"موديز" تراقب وتتوعّد: أمامكم 3 أشهر

لا صوت يعلو فوق صوت السلطة!

00 : 00

خسئ المتآمرون وبئساً للعاملين على "توهين نفسية الأمة"، فالاقتصاد على ما يُرام والدولة بألف خير وكل من يروّج لغير ذلك سيُلاحق حتى اقتلاع جذوره من الحقل العام... هذا باختصار ما خلص إليه مشهد الاستنفار والنفير والتهديد والوعيد الذي حرصت السلطة على تظهيره خلال الساعات الماضية لردع أي صوت معارض تحت طائل إخضاعه للاستجواب والتحقيق والدكّ في السجون، فاكتموا الأنفاس وطأطئوا الرؤوس وتحسّسوا الرقاب، إنه زمن "الإخبارات والملاحقات" عاد بزخم متجدد، حيث أضحى نقل الكفر كفراً وبات التجرؤ على النشر والتحليل وتبادل المعلومات تدنيساً بالذات الحاكمة التي لا سطوة تعلو فوق سطوتها ولا صوت يعلو فوق صوتها.

تهديدات بالجملة ضجت بها المنابر والمصادر المحسوبة على رئاسة الجمهورية أمس لتتوعد من خلالها "غرف عمليات" تعمل على تشويه صورة العهد وعزيمته بحساب عسير، مع إطلاق العنان للإخبارات القضائية والملاحقات الأمنية بحق كل من تسوّل له نفسه بث معلومات يضعها القيّمون على السلطة في خانة "الشائعات المغرضة"، قياساً على المداخلة التهويلية للوزير سليم جريصاتي خلال جلسة لجنة الموازنة متحدثاً عن "تحرير القضاء وإطلاقه باتجاه ملاحقة المتطاولين والمنتقدين والمعترضين"، وصولاً إلى إعلاء تكتل "لبنان القوي" نبرة التحدي في خطابه موجّهاً رسالة نارية إلى كل من يعتبر أنّ "العهد بيهرّ": عضمنا أزرق ولحمنا مش طري. في حين أوضحت مصادر "لبنان القوي" أنّ الامتعاض العارم لدى التكتل إنما يشمل أكثر من جبهة لا تخلو من الحلفاء، وقالت لـ"نداء الوطن": "لا الفريق الحليف يساندنا في قضايا محاربة الفساد في المرفأ والحدود، ولا فريق التسوية السياسية يساعدنا من خلال طرح المشاريع الاصلاحية في مجلس الوزراء والعمل على إقرارها وتنفيذها".

وفي خضمّ لعبة تقاذف المسؤوليات والتنصل منها، وعلى الرغم من أنّ نشر وزارة المالية لتقرير "موديز" بالأمس جاء بمثابة "شهد شاهد من أهل السلطة" على المخاطر المحدقة بالوضع الاقتصادي بعيداً عن الشائعات والفبركات، غير أنّ ما يثير علامات التعجب والاستغراب هو تعميم أجواء تفاؤلية بمضمون هذا التقرير الذي وإن حافظ على تصنيف لبنان الحالي عند Caa1 غير أنه أكد وضع لبنان قيد المراقبة و"باتجاه تخفيض إضافي" لتصنيفه في فترة 3 أشهر إذا لم يتبلور مسار الأمور باتجاه إيجابي.

البيان الواضح اللهجة ليس صادراً عن جهة سياسية ولا عن مهوّل، ولا عن متآمر، وليس فيه صيد في الماء العكر ولا استهداف للدولة ولا تحقير للرئاسات. هو صادر عن وزارة المال، وهي أكثر الوزارات إطلاعاً على الوضعين النقدي والمالي في البلد. وأهم ما فيه لهجته التحذيرية وما جاء فيه لناحية ضرورة المعالجة السريعة لما آلت إليه الأمور، وإقراره بخطورة الوضع على المستوى المالي خاصة إذا لم يتم تدارك الأسوأ وخفض تصنيف لبنان الإئتماني مرة جديدة.

وإذا كان رُبّ قائل بكون البيان في صراحته وتوقيته اختزن في ما بين سطور تعميمه من قبل وزارة المالية رداً غير مباشر على تحميل رئيس الجمهورية ميشال عون وزير المالية علي حسن خليل عن تفلّت الأمور فأتى بشكل مبطن كجزء من مسار التراشق الدائر بين أركان الحكم وتبادل التهم في مسلسل كانت حلقته الأخيرة "تصريحات نيويورك" التي غمزت من باب وجوب مساءلة وزير المالية وحاكم مصرف لبنان رياض سلامه عن أسباب تدهور الأوضاع النقدية، فإنّ صحة هذا الانطباع من عدمه لا تحجب أكثر من سؤال يرتسم لا بل يترسخ أكثر فأكثر في أذهان المتابعين: إلى أي مدى أطراف الحكم هم متفقون في ما بينهم على مضامين موازنة 2020؟ وعلى ماذا هم مختلفون؟ هل تجمعهم الإصلاحات أم تفرقهم أم ما يجمعهم ويفرقهم أشياء أخرى على نسق "الخافي أعظم"؟.

في جميع الأحوال، يبقى أن أهمّ ما في بيان وزارة المال هو قولها الحقيقة من دون مواربة ولا لف ولا دوران. وبالتالي لم يعد من مفر أمام السلطة سوى الخروج الواضح عن لغة التطمين إلى حد التخدير، سيما وأنه إزاء خطورة الأوضاع وعند المحطات المفصلية يحقّ للمواطن أن يعرف الحقيقة مهما كانت قاسية، وليس على المسؤولين فقط تقبلها والإقرار بها إنما الإتفاق والعمل في ما بينهم على الخروج من المحنة... عوض الهروب إلى الأمام نحو تقاذف التهم وكمّ الأفواه.