شفيق أبي سعيد

قطاع الكهرباء في لبنان... تحليل الإستراتيجيا الإستباقية

18 أيلول 2021

02 : 00

كهرباء لبنان جديد
لا شك أن هناك إجماعاً (مسؤولين ومواطنين) حول فشل القطاع العام في لبنان، أقله منذ العام 1975، في تأمين الخدمات الحياتية الأساسية من مياه وكهرباء ونقل عام وخلافه. وقطاع الكهرباء في لبنان أبرز مظاهر هذا الفشل. بدءاً من العام 1975، فرض على هذا القطاع التحمل والمشاركة في أعباء النزاع الداخلي بما واكبه من فوضى مما حرم مؤسسة كهرباء لبنان من مواجهة التحديات الاقتصادية والإجتماعية والمالية والبيئية. كما فشلت الحكومة اللبنانية في التصدي لهذا الإنهيار وإصلاح القطاع. وقد ساهمت عدة عناصر مجتمعة في إضعاف القطاع. بعيداً عن العموميات، التي شابت معظم الخطط والدراسات في هذا القطاع، لم تحقق الدولة إجماعاً حول توحيد المفاهيم، وتحديد المرجعيات، واستخلاص الدراسات، واعتماد مبادئ وتطبيقات أساسية محددة. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على بعض تلك الأسباب الإضافية التي حالت دون نجاح مهمة الدولة في خططها الطاقوية، وذلك من خلال عرض وتحليل مجموعة من الأسئلة والتفسيرات والتوضيحات لم تتم معالجتها مسبقاً، وأهمها غياب الإستراتيجيا التي تسبق الخطط والإعداد العلمي التخطيطي.





لمحة تاريخية

بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، عمدت بعض الحكومات الغربية إلى تأميم صناعات أساسية في القطاع الخاص، بما في ذلك قطاع الكهرباء، كخطوة أولى نحو إعادة بناء إقتصادها. وقد بررت هذا التأميم بمنع القطاع الخاص من إستغلال غير عادل للقطاع ووضع وظيفة الإنتاج تحت رقابة القطاع العام. وللتدليل على ذلك، قيام حكومة العمال البريطانية في العام 1945 بتأميم الصناعات الكهريائية في بريطانيا وإنشاء مجلس الإنتاج الكهربائي المركزي (CEGB)، كما بقيت شركة كهرباء فرنسا (EDF) مملوكة بمعظمها للحكومة الفرنسية.

إنسجاماً مع هذا التوجه، فرضت الحكومة اللبنانية رقابة صارمة على الإمتيازات والتي استكملت في العام 1954 بإنشاء "مصلحة الكهرباء والنقل المشترك" ، وفي العام 1964 إنشاء "مؤسسة كهرباء لبنان" مؤسسة عمودية إحتكارية تحت وصاية وزارة الطاقة والمياه وإدارة مدير عام ومجلس إدارة تغطي وظائف الكهرباء الثلاث.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد تكثفت الإجتماعات والنقاشات السياسية ضمن المجتمع الغربي حول حسنات وسيئات التأميم والخصخصة، والسوق الحرة التنافسية وحجم المشاركة بين القطاعين العام والخاص ودور القطاع العام، والنقاش لم يتوقف رغم بروز غلبة للسوق الحرة التنافسية وعودة لمشاركة فعالة للقطاع الخاص وإستبعاد التأميم.

في ما خص قطاع الكهرباء في لبنان، فقد تبين من خلال الممارسة الفعلية أن الهيكلية العمودية الإحتكارية لا تتناسب مع طبيعة القطاع الصناعي- التجاري، ولا مع الواقع اللبناني السياسي والإداري القائم، كذلك غياب الإستراتيجيا القطاعية ومحدودية صلاحيات مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان وغموض العلاقة مع القطاع الخاص . من مراجعة لأرشيف وزارة الطاقة والمياه، تبين أن هناك مجموعة كبيرة من الدراسات والأبحاث والمقالات، كما العديد من الخطط والبرامج، وكذلك بيانات بمبالغ طائلة انفقت على مشاريع التأهيل والتجهيز والتطوير وأعمال الإستثمار منذ العام 1975 وحتى الآن، وهدفت جميعها، كما ذكر وأعلن، إلى إصلاح القطاع الكهربائي في لبنان ووضعه على سكة التجديد والتحديث، وبالتالي قطع دابر التقنين.

