ليبان صليبا

القوات كانت تعلم

28 آب 2021

02 : 00

لم تعد المواقف المغلّفة بحسن النوايا تخدع اللبنانيين وغير اللبنانيين بعد أن غلبت المصلحة الخاصة الضيقة على المصالح الوطنية في إطارها الشامل، ومنها مصلحة تشكيل حكومة تُنقذ ما تبقى من العهد والدولة والمنظومة من خلال تغليب الحد الأدنى من مصلحة اللبنانيين أجمعين من مقومات العيش وتأمين البديهيات بعد تخلّي الشعب اللبناني مُكرَهاً لا بطلاً عن الكماليات وجزء كبير من الأساسيات.

بعد أكثر من عام على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، واستهلاك رئيسين مكلّفين لتشكيل حكومة هما مصطفى أديب الآتي من بعيد وسعد الحريري المجرّب، أمل اللبنانيون أن تكون الثالثة ثابتة مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بعد اتضاح الرؤية والمواقف المطلوبة لتشكيل حكومة الفراغ ويبدو أن هذا الرهان آيل إلى السقوط أيضاً، وما عانى منه اللاعب الإحتياطي مصطفى أديب، كما اللاعب الأصيل سعد الحريري يعاني منه اللاعب البديل نجيب ميقاتي ليتأكد أن مرتا تلتهي بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد وهو اللعب في الوقت الضائع لتضييع المسؤوليات والإستحقاقات القادمة وعلى رأسها الإنتخابات النيابية، كما محاولة إعادة عهد ضائع في دهاليز التيار الوطني الحر الذي أضاع في السنوات الثلاث الأولى من العهد ثلاثين سنة من الجهد للعودة إلى بعبدا.

هنا لا بد من العودة إلى موقف "القوات اللبنانية" بعد "17 تشرين" مع التذكير بموقف رئيسها سمير جعجع على طاولة اجتماع بعبدا الإقتصادي في 2 أيلول 2019 بدعوته لاستقالة الحكومة التي كانت القوات مشاركة فيها لصالح تشكيل حكومة مستقلين بعدما أيقن استحالة تعايش مشروعين متناقضين في حكومة واحدة والأثر السيئ للصراع السياسي على معيشة اللبنانيين واقتصاد البلاد وخاصة في ظل غلبة فريق "8 آذار" الذي يرضى مشاركة قوى "14 آذار" كشهود زور وليس كشركاء في الحكم.

نذكر جميعنا أن رئيس القوات أعطى التوجيهات العلنية لمحازبيه ومناصريه بالمشاركة بفعاليات الثورة من دون مظاهر حزبية، وإضافة إلى الدعم الشعبي، منحها الدعم السياسي بسقوط الحكومة التي لم تستطع استيعاب استقالة وزراء القوات وتعيين بدائل لهم وكأن شيئاً لم يكن.

إسقاط الحكومة لم يكن الهدف الأخير للقوات، وما كان جائزاً في 2 أيلول 2019أصبح جائزاً بعد "17 تشرين" فانتقلت القوات إلى جبهة متقدمة في ملاقاة الزخم الشعبي والمطالبة بإعادة إنتاج السلطة بدءاً من انتخابات نيابية مبكرة وصولاً الى تشكيل حكومة منبثقة من نتائجها مروراً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية لاكتمال السلطة المنبثقة عن إرادة الشعب وثورته السيادية قبل أن تخترقها المجموعات التي خنقتها في مهدها.

الرأي الآخر قال بإمكانية التعايش مع العهد وفقاً لأسس وشروط جديدة اعتقد القائلون به أن باستطاعتهم فرضها على الرئيس ميشال عون المعروف عنه أساساً أنه يحترف اللعب على حافة الهاوية وإذا وصل إلى مفترق بين التراجع أو الهاوية فهو يختار الهاوية بدون تردد، أضف إلى ذلك مصير التيار الوطني الحر وعلى رأسه صهره وهذا ما زاد على التعنّت تعنّتاً أطاح بجميع محاولات تشكيل حكومة لا تحظى برضى النائب جبران باسيل "المترفع" عن المشاركة فيها، وهذا ما شكّل هزيمة لموقع الرئاسة الثالثة رغم تحالفها الظاهري مع الرئاسة الثانية، من دون أن يعني ذلك انتصاراً للرئاسة الأولى المحاصرة بسلسلة أزمات أنهت وجوده عملياً قبل نهاية الولاية فعلياً.

بعد استعراض سريع لهذه الوقائع، نعود إلى موقف رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وتكتل "الجمهورية القوية" برفض المشاركة في الحكومة، من التكليف إلى اللاتأليف، ليتبيّن أن مرتا معراب لم تلتهِ بأمور ثانوية بل أشارت مباشرة إلى مكمن الداء، أي المنظومة الحاكمة التي لا أمل منها ومعها، وبأنها أساءت استخدام فرصة السماح التي مُنِحَت لها وللعهد لتسجيل إنجازات لو قامت بها لكان العهد وتياره أكبر المنتصرين.

الخلاصة المتأخرة التي يجب أن تعترف بها القوى السياسية التي تدور خارج كنف قوى الممانعة، هو أن القوات كانت تعلم أن ذاك المسار سيؤدي إلى هذه النتيجة، والمطلوب واحد، وقف المكابرة وترك المنظومة تتدبّر أمورها فتشكّل الحكومة التي تراها مناسبة، والذهاب إلى تشكيل جبهة معارضة وإن جاءت متأخرة بعد خراب البصرة فتعالج أخطاءها وتترفع عن صغائرها وتضغط لإجراء الإنتخابات النيابية وإعادة تكوين السلطة على أسس سيادية ونزيهة واستبعاد جميع الأشخاص الذين تدور حولهم الشبهات، عوض الإلتهاء بتدبير مكيدة من هنا وتحضير مصيدة من هناك، ومن لم تجمعهم المبادئ فلتجمعهم المصيبة.


MISS 3