مايا الخوري

نقولا دانيال: الطائفية مرض مزمن يجب إقتلاعه من جذوره

8 أيلول 2021

02 : 05

من مسلسل "وين كنتي" للمخرج سمير حبشي
عبر عقود من الزمن، تميّز نقولا دانيال، الأستاذ الأكاديمي والمؤلف والمخرج المسرحي، بتقديم شخصيات تحوّلت بفضل خبرته المعتّقة إلى أُناس من قالب وروح سواء على المسرح أو في الدراما. يُطل حالياً بشخصية "بهيج" في مسلسل "صالون زهرة" ويُنجز كتاباً عن قريته "مغدوشة". عن المسرح، الوطن والدراما، يتحدّث إلى "نداء الوطن".

نعيش مسرحية ذلّ على إمتداد الوطن، من هو السناريست الذي يكتب يوميّاتنا والمخرج الذي يديرنا على كيفه والمنتج الذي يتحكمّ بنا؟

نرى الواقع بوضوح أكثر متى خرجنا من الأحداث المحلية وتابعنا تطورات الخريطة العربية بدءاً من الربيع العربي. أكلت معظم البلدان العربية نصيبها من التطرف التكفيري سواء في العراق أو سوريا وصولاً إلى أفغانستان. نقرأ مشكلاتنا على أنها نابعة من الداخل ومن أمراضنا المزمنة، لكن إذا نظرنا إلى الخضات العالمية، لاحظنا قدرة خارجية كبرى تحرّك أحجار الداما على كيفها لتركيب خرائط جديدة.



من مسلسل "ثورة الفلاحين" للمخرج فيليب أسمر




كيف تصف هذه المرحلة مقارنة مع الحروب والأزمات السابقة في البلد؟


نعيش حالياً ظروفاً أخف من قساوة الحرب. أتذكّر أن الخوف والخطر كانا شديدين من القصف والذبح على الهوية، لكن إنحصر الهمّ في مكان معيّن واضح ومقروء. لم نشهد وقتذاك إحتكاراً مشابهاً لما نراه اليوم، ولم نَعِشْ حصاراً يُحكم الطوق على رقابنا، بعدما أصبحنا شعباً "مُدوْلراً". نُهب بلدنا منذ زمن بعيد، وسُرقت أموالنا، وقُبض على تعويضاتنا. نحن مستهدفون بلقمة عيشنا ومحروقاتنا وأمننا وكرامتنا ولا أفق واضحة.



لعب المسرح في الماضي دوراً على صعيد خلق رأي عام مناهض للظلــــم، أي دور يُفترض أن يؤديه اليوم؟


يرتكز المسرح المكتمل على تجمّع أناس في صالة، يتواصلون ويتحادثون قبل المسرحية وبعدها، لكن إنتشار وباء "كورونا" ضرب هذا اللقاء بالدرجة الأولى ومن ثم جاء الإنهيار الإقتصادي ليصبح همّنا الأول تأمين لقمة العيش. كنّا ننتج أساساً بلحمنا الحيّ وعبر طلب مساعدات من المصارف والمؤسسات والصحف، فزاد هذا الواقع المستجدّ الطين بلّة على واقع المسرح والفنون كلّها، حيث عاد الفنانون إلى العمل في المنزل. ولكن أي فنان قلق على مصير عائلته بسبب الوضع الإقتصادي، يمكنه التفكير بالفنّ والإبداع وأي جمهور يهتمّ بشراء بطاقة مسرح بعدما أصبح همّه عدّ أرغفة الخبز وحليب الأطفال والدواء؟



شكّلت بيروت عاصمة الثقافة والفنّ والإبداع في العالم العربي، ما موقعها اليوم بعد إنفجار المرفأ الذي دمّر الحجر والبشر؟


نعيش مأساة في الصعد كافة، ما حدث في عكّار أيضاً مأساة كبيرة نتيجة إهمالٍ وإحتكارٍ وتخزينٍ، ذهب ضحيتها أبرياء كثيرون. أوليس تخزين الأدوية المسكّنة لآلام الضحايا التي وجدها وزير الصحة في المخازن نوعاً من العبث بالحياة والمتاجرة بالشعب؟ نتذكّر بيروت في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، كانت فعلاً سويسرا الشرق التي تضمّ أناساً من المجتمعات كلّها، كما شكّلت ساحة البرج النابضة بالحياة مصغّراً عن لبنان كله، فشعرنا حينها بأننا شعب تطلعاتٍ وآمالٍ للنهوض بالدولة. هل نتكلّم عن مأساة المرفأ أو عن جيوبنا الفارغة أو عن أي قطاع متضرّر بسبب الأزمة؟ نعيش أسوأ أيّامنا. أدرك اللبناني في الماضي ماهية كفاحه، فلم يُذلّ، لأنه كافح في سبيل العيش، لكنهم سرقوا منّا الكفاح أيضاً.



من مسلسل "أحمد وكرستينا" للمخرج سمير حبشي




لماذا يسكت الشعب برأيك؟


تحرّكنا في 17 تشرين. نحن مكبّلون بنظام وطبقة سياسية حاكمة بأمرنا، كما يتحكّم بنا مرض عضال شنيع مزمن هو الطائفية، يفتك فينا ويُبعدنا عن بعضنا البعض لذا يجب إقتلاعه من جذوره. يجب إرتكاز أي شكل من أشكال التغيير في البلد على إنتزاع هذه المحاصصة والتركيبة الطائفية، والعبور نحو العلمانية. يؤمن قسم كبير من اللبنانيين الذين شاركوا في الإنتفاضة أو لم يشاركوا، بتطوير هذا البلد، وهم يسعون إلى بلد يستحقّ الحياة والعيش فيه. يفتح الحكّام بأنفسهم أبواب الهجرة بسبب نظامهم وطريقة حكمهم، لأن الشباب المتطلّع إلى الأمام يرى مستقبلاً ضبابياً غير واضح المعالم، لذا لم أعد ألوم من يقرر الهجرة.


تؤدي دور "بهيج" في مسلسل "صالون زهرة" (تأليف نادين جابر، إخراج جو بو عيد)، يُعرض عبر" MBC " ومنصة "شاهد"، ما المميّز بهذه الشخصية النافرة؟

أدعو دائماً إلى كتابة شخصيات تعطي هامش إبتكار للممثل، فلا يكرر نفسه ولا يملّ المشاهد. أبحث دائماً عن ماضي الشخصية وتاريخها المؤثر لتركيبها وبناء نفسيتها. رأيت هذه الشخصية مختلفة عن الشخصيات العادية، لذا بحثت عن تفاصيل لبنائها، ولرسم أسلوبها الخاص في التصرفات والعلاقة مع الآخرين. صوّرت "بهيج" إنساناً ظريفاً، يعمل في موتيل شعبي درجة ثالثة يكسب منه لقمة عيشه، وهو متصالح مع نفسه ومع مهنته. يخفي ضعفه وألمه، مستخدماً الكذب للهرب من واقعه أمام صورة زوجته، حيث يكون حقيقياً يلامس الوجدان. رغبت في إظهار خطوطٍ في شخصيته تُكسبه تعاطف الجمهور خصوصاً أن مهنته وضيعة. أوجّه رسالة من خلاله إلى عدم تعيير الإنسان بمهنته وشكله الخارجي، بل يجب العودة إلى أعماق الآخر ونفسيته لإكتشاف أبعاد أخرى من شخصيته. أركّز في أدواري على إظهار إختلاف كل إنسان، لأن كلّاً منّا عالم غامض بحد ذاته.



ما أهمية خبرتك الأكاديمية والمسرحية في إتقان رسم شخصياتك، بغض النظر عن مساحتها في المسلسل؟

بعد تراكم خبرات الممثل، وإكتسابه خبرة أكاديمية مهمّة، يصبح متميّزاً بمنهجيته في العمل، حيث يقارب الشخصيات بالجديّة نفسها بغضّ النظر عن حجمها ومساحتها، باحثاً بين سطور الكاتب عما يساهم في بناء الشخصية وتحويلها إلى لحم ودم. نكتسب منهجية تركيب الشخصية ودراستها بعمق في الجامعة، لذا من السهل معرفة الممثل الأكاديمي على الشاشة.



تقدّم المنصات الرقمية إنتاجاً جيّداً، فتعرضها المحطات المحلية كعرض ثانٍ أو ثالث، هل يخفف ذلك من وطأة الإنتاج التلفزيوني في ظل الإنهيار الإقتصادي؟

ينتشر المسلسل في الخارج بفضل الفضائيات وهذه المنصات المشفّرة، كما يُشاهد بشكل محدود في لبنان، برأيي لا يؤذي هذا الأمر الدراما بل على العكس يشجعها ويقويها، بفضل إنتشار كتّابنا وممثلينا أكثر في الدول العربية والإغتراب. ولكن، عندما يُعرض المسلسل كعرض ثانٍ أو ثالثٍ عبر المحطات الأرضية، يصبح باهتاً، لا رونق له. للأسف، لم يعد جمهورنا المحلي الذي هو الأساس والحقيقي، مهتمّاً سوى بلقمة عيشه، بسبب الوضع الإقتصادي الذي ينعكس تأمين الخدمات مثل الكهرباء والإشتراك بالفضائيات وغيرها.



ما هي قراءتك إذاً لواقع الإنتاج الدرامي ومستقبله في لبنان؟

تنتج الشركات الكبيرة في لبنان أعمالاً مشتركة لعرضها فضائياً، لأن الإنتاج المحلي صعب في ظل الوضع الإقتصادي الراهن، ومن يريد تقديم إنتاج جيّد، يسعى إلى إسترداد أرباحه لتحقيق إستمراريته ولضمان لقمة عيش الممثلين وفريق العمل.




من مسرحية "ودار الفلك" للمخرج سليمان البسام



يخضع الفنّان لشروط العرض والطلب، كيف تقيّم العروض بعد عقود من مسيرتك المهنية؟

يبقى هامش الإختيار ضيّقاً لدى من يعتاش من هذه المهنة، لأنه سيضطر إلى قبول أدوار تضمن إستمراريته معيشياً مهما كان حريصاً على مستوى أعماله. أمّا من يعتاش من مصدر آخر، يتّسع هامش الإختيار لديه، لذلك يختلف العرض والطلب بين الممثلين. أمّا النجوم، فهم خارج التصنيف لإختلاف العرض والطلب بالنسبة إليهم، ووضوح ما يتقاضون. يجب أن يستمرّ الممثل بالعمل والتواصل مع جمهوره، خصوصاً بعدما أصبح مجال العرض والطلب محدوداً نسبياً، مقارنةً مع عدد الممثلين وشركات الإنتاج التي تتطلّع حالياً إلى الأعمال المشتركة.



مجتمعنا غنيّ بمواضيع درامية شيّقة، لماذا نقتبس من الخارج ونلبنن؟

لا أرفض مبدأ الإقتباس واللبننة، إلا أنني أشجّع الكتاب اللبنانيين المبدعين على مقاربة الواقع اللبناني المحلي من دون خوف، والتحدث عن قرية معيّنة وعن تجربة إنسانية من صلب مجتمعنا لأن الطريق إلى النجاح تبدأ بالإنطلاق من حقيقة الناس المحيطين بنا. عندما تُبنى القصة على وقائع إنسانية حقيقية، تكون مقبولة في كل العالم العربي. ينطلق بعض الكتّاب من واقعنا وهم واضحون في مقارباتهم له، إنما يخضع هذا القطاع للعرض والطلب، وبالتالي قد لا يجد الموضوع الجميل منتجاً له. تفضّل شركات الإنتاج المموّلة قصة حبّ مضمونة النجاح بدلاً من نصّ واقعي محليّ. برأيي يحتاج هذا النوع من الإنتاج إلى شجاعة من قبل الشركات وإلى وطنية، لتنويع الموضوعات وتشجيع الكتّاب خصوصاً بعدما أثبتت بعض الأعمال اللبنانية نجاحها. فليعرضوها في العالم العربي لنرى ما إذا كانت مقبولة أم لا.



ما هي نشاطاتك الحالية؟

أنجز كتاباً عن جزءٍ من حياة قريتي "مغدوشة"، يتضمن حوالى 50 سنة من تاريخنا الإجتماعي. ينقسم ما بين عرض معلومات، وسرد خبريات وذكريات عن نشأتي فيها مع الأصدقاء والعائلة. أصيغ الكتاب بأسلوب ظريف يشبه شخصيتي.