والسؤال الكبير: "لماذا لم تثمر الجهود المبذولة ولم تشق طريقها، حتى الآن، إلى الغاية المنشودة"؟

مما لا شك فيه أن هناك معوقات ونتائج وآثار سلبية مرتبطة بالخطط العديدة لإعادة القطاع ، والتي أعدت من قبل وزارة الطاقة والمياه والبنك الدولي وغيرهما من المعنيين، بما فيه خطة وزارة الطاقة في العام 2010، التي أغفلت إستراتيجيا أساسية للقطاع والتي بدونها يستحيل نجاح تلك الخطط . ستركز هذه الورقة على القضايا الإستراتيجية وتلك المتعلقة بسياسة قطاع الكهرباء في لبنان، آخذة بعين الإعتبار التوجه العالمي الحالي.

الواقع الحالي

قطاع الكهرباء في لبنان، آنياً، يتنازعه ثلاثة أفرقاء:

- قطاع عام، من خلال مؤسسة كهرباء لبنان، يحاول عبثاً وقف الإنحدار المستمر في مستوى الخدمة وتغطية الطلب المتزايد على الطاقة.

- قطاع خاص من المولدات، إنتشرت عشوائياً ولا شرعياً على مساحة الأراضي اللبنانية، للتعويض عن نقص التغذية الكهربائية من مؤسسة كهرباء لبنان.

- إمتيازات قائمة، دنت مدد إنتهاء مهامها التعاقدية، فسعت، رغم ذلك، لتأمين التغذية الكهربائية لمشتركيها على مدار الساعة (زحلة، جبيل...).

كما أن هناك محاولات لإسترداد إمتيازات سبق وضمت إلى كهرباء لبنان (قاديشا)، وأخرى تسعى لولوج الساحة بإنتاج الطاقات المتجددة.

مبادئ إستراتيجية آنية

إن الإعداد العلمي التخطيطي، من مرحلة تسلسلية إلى أخرى، يقتضي أن يتم وفق الترتيب الآتي:

- الأهداف (Objectives)، أي ما نريد أن نحقق أو نسعى وراءه أو نتفاداه.

- الإستراتيجيا: خطة عمل ترمي إلى تحقيق ، آنياً أو مستقبلاً، هدف محدد.

- الإستراتيجيا الإستباقية: خطة عمل تركز على الإستباقية (Anticipation)، التصدي (Prevention) والمبادرة (Initiation).

- الخطط (Plans) التي يجب أن تسبقها إستراتيجيا، إذ لا خطط ناجحة بدون إستراتيجيا. فالإستراتيجيا الإستباقية السليمة تبدأ بامتلاك الهدف الصحيح. قال هنري مينتزبيرغ، الكاتب والأكاديمي الكندي: "الإستراتيجيا ليست نتيجة التخطيط، بل العكس: نقطة البداية له" ومن نافل القول أن المجتمعات الحديثة يجب أن تسعى لوضع وإقرار الإستراتيجيات الفضلى في كل قطاع خاص أو عام، وذلك ضمن إمكاناتها المتوفرة من قدرات فنية وتقنية، وتسهيلات مالية وخلافه.

- الشراكة الثلاثية بين القطاعين العام والخاص والهيئة الناظمة. في هذه الثلاثية ، أو "الشراكة الثلاثية"، يحدد في كل قطاع، دور كل من الأفرقاء الثلاثة:

1 - القطاع العام ودوره في وضع وإقرار إستراتيجيا تشكل سياسة وطنية إلزاميّة ومستمرّة لفترة محددة، وتلتزم بها الخطط والقوانين.

2 - القطاع الخاص (وبعض القطاع العام ) كمسؤول عن التمويل والإنشاء والتجهيز والتشغيل والصيانة في القطاع المعني.

3 - الهيئة الناظمة للقطاع – كهيئة معنوية مستقلة وشفاّفة - مسؤولة عن التنظيم والترخيص والرقابة وضمان تطبيق سياسة الدولة في ما خصّ هذا القطاع. وبالتالي حصر "مرجعية القطاع" في هذه الهيئة.

- الخصخصة: أو مشاركة القطاع الخاص في مرفق معين بحيث يأخذ اشكالاً ومضموناً، وهذا لا يعني حتماً نقل ملكية القطاع العام إلى الخاص.

