سناء الجاك

بهلوانيات على هامش الثقة

22 أيلول 2021

02 : 00

نالت الحكومة الميقاتية ثقة مجلس يفتقر كل من فيه إلى ثقة اللبنانيين، وذلك بعد ثماني ساعات، تحوَّلت خلالها الكلمات إلى حملات إنتخابية وتصفية حسابات، بعدما إستغل أصحابها المناسبة ليضاربوا على المتضررين منهم ومن فسادهم في التظلم والشكوى.

ثماني ساعات أثقلت الهواء بفراغ مضامينها مما يمكن أن يشكل عنواناً جديداً أو مبتكراً. لم يرد فيها إلا سرقة موصوفة لمعاناة الناس وتكرار ممجوج من دون أي محاولة لفتح كوة في الإستعصاء القاتل للحياة السياسية.

فالإفلاس الفكري والأخلاقي لدى من لا يزال يدَّعي تمثيل الشعب هو بالتأكيد أكبر بكثير من الإفلاس اللاحق بالدولة ومؤسساتها ومصارفها وشعبها.

والمهزلة أن هؤلاء الممثلين المفلسين بدوا كأنهم يُسَمِّعون درساً مستنسخاً، وهم يعرفون سلفاً أن العلامات التي سينالونها لن تقدم أو تؤخر في النتيجة. ذلك أن خيوط اللعبة ليست في متناول أيديهم. كما أنهم لن يكونوا الحاصدين لثمار المرحلة السابقة واللاحقة من مشروع تفقير اللبنانيين وإذلالهم إما لتهجيرهم أو لإخضاعهم وإرغامهم على التجديد لهذه المنظومة.

وحده الحاكم بأمره وضع خطة الحصاد. ووحده يتحكم بها. لذا لم يشعر بما شعر به الآخرون الخائفون على مستقبلهم التمثيلي. أوضح للحاضرين والغائبين والمتابعين للمسرحية البرلمانية أن لا شعرة تقطع إلا بإرادته.

من هنا، لا يضير هذا الحاكم أن يمنح الثقة لحكومة أعرب رئيسها عن حزنه لإنتهاك السيادة اللبنانية بالمازوت الإيراني. ففي ذلك قمة التعالي والإستخفاف بالدولة بكل ما فيها ومن فيها وبالحكومة وكل ما ورد في بيانها وما حمل من وعود لن يتحقق منها إلا ما يناسب أجندة المحور ويضمن مصالحه.

كذلك لا يضير هذا الحاكم البهلوانيات التي لا يزال يسمح بها للصهر الغالي، لذا تركه يسارع إلى تقديمها ما دامت خشبة المسرح قد فتحت له ستارتها.

الحاكم بأمره يعرف حاجة الصهر الغالي المنكوب بالعقوبات جراء فساده الموصوف، إلى تحطيم كل من يقف في طريقه على الساحة المحلية ليستعيد تمثيلاً يفتح له الباب نحو الساحة العالمية. ويعرف كذلك أن لا مبادئ ولا قيم يمكن أن تفرمل طموحه وأطماعه وشهيته المفتