ريتا ابراهيم فريد

أطفال لبنان ضحية القلق والخوف من الغد

د. شانتال سعادة خليل: تفاعلوا مباشرة مع أطفالكم للحفاظ على صحّتهم النفسية

7 أيلول 2021

02 : 00

يتعرّض أطفال لبنان منذ حوالى سنتين لصدمة تلو الأخرى نتيجة الأزمات المتتالية التي نمرّ بها، وترافق ذلك مع تغيير كبير في نمط حياتهم، الأمر الذي جعلهم ضحية قلقٍ شديد وخوف من الغد. «نداء الوطن» تواصلت مع الإختصاصية في متابعة الصحة النفس- جسدية والإرشاد الأسري والبرمجة اللغوية العصبية، الدكتورة شانتال سعادة خليل، التي أوضحت أموراً عدّة تتعلق بالحفاظ على الصحّة النفسية للأطفال في هذه الظروف الصعبة.

بشكل عام كيف تؤثر الأزمات المتتالية على الصحة النفسية للأطفال؟

نعيش اليوم تحت وطأة مجموعة من الصدمات التي تعمل على تحطيم الجهاز النفسي في داخلنا، وباتت تتسبّب أيضاً بتلف للرادع لهذا الجهاز، أي المرونة والقدرة على التحمّل. وبالتالي، فالضغط الذي يعاني منه الأهل بات ينعكس بطريقة مباشرة على الأطفال. ولا بدّ من الإشارة هُنا الى أنّ هرم الإحتياجات الإنسانية الذي يذكره ماسلو (المكوّن من خمس درجات أساسية) لم يتبقّ لنا أي شيء منه اليوم. فالدرجة الأولى هي تأمين الإحتياجات الفيزيولوجية من مأكل ومشرب ومسكن ولباس وعلم وعمل وطبابة، حتى يستطيع الإنسان أن يصل الى الدرجة الثانية وهي الأمان، ثم الى درجتي الحب والثقة بالنفس، وصولاً الى درجة تحقيق الذات. فإذا غابت الدرجة الأولى التي تشكّل أساس الهرم، من الطبيعي أن أوّل ما سوف يتأثر عند الأطفال هو الشعور بالأمان. كما أنّ القلق وفقدان الأمان دفع بأولادنا أن يكبروا عشرين عاماً خلال سنتين، وبات الخوف من الغد يستحوذ على جزء كبير من تفكيرهم، الأمر الذي قد يترك تأثيراً مباشراً على إنتاجية الطفل وسلوكياته ونموّه العاطفي والفكري.

كيف يمكن أن نشرح لأولادنا حقيقة الوضع وخطورته من دون أن نرعبهم؟

لا شكّ في أنّ الأطفال يشاهدون ويسمعون من حولهم الكثير من الأخبار، لكن الأهمّ هو ما يسمعونه من أهلهم داخل البيت. فبنظر الأطفال، الوالدان هما الأصدق والأهمّ، ووجودهما ودعمهما هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يريحهم في هذه المرحلة. من الضروري أن يجلس الأهل مع الطفل ويتحدّثوا إليه بكلمات بسيطة توازي عمره، ويشرحوا له أننا لم نعد نستطيع أن نعيش كما كنا نعيش في السابق، وأننا قد نستغني عن بعض النشاطات، لأن أموراً عدّة تغيّرت من حولنا، والأهمّ أن نوضح لهم أنها تغيّرت على كل الناس، وليس علينا فقط. ومن الضروري أيضاً أن نؤكّد للطفل أنه ليس مسؤولاً عن هذه التغييرات، بل على العكس، عليه أن يعرف أننا كعائلة علينا أن نبقى متماسكين وندعم بعضنا البعض. ويمكننا أن نضع خطة لتنظيم حياتنا بطريقة نؤمّن فيها احتياجاتنا الأساسية قدر المستطاع. ويجب أن نؤكّد لأولادنا أنّ محبّتنا لهم لن تقلّ أبداً، وهذه فترة إستثنائية وسوف تمرّ، ولن تدوم الى الأبد.

هل من الصحّي أن يستمع الأطفال الى نشرات الأخبار أو أن يتابعوا البرامج التلفزيونية التي تتحدّث عن الأزمة؟

من الأفضل إبعادهم عن ذلك. فهناك بعض الأمور التي لن يستطيع الطفل أن يفهمها، وصور قد تكون قاسية عليه، وبالتالي سوف تتسبّب له بالقلق والخوف. كما أنّ أغلب الأحاديث والسجالات على الشاشات اليوم تتضمّن عنفاً في التعاطي مع الآخر، وبالتالي لا تحتوي على أي عامل مساعد لنموّ الطفل فكرياً وإجتماعياً.


كيف يمكن للأهل أن يحافظوا على جوّ الأمان لدى أطفالهم لحمايتهم من الدخول في دوّامة القلق؟


العنصر الأهمّ الذي يتوجّب علينا أن نحافظ عليه في منازلنا هو الحوار ونوعية الخطاب الذي نتحدّث به. وعلينا الإبتعاد عن توصيف أنفسنا بعبارات قاسية على مسامع الأطفال، مثلاً أننا شعب يستحق ما يصيبنا، أو تعابير أقسى تتضمّن فقداناً كلياً للأمل، مثل عدم الرغبة بالعيش. هذا الخطاب الذي يتكرّر يومياً قد يستقرّ في اللاوعي عند الطفل، ويتحوّل الى نسخة غير قابلة للتعديل، بحيث يصبح الطفل مؤمناً بها، وقد يقول بينه وبين نفسه: "لماذا عليّ أن أحاول؟ فأنا محكوم بالفشل والعجز".

ما هي النصيحة التي يمكن تقديمها للأهل كي يتجنّبوا نقل التوتّر الذي يعيشونه الى أطفالهم؟

على الوالدين ألا يفقدا صلة الحوار والإحترام بين بعضهما نتيجة الضغوطات اليومية، وأن يتجنّبا التحدّث عن خلافاتهما أمام الأولاد. أنصحهما بأن يحاولا سرقة لحظات فرح وسلام مع الأصدقاء، وأن يبتعدا عن الإستماع الدائم الى الأخبار. لكن حين تخرج الأمور عن السيطرة ويتحوّل التوتّر الى عنف أو كآبة، من الضروري على الأهل أن يطلبوا الدعم من أصحاب الإختصاص. كما أنّ الصلاة والإيمان يشكّلان إسعافات نفسية أولية من الضروري التحلّي بها.

ما هي الأساليب التي تساعد الأطفال على التعبير عن مشاعرهم من دون أن يتمّ الضغط عليهم؟

يمكن الإستعانة بقراءة القصص الهادفة للأطفال، أو عن طريق الرسم الحرّ، حيث أنّ الطفل سيُسقط مخاوفه وأسئلته تلقائياً على الورقة. وبعد أن ينتهي يمكن أن نسأله عن الشخصيات التي رسمها ونتحدّث معه عن المضمون، ثم نعطيه ورقة جديدة ونطلب منه أن يعيد الرسم مجدداً مع التغييرات التي يراها مناسبة. ومن خلال اللعب أيضاً نستطيع أن ندفع بالطفل الى التعبير عن مشاعره. فيمكننا أن نطلب منه أن يجسّد مشهدية معيّنة، وبعد أن نسأله عن الشخصيات، نطلب منه أن يعيد المشهدية ويضع النهاية التي يحبّ أن يراها. بهذه الطريقة نخفّف عنه الشعور بالعجز، ونزرع مكانه القدرة على التغيير.

كيف يجب على الأهل أن يتعاملوا مع موضوع التقشّف في تأمين الحاجات المنزلية أمام أطفالهم؟

من الضروري أن نشرح للطفل الفرق بين الإحتياجات الفيزيولوجية والعاطفية التي نسعى جاهدين كأهل كي نؤمّنها له، وبين الرغبات التي لم يعد لدينا القدرة اليوم على تلبيتها كما في السابق. ولا بدّ من الإشارة الى أنّ بعض التعابير التي يستخدمها الأهل عن غير قصد، والتي يظهر من خلالها أنهم يشعرون بالذنب أمام طفلهم، قد تتسبّب بالأذية له وتدفعه الى إلقاء اللوم على نفسه، حيث سيشعر بأنه يشكّل عبئاً على والديه. من المهمّ إذاً تغذية المخزون العاطفي لدى الأطفال من خلال التحفيز والتفاعل المباشر معهم، وبالتالي سيفهم الطفل عن طريق الحوار أنّ هناك نمط حياة جديداً اضطررنا الى السير به.


ما هي الظواهر أو علامات التغيير في السلوك التي قد تظهر على الأولاد بحيث تستدعي لفت انتباه الأهل لعرضهم على معالج نفسي مختصّ؟


هناك مظاهر خوف تظهر عند الطفل وتؤدي الى تراجع في إنتاجيته. ومن العلامات أيضاً: عدائية ملحوظة في التعاطي مع الآخرين، إنزواء، حزن شديد، نوبات غضب قوية، نوبات بكاء غير مبرّرة، تغيّرات في شهيّته على الطعام، كوابيس ليلية وأرق، علامات نفس- جسدية، وهي أوجاع يشتكي منها الطفل من دون أن يكون لها مسبّب بيولوجي عضوي (يظهر ذلك بعد إجراء الفحوصات الطبية)، التأخّر النفسي مثل التبوّل اللاإرادي بدءأ من عمر الخمس سنوات، التأتأة، قضم الأظافر، شدّ الشعر... هذه العلامات إذا استمرت لأكثر من شهر، تستدعي الإستشارة والتدخل السريع.


في ظلّ الإمكانات المادية المحدودة، كيف يمكن للأهل أن يرفّهوا قليلاً عن أطفالهم؟


علينا كأهل أن نعطي من وقتنا لأطفالنا، وأن يكون تواجدنا معهم قيّماً. أن نضحك معهم ونتشارك الخبرات والذكريات، أن نبتسم أمامهم قدر الإمكان وألا نستخفّ بمشاعرهم. يمكن أيضاً أن نتشارك معهم في بعض النشاطات التي يحبّونها والتي لا تستدعي كلفة مادية، كسماع الموسيقى مثلاً. أن نغمرهم ونقبّلهم ونخبرهم كم نحبّهم، وأن ننتبه الى انتقاء كلمات مشجّعة وداعمة لهم. يمكننا أيضاً أن نخبرهم قصص أبطال تحدّوا الظروف الصعبة ونجحوا في حياتهم، كي نزرع فيهم الأمل وحبّ الحياة. أطفالنا هم الأمانة الأغلى، وعلينا أن نحميهم وألا نسمح بأن يصبحوا ضحية لحرب الكبار.