ألف) سياسة واستراتيجيا قطاع الكهرباء في لبنان في إطار التوجه العالمي الجديد:

عهد المشرع اللبناني لمصلحة مستقلة ذات طابع صناعي- تجاري مهمة إحتكار إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية على مجمل الأراضي اللبنانية (القانون مرسوم رقم 16878 تاريخ 10 تموز 1964 إنشاء "مؤسسة كهرباء لبنان") تحت وصاية وزارة الموارد المائية والكهربائية آنذاك (حالياً وزارة الطاقة والمياه)، وفي العام 1972 طبق على المؤسسة قانون "النظام العام للمصالح المستقلة (رقم 4517 تاريخ 13/12/1972)، بحيث توحدت الأنظمة والقواعد والأسلاك والرواتب التي تبين من خلال الممارسة الفعلية:

- أولاً: إن هذه الهيكلية العمودية الإحتكارية لا تتناسب مع طبيعة القطاع الصناعي- التجاري، ولا مع الواقع اللبناني السياسي والإداري وبالتالي وفي فترة من الصحو الحكومي، أبدت الحكومة اللبنانية بتشجيع من البنك الدولي، إهتماماً بمشاركة القطاع الخاص، فتم إقرار وتصديق قانون "تنظيم قطاع الكهرباء" (رقم 462 تاريخ 2/9/2002)، لا سيما تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء وتم تحديد دور كل من الدولة والقطاع الخاص والهيئة الناظمة، لكن هذا الصحو الموعود لم يستمر طويلاً، فقد جمّدت الحكومات المتعاقبة تطبيق هذا القانون متذرعة بأسباب شتى، وامتنعت عن تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وأعادت العمل بالهيكلية العمودية لمؤسسة كهرباء لبنان. وفي رأينا، لو طبق هذا القانون وعينت الهيئة الناظمة وصدرت المراسيم التطبيقية لتغير مسار قطاع الكهرباء في لبنان.

- ثانياً: غياب الإستراتيجيا التي تسبق الخطط، فمن معاينة لعديد الخطط التي تناولت قطاع الكهرباء في لبنان، نسجل غياباً ملحوظاً للإستراتيجيا الإستباقية المفترض أن تكون مدروسة مسبقاً، مقررة ومعتمدة من المرجع التنفيذي أو التشريعي الصالح، كل ضمن صلاحياته. فالخطط، كما بدت، وضعت بمعزل عن أية إستراتيجيا، الأمر الذي فرض تعددها وتباين توجهاتها، وبالتالي فشلها.

لتطوير إستراتيجيا أو أكثر، يجب أن يتفق فريق العمل مسبقاً على المبادئ المشتركة، وتحديداً، في ما خص قطاع الكهرباء في لبنان: فإن طبيعة وتعقيدات وحجم وظائف الكهرباء الثلاث (الإنتاج والنقل والتوزيع) تتطلب إتفاقاً مسبقاً على كيفية ومدى مشاركة القطاع الخاص في كل منها:

1) كون وظيفة الإنتاج بطبيعتها تتلاءم مع "الملكية الخاصة" وقانون الطاقة التقليدي BOO (بناء- تملك- تشغيل) أوBOT (بناء - تشغيل تحويل) -نظام إدارة مشتركة - غاز طبيعي غاز سائل.

2) كون وظيفة النقل لا تتلاءم بطبيعتها مع "الملكية الخاصة"، بل مع إمكانية " الإدارة الخاصة".

3) كون وظيفة التوزيع تتلاءم بطبيعتها مع "الإمتياز الخاص" لفترة طويلة من الزمن ( أقله خمس عشرة سنة) يعاد بعده الإمتياز إلى القطاع العام. والمنطق هنا يستبعد مقدمي الخدمات الذي أعتمد مؤخراً في مؤسسة كهرباء لبنان، كما يسمح للإمتياز بمعالجة أفضل لشبكة المولدات القائمة عند الإستغناء عن وجودها ( كما حدث في إمتياز زحلة).

- ثالثاً: وفي ضوء الميزات العديدة لمادة الغاز الطبيعي الغاز المسال على غيره من الوقود النفطية يتطلب من حكومة لبنان إعتماد هذا الوقود رسمياً في معامل الإنتاج الحراري للكهرباء. وبالرغم من كون معامل الإنتاج التي أنشئت أخيراً (الزهراني، دير عمار وغيرهما)، وربما تلك الملحوظة مستقبلاً، هي مصممة بطريقة الدارة المشتركة (Combined Cycle)، حيث الأولوية للغاز الطبيعي المسال كوقود، لم تتم أية خطوات عملية بإتجاه تلزيم وتنفيذ البنى التحتية اللازمة لهذا الغرض، علماً أن قانون بهذا الشأن صدر في العام 2003 (قانون رقم 549 تاريخ 20/10/2003 لكنه بقي دون تنفيذ.

- رابعا: تطوير وتنمية الطاقات المتجددة والجديدة وكفاءة الطاقة. فقد شغل التغير المناخي، مؤخراً، الرأي العام العالمي، وفتح الأفق على أهمية تطوير وتنمية الطاقات المتجددة والجديدة وكفاءة الطاقة، وبالتالي تشجيع أفراد ومستثمرين على إنتاج الطاقات النظيفة هذه. وللمرة الأولى، لحظت، الخطة الأخيرة لوزارة الطاقة، إلتزاماً رسمياً بالعمل على تطوير قدرات الطاقات المتجددة للوصول بها إلى نسبة 12% من مجموع القدرات الطاقوية بحلول العام 2020، بالإضافة إلى السماح لمن يرغب، أفراداً ومؤسسات، بإنتاج الطاقات المتجددة لحاجتها الذاتية وبيع الفائض لمؤسسة كهرباء لبنان، وإجراء المقاصة (Net metering). نقلة نوعية دون شك، لكنها غير كافية.

المطلوب بإلحاح تحديث التشريع المتعلق:

1) بكفاءة الطاقة، وتحديداً ما سمي بقانون (كفاءة الطاقة EE- law)، والذي يركز على وجوب ترشيد إستهلاك الطاقة وضبط هدرها.

2) بالطاقات المتجددة، وتحديداً ما سمي بـ" قانون التغذية (Feed-in-law) الخاص بها والمعتمد بنجاح في عشرات الدول، والذي يعطي الأفضلية للإنتاج المتجدد المتعدد وسعر مريح ومشجع للمستثمر في هذه الأنواع من الطاقات النظيفة.

3) بالتحول من دعم الطاقة التقليدية تدريجاً إلى دعم الطاقات المتجددة.- خامسا: وبما أن الكهرباء هي طاقة مرتبطة عضوياً بأنواع وأشكال الطاقات الأخرى يستحسن إستبدال "قانون تنظيم قطاع الكهرباء" بـ"قانون تنظيم قطاع الطاقة"، و"الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء" بـ"الهيئة الناظمة لقطاع الطاقة".

- سادساً: كان لـ"التعرفات الإجتماعية" المعتمدة في بيع الطاقة الكهربائية النتائج السيئة على مالية مؤسسة كهرباء لبنان، بحيث يجب أن لا تستمر. المطلوب إحتساب وتطبيق تعرفات متحركة تواكب أسعار الوقود والتكلفات الأخرى بحيث تشكل التعرفة عنصراً إستراتيجياً هاماً.

باء) تخطيط وتنفيذ قضايا متعلقة بقطاع الكهرباء، مع مقاربة السياسة والإستراتيجيا الملحوظة في (ألف) أعلاه، وتحديداً:

- إنشاء الهيئة الناظمة كما حددها البند 12 من قانون 462 (موجبات وصلاحيات الهيئة الناظمة).

- التعيين الفوري لإعضائها الخمسة.

- تحويل المركز اللبناني للحفاظ على الطاقة (LCEC) ليصبح الهيكلية التنظيمية الأساسية للهيئة الناظمة.

- تشكيل لجنة ثلاثية دائمة يختار أعضاؤها من مجلس الوزراء ومؤسسة كهرباء لبنان والهيئة الناظمة لمراجعة وتنظيم وتنسيق القضايا المشتركة.

- إعداد خريطة طريق للهيئة الناظمة مستوحاة من البند 12 من قانون 462 (موجبات وصلاحيات الهيئة الناظمة) بإعطاء الأولوية للتعديلات المطلوبة على بنود القانون 462 والتشريعات الاضافية المستحدثة والمقترحة من هيئة مستقلة بعيدة عن سيطرة وزارة الطاقة والمياه وأهمها:

- إعداد وتقديم قانون كفاءة الطاقة (EE- law) وترشيد إستعمالها والحفاظ عليها إنتاجاً وإستهلاكاً، وتطوير شركات الخدمات الطاقوية (ESCOs) المشار إليه في رابعاً-2 أعلاه.

## إعداد وتقديم قانون الإنتاج الطاقوي التقليدي (Conventional Energy Law) الذي يضع بعض القيود على إنتاج الطاقة الحرارية التقليدية كإعتماد الغاز الطبيعي أو المسال كوقود في معامل الإنتاج، وطريقة الدارة المشتركة (Combined Cycle) كتصميم، وخلافه.

## إعداد وتقديم قانون التغذية (Feed-in-law) الخاص بالطاقات المتجددة، المشار إليه قي رابعاً-1 أعلاه

## إعداد وتقديم قانون الإمتيازات ( Law Concessions) لوظيفة التوزيع بطريقة الـBOT لمدة لا تقل عن خمس عشرة سنة ولعدد من الإمتيازات تغطي سائر المناطق اللبنانية.

## تأهيل وتقوية وظيفة النقل وتفعيل التعاون في هذه الوظيفة بين القطاعين العام والخاص.

## إعداد وتسليم مجلس الوزراء، بواسطة وزارة الطاقة والمياه، مشاريع القوانين المتعلقة بقطاع الكهرباء، وتقليص سيطرة وزارة الطاقة والمياه على نشاطات القطاع الكهربائي وإعادة الثقة والصدقية بالقطاع.

تتميز تعرفات الطاقة الكهربائية في لبنان بكونها تعرفات إجتماعية مدعومة وموحدة على جميع الأراضي اللبنانية، أدنى بكثير من مجمل كلفة الإنتاج والنقل والتوزيع الفعلية. وحيث أنه من غير الجائز أن تتحمل مؤسسة كهرباء لبنان عبء الخسارة الناجمة عن تلك الفروقات، فإن تحقيق عملية إصلاح وتطوير القطاع الكهربائي يتطلب إيجاد بنية متحركة ومتوازنة للتعرفات، خاصة في حال تأمين تغذية 24/24 ساعة في اليوم.

وكما ذكر أعلاه، تحتل الطاقة الكهربائية موقعاً مميزاً بين انواع الطاقة المختلفة. وهناك ترابط عضوي بينها وبين سائر أنواع الطاقة، الأمر الذي يتطلب إبراز وتجسيد هذا الترابط على المستويات كافة، لا سيما الإداري والمالي.

من هنا السعي المطلوب لتعديل قانون "تنظيم قطاع الكهرباء،رقم 462/2002" وإستبداله بقانون "تنظيم قطاع الطاقة". كما تعديل مهام "الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء" وإستبدالها بـ"الهيئة الناظمة لقطاع الطاقة"، وذلك في مرحلة لاحقة.

الخلاصة

أظهر التحليل الإستراتيجي لقطاع الكهرباء في لبنان أن القطاع لا يزال يعمل بهيكلية عمودية إحتكارية، وأن قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462 /2002، الذي تبنى منطق السوق التنافسي الحر، قد تم تجاهله من قبل وزارة الطاقة والمياه ومجلس إدارة كهرباء لبنان، وأيضاً القوانين الأخرى المتعلقة بالطاقة. لم تعيّن هيئة ناظمة للقطاع وتم تغييب المبادئ الإستراتيجية في قضايا وخطط القطاع. عالجت هذه الورقة آلية إصلاح القطاع الكهربائي في لبنان إنطلاقاً من الأهداف الصحيحة مروراً بالإستراتيجيا الإستباقية وإنتهاء بخريطة طريق لكل من وظائف القطاع الثلاث (الإنتاج والنقل والتوزيع).

تبدأ عملية إصلاح القطاع الكهربائي في لبنان بقرارات يتخذها مجلس الوزراء بالتنسيق مع مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة والمياه:

1 - تعيين أعضاء الهيئة الناظمة الخمسة وإقرار مراسيم الهيئة التنظيمية و دعوتها الى مباشرة عملية الإصلاح.

2 - توحيد المبادئ الإستراتيجية للقطاع ، كما فصل أعلاه، وإعتمادها في أية خطة إصلاحية، وبالأخص شكل وحجم مشاركة القطاع الخاص في وظائف الكهرباء الثلاث

3 - تيويم قوانين القطاع الحالية.

4 - إعداد وإقرار مشاريع القوانين المقترحة في هذه الورقة وتصنيفها من ضمن الأولويات.