فادي جواد

تراجع مستوى الطلاب وخسارة إنتاجية الموظفين "يكذّبان" نجاح الـ"أون لاين" الذي فرضته "كورونا"

التواصل الافتراضي يحرم التعليم والتدريب فرص تطوّرهما

30 آب 2021

02 : 00

التدريب عن بُعد يغفل التواصل بالعين وبلغة الجسد لتفاعل المشاركين في ما بينهم
من المثير للاهتمام أن نرى كيف لعبت بعض فرق كرة القدم بشكل مختلف في الملاعب الفارغة! السبب هو غياب الطاقة. حيث ان لاعبي كرة القدم معتادون على الحصول على ردود فعل مباشرة من الجماهير، وهذا ما حصل في التدريب والتعليم عن بعد.





بعد مرور 18 شهراً على جائحة " كورونا " والاضرار الجسيمة التي لحقت بالاقتصاد العالمي وجميع القطاعات العاملة، وأدت الى تحول العديد من الاعمال الى العمل عن بُعد، واصبحت الكثير من تفاصيل حياتنا اليومية عبارة عن تواصل "اون لاين"، كان قطاع التعليم والتدريب وتطوير الموارد البشرية من أكبر المتأثرين من هذه الكارثة.

التجربة شخصية... "عن بعد"

ولتقييم هذه التجربة كان لا بد من دراستها بجميع جوانبها وتفاصيلها. وكان من الضروري جداً أن اخوضها شخصياً مع إثنتين من كبار الجامعات: "كولومبيا" الاميركية، و"انسياد" الفرنسية، المصنفتين ضمن الاوائل عالمياً. وهنا، لا بد ان أشير بأن التقنيات والبرامج التكنولوجية وقاعات الدراسة الافتراضية التي طورتّها هاتان الجامعتان كانت متميزة في جمع عدة وظائف لتوصيل المعلومة في وقت واحد. بالاضافة إلى هاتين التجربتين التعليميتين، اعتمدت في مقاربتي هذه على مجموعة من التجارب الشخصية ومنها:

خبرة 23 سنة في مجال التدريب.

التواصل مع أهم مطوري التعليم والتدريب الالكتروني في العالم خلال الـ18 شهراً الماضيين.

تنفيذي لعدد من أساليب التدريب الالكتروني، والافتراضي والمدمج، والتلقائي والشخصي.

دراسة وضع السوق وتطوراته وتفاعلاته مع الجائحة، وتجربة كل من القطاع المصرفي، الحكومي والبترولي في دول الخليج مع التدريب "اون لاين" ومخرجاته، وقياس العائد على الاستثمار منه ورد فعل الموظفين والتفاعل مع هذه التجربة. إنطلاقاً من كل هذا أوجز التالي، علها تكون رؤية واضحة لمستقبل التعليم والتدريب وسبل نجاحه.

في البداية استطرد الى حديث جرى بيني وبين اهم الرؤساء التفيذيين في الكويت بسؤالي له عما إذا كانت قد سنحت له الفرصة للسفر في إجازة خلال فترة الجائحة؟ وكان جوابه بالايجاب. حيث قام بسفرة الى دبي. ولكنها كانت سفرة عمل للقاء عدد من الشركات ورجال الاعمال من شرق آسيا. وذلك لاتمام بعض التحالفات الجديدة. ووقتها تعجبت وسألت: لماذا لم تقوموا بهذه الاجتماعات عبر تطبيق "زووم" كالعادة ! وكان جوابه: "لقد فشل زووم بخلق التفاعل الانساني المطلوب لبدء علاقة قائمة على الثقة والراحة. وهو امر مطلوب لاي علاقة تجارية. فالجلوس والدخول في مناقشات العمل على طاولات الإجتماعات والعشاء والقهوة التي تعتمد على لغة العين والانفعالات الجسدية والتقارب النفسي أنجح بما لا يقاس. حيث اوضح ان 90% من التعاقدات تنجح بالثقة ولا تبنى بالعالم الافتراضي".

وبسؤالي احد المتخصصين في التعليم الالكتروني "e-learning" الذي طور ثقافة التدريب الالكتروني في احدى اهم البنوك الاقليمية منذ اكثر من 7 سنوات وفعلها بشكل كبير خلال فترة "كورونا"، حول مدى نجاح التجربة ما قبل وخلال الجائحة، كان جوابه مفاجئاً لي، حيث قال: "لقد اعدت التدريب الحي عبر الحضور الفعلي واعدت افتتاح جميع القاعات التدريبية". وتساءلت عن السبب الذي يدفع بأحد رواد التحول الرقمي المتخصصين في هذا المجال أكاديمياً وعملياً بتفضيله التدريب الحي عن التدريب عن بعد. فقال: "ان التدريب الالكتروني جيد ومتاح لمواضيع محددة ومعينة. ويجب أن يُدخل التدريب المدمج بنسبة 20 الى 25% وأن لا يكون هو الاساس. حيث اننا فقدنا بناء على التجربة تفاعل العين لدورات خدمة العملاء، وتواصل لغة الجسد لتفاعل المشاركين في ما بينهم، وفقدنا التدريب العملي والحسي مع دورات التزوير... وباختصار لقد فقد التدريب مبدأه وغايته".

التدريب غير التعليم

تاريخياً، أُنشئ التدريب المؤسساتي "Corporate Training" من تجربة المدارس والكليات المهنية والتطبيقية Vocational Schools التي تعتمد على التجربة العملية الحسية، وليس الاكاديمية، والتي يتفاعل معها الموظف مع حالات عملية تستحضر فيها جميع حواسه وامكانياته المادية!

وأعود الى ما بدأت فيه من خلاصات ما ذكرت، والى تجربتي مع اهم الجامعات حيث اؤكد ان التدريب غير التعليم. التدريب هو فترة قصيرة من تلقي معلومات محددة بناء على احتياجات وظيفية محددة تتطلبها مجريات العمل والحاجات الوظيفية للمشارك. حيث يقوم بحضور دورة تدريبية معينة تغطي له احتياجاته عبر تفاعل عملي، انساني، حسي ومادي بما يرفع العائد على الاستثمار في التدريب.

خلال السنوات الماضية حضرت افضل تجربة تؤكد كلامي. حيث كنا في التسعينات نعتمد على "الشفافيات" و"الباور بوينت" ومواد علمية، تجعل المشاركين يملون من القراءة والتركيز على مُحاضر يسرد المعلومات. وكان النعاس يتسلل الى الكثير منهم ويفقدون التركيز بالرغم من اقامة الدورات في افخم الفنادق ووجود اشخاص معهم لتفعيل المحاضرة. وكان العائد وقتها لا يتجاوز 20%! وبناء عليه قمنا بتطوير الاسلوب التدريبي الذي كان جزء كبير منه بالطريقة الاكاديمية ونقلناه الى المستوى التالي عبر خلق فكر جديد عملي بحت، من خلال برامج محاكاة "Simulations, Gamification, Comics " وتعتمد على محاكاة عملية وفعلية للمواضيع المطروحة عبر الحركة الدائمة في القاعة والتفاعل مع الآخرين والمشاحنة الخلاقة والتنافس التعاوني. مما رفع العائد واصبح يتجاوز 80% وترك تجربة ممتعة وتاريخية للمشاركين.

يفند تقرير البنك الدولي بأن انتكاسة خطيرة لحقت في قطاع التعليم في المنطقة بسبب سياسة التعليم عن بعد، التي ادت الى ان 59% بالمئة من الاطفال في سن العاشرة لا يمكنهم قراءة نص بسيط وفهمه! ويقول رئيس المنظمة العربية للتربية: "إن التعليم عن بعد لم يعط اكثر من 20% من منهج التدريس الحضوري"!

لذا من واقع تجربتي مع الجامعتين والشركات العالمية المتخصصة في التعليم الالكتروني، وتجارب الآخرين مع عدد من الجهات ومواقع التدريب الشخصية او داخل مؤسساتهم التي أنشأت منصات تعليمية خاصة بها، وجدنا ان الجلوس امام شاشة لتلقي مواد ومواضيع تدريبية لساعات أفقد التدريب جوهر فكره! لقد انتظرنا 18 شهراً لنقيم التجربة من واقع خبرة طويلة وتجارب وتفاعل مع تطبيق القطاعات لهذه التجربة ومنصات اطلقت في جميع الشركات والمؤسسات. لقد انتظرت IBM الشركة الرائدة في مجال العمل عن بعد بحجم 40% من موظفيها عام 2009 وقامت باعادة آلاف الموظفين الى المكاتب في عام 2017، حيث لم يجدوا حلاً للحضور المشترك الذي يدعو للتواصل وحل المشكلات والابداع. ويرجع ذلك، كما اشاروا، إلى أن البشر يستشعرون بمعنى العالم وتفاعلاته من خلال لغة الايماء والعواطف والتجارب المجسدة وكلها مختلفة في التواصل الافتراضي.

في النهاية أدعو لعودة التعليم والتدريب بالحضور الشخصي وعودة الطلاب في جميع مراحلهم الدراسية والجامعية الى الالتحاق فوراً في مدارسهم وجامعاتهم، حتى لا نفاقم الخسارة في الحصول على مستوى علمي متقدم ومبشر. كما أدعو جميع المؤسسات التعليمية الى العودة فوراً الى فتح فصولها الدراسية لتعويض حجم الخسارة التي لحقت بهذا الجيل. ولكن اذا كان الجميع جاهزاً هل الدولة، وتحديداً في وطننا لبنان، جاهزة لتأمين البنية التحتية من كهرباء وانترنت ومحروقات لتأمين التعليم لأجيالها؟!