبان" الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من أيلول عبر حرق سفارتنا في كابول".