إفتتح مؤتمر "المدرسة الكاثوليكيّة في لبنان: نحو إمكانيّات جديدة"

الراعي يصلّي لميقاتي وللوزراء: كلّهم ينظرون إليكم

02 : 00

لإستراتيجيّة مشتركة تطبّقها كلّ مدرسة وفقاً لواقعها ومحيطها ومساحات عملها

وجّه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، في كلمة القاها في مؤتمر المدارس الكاثوليكيّة السابع والعشرين التحية الى رئيس الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي والوزراء، من خلال ممثل رئيس الجمهورية وزير التربية القاضي عباس الحلبي، وخاطبهم بالقول: "تعلمون ان الشعب اللبناني والاسرتين العربية والدولية ينظرون كلهم الى الحكومة. ونحن نصلي لكي تتمكّن من النهوض الصعب بلبنان من كل النواحي. بهذا الرجاء نصلّي، ونشكر الله على حلّ هذه الأزمة السياسية بتشكيل الحكومة".

وكان الراعي يتحدث في كلمة القاها في مؤتمر "المدرسة الكاثوليكيّة في لبنان: نحو إمكانيّات جديدة" المنعقد في مدرسة سيّدة اللويزة - زوق مصبح، مشيراً الى ان المدارس "تمرّ في مرحلةٍ دقيقة من حياتها، بسبب الأزمات المتنوّعة: الاقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة والإجتماعيّة، بالإضافة إلى جائحة كورونا. وقد خرج منها شعبنا منهوك القوى الحياتيّة، والمدرسة رازحة تحت فقر الأهل والعجز في الميزانيّة، وفاقدة القدرة على القيام بواجباتها تجاه أساتذتها وموظّفيها ما ألزمها مرغمة وآسفة على الحدّ من عددهم، وما أفقدها العديد من تلامذتها، فتفاقمت المشكلة الإجتماعيّة، فضلاً عن نزيف الهجرة العائليّة، وخسارة معلّمين ذوي خبرة وكفاءة، وتدنّي المستوى العلمي".

واعتبر الراعي ان موضوع المؤتمر "نحو إمكانيّات جديدة" يأتي "ليشكّل تحدّياً يؤمن ببزوغ فجر جديد يلي ستار الليل الذي تمرّ فيه المدرسة الكاثوليكيّة، راجين انقشاعه بعد طول انتظار، ومن بين هذه الإمكانيّات ثلاث: الأسرة التربويّة، ومفهوم المدرسة الكاثوليكيّة، والتنسيق بين مدارسنا. وقال:

أوّلًا: الأسرة التربويّة:

يجب إحياء الأسرة التربويّة وتفعيلها بحيث يشارك في عمليّة التربية الروحيّة والعلميّة والأخلاقيّة والإجتماعيّة والوطنيّة، الإدارة والدولة والأهل والمعلّمون والتلامذة والمرشدون ومعلّمو التعليم المسيحيّ، ورابطة الأهل والقدامى والمجتمع. هذه التربية المتنوّعة الأبعاد تشكّل تعليماً نوعيّاً شاملاً، يجعل من التلامذة "مسيحيّين ناشطين، وشهوداً للإنجيل، ومواطنين مسؤولين". كلّ تلميذ هو شخصيّاً محور العمليّة التربويّة وهدفها. فيجب أن يتأمّن له هذا التعليم النوعيّ الشامل، والتربية على الحريّة المسؤولة والمبادرة الذاتيّة إلى تثقيف ذاته، واكتشاف مواهبه، وبناء معرفته، وتوجيهها كلّها نحو الخير والحقّ والعدل والجمال. ويجب على الأهل والمعلّم والإدارة مساعدته وتشجيعه وتوجيهه على تحقيق ذلك.

كلّنا نرى بألم عدم الجديّة والإلتزام وقلّة الإحترام للأهل وللكبار لدى أجيالنا الطالعة. ونشاهد تراجعاً في الإيمان وروح الصلاة، وتدنيّاً في الأخلاق، وإخلالاً في محبّة الوطن وفي الولاء له والمحافظة على مؤسّساته العامّة. لذلك تحتاج تربية أولادنا تضافر قوى جميع أعضاء الأسرة التربويّة.

العائلة هي المدرسة الطبيعيّة والأساسيّة الأولى، وخليّة المجتمع، والكنيسة البيتيّة، وتأتي بعدها المدرسة والرعيّة والمجتمع. لكلّ واحدة منها وسائلها الخاصّة. ولكن من واجب المدرسة أن تبني علاقاتها الخاصّة معها كلّها، من أجل تفعيل دورها ووسائلها. هذا يقتضي أن تكون لدى المدرسة استراتيجيّة خاصّة لهذه الغاية.

فنرى من واجب اللجنة الأسقفيّة والأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة أن تضع استراتيجيّة مشتركة، تطبّقها كلّ مدرسة وفقاً لواقعها ومحيطها ومساحات عملها. في طليعة هذه الإستراتيجّية يأتي الأهل الذين يقع عليهم واجب تربية الأولاد الذين نقلوا إليهم الحياة. فهم مربّوهم الأول والأساسيّون وليس من بديل عنهم. إذا أخلّوا بهذا الواجب، يصعب جدّاً تعويضه. إليهم يعود خلق جوّ من تقوى الله وسلامة العلاقات، من شأنه تعزيز تربية أولادهم تربية كاملة ببعديها الشخصيّ والإجتماعيّ. بهذه الصفة العائلة هي المدرسة الأولى للفضائل الإجتماعيّة التي تحتاجها كلّ المجتمعات. وهي كنيسة بيتيّة تقدّسها نعمة سرّ الزواج، وفيها ينفتح الأولاد، منذ طفولتهم، على محبّة الله وروح الصلاة وعلى محبّة القريب وفقاً لإيمانهم، ويدخلون شيئاً فشيئاً في جماعة شعب الله.

ويأتي في الإستراتيجيّة وجود إدارةٍ حكيمة، ذات حوكمة متجدّدة، ودور المعلّم المميّز. فهو لا ينفّذ فقط المناهج الأكاديميّة، بل يُسهم بأدائه وطريقة عيشه في تعليم التلميذ الآليّة السليمة لتقييم الخيارات والقرارات، وإنماء حسّه النقديّ، وقدرته على المساءلة، ونضجه في فهم ذاته، وكيفيّة التعاطي مع الآخرين.

ويدخل في هذه الإستراتيجيّة دور المجتمع بما له وعليه من حقوق وواجبات تجاه الوالدين والأجيال الطالعة من أجل خيرهم ونموّهم، من خلال تأمين الخير العام، عبر البلديّات والنوادي والجمعيّات الأهليّة والإقتصاديّة والثقافيّة والنقابات بمختلف أطيافها.

وتحتلّ الكنيسة في هذه الاستراتيجيّة دوراً خاصّاً، لأنّ من واجبها، بالإضافة إلى توفير التربية لجميع الشعوب، إعلان طريق الخلاص لجميع الناس، ونقل حياة المسيح الجديدة إلى المؤمنين، ومساعدتهم لبلوغ ملء هذه الحياة، وإنعاش حياتهم بروح المسيح.

أمّا ما يختصّ بدعم المدرسة الكاثوليكيّة، فيجب أن ترسم الإستراتيجيّة خطّة لهذا الدعم تشمل قدامى المدرسة وأصدقاءها ومحسنين، غايتها مساعدة الأهل على تسديد أقساط أولادهم بالتنسيق مع إدارة مدرستهم. ويبقى واجب يقتضي من المرجعيّات الكنسيّة وإدارات المدارس إتخاذ القرارات الجريئة التي ترضي المعلّمين، ولا ترهق الأهل، سعياً إلى تسهيل العودة الحضوريّة إلى المدارس.

ثانياً: كاثوليكيّة المدرسة الكاثوليكيّة

عندما نقول "كاثوليكيّة" لا نقتصرها على الكنيسة الكاثوليكيّة بل نعني بها "المسيحيّة" بالشكل الشامل. فنقول بحسب تعليم المجمع الفاتيكانيّ الثاني، أنّ "ميزة المدرسة الكاثوليكيّة أن تعطي حياةً لبيئة جماعيّة مدرسيّة يحييها الروح الإنجيليّ، روح الحريّة والمحبّة، وأن تمكّن الأجيال الطالعة من النمو كخليقة جديدة اكتسبوها بالمعموديّة، فيما هم ينمون بشخصيّتهم الطبيعيّة. وينبغي أن ينسّقوا بين ثقافتهم العلميّة ورسالة الخلاص، بحيث ينيرون بالإيمان معرفة العالم والحياة والإنسان، ويتربّون على تعزيز خير مدينة الأرض، ويتهيّأون في الوقت عينه لخدمة ملكوت الله ونشره". هذه التربية المسيحيّة تسعى إلى هدف واحد هو تدريب أولادنا الموكولين إلى تربيتنا على أسمى مثال حيّ: يسوع المسيح ورسالته الإنجيليّة. هذا يقتضي تعزيز مادّة التعليم المسيحيّ في جميع الصفوف، وتأمين القدّاس الأسبوعيّ وسرّ الإعتراف لجميع الطلّاب وفقاً لأقسامهم. إنّ المدرسة تساعد هكذا طلّابها والهيئات التعليميّة للإندراج في حياة رعاياهم. وهذه إحدى توصيات الإرشاد الرسوليّ. من أجل هذا الهدف المعطوف على رسالة الكنيسة، ترى المدرسة الكاثوليكيّة ذاتها حريصة، إنسجاماً مع اسمها، على أن تظلّ في متناول إختيارها من جميع اللبنانيّين في أنحاء الوطن كافّة من دون أيّ تمييز أو تفرقة.

لبنان اليوم، بعدما فرّقته الأحزاب وجزّأه السياسيّون، وكثرت فيه الولاءات لدول أخرى وللطوائف، أضحى بأمسّ الحاجة إلى تربية جديدة على محبّة الوطن والولاء له وعلى الأخوّة في الإنسانيّة والمواطنة التي شدّدت عليها "وثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السلام العالميّ والعيش المشترك"، التي وقّعها قداسة البابا فرنسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيّب في أبو ظبي بتاريخ 4 شباط 2019، والرسالة العامّة للبابا فرنسيس "كلّنا إخوة" التي وقّعها على ضريح القدّيس فرنسيس الأسيزي في 3 تشرين الأوّل 2020. حاجتنا أن تدخل هاتان الوثيقتان في صميم التربية في مدارسنا. وهي تربية تنسجم مع نظامنا السياسيّ في لبنان القائم على التعدّدية الدينيّة والثقافيّة، والحوار، والعيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين، والمشاركة بالمساواة في الحكم والإدارة، وإقرار جميع الحريّات العامّة، والإنتماء إلى لبنان بالمواطنة لا بالدين، وحياد لبنان عن الصراعات والأحلاف والحروب الإقليميّة والدوليّة. هذه الميزات اللبنانيّة تشكّل الأساس للأخوّة في الإنسانيّة والوطن.

ثالثاً: التنسيق بين المدارس الكاثوليكيّة

لقد وُجدت الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكية، ليس فقط للمطالبة بحقوقها المشتركة، بل أيضاً للإلتزام المشترك في واجباتها القانونيّة العادلة والمنصفة، وبخاصّة للتنسيق في ما بينها. وهو تنسيق يشدّ أواصر وحدتها الداخليّة. يشمل التنسيق توفير حسن العلاقات مع رابطات أولياء الطلّاب ونقابة المعلّمين. كما يشمل تحديد العطلات، وساعات التدريس، وأيّام التعطيل، والمبادرات للتخفيف عن كاهل الأهل ممّا يرهقهم من كماليّات، وإعادة النظر في مضامين الميزانيّات، والعمل على المحافظة في آن على الطلاب والمعلّمين والموظفين، ريثما يبيد الله وباء كورونا، وتستعيد بلادنا حيويتها وحياتها الطبيعيّة، ويخرج شعبنا من نفق الأزمة الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة والإجتماعيّة بهمة الحكومة الجديدة..."


MISS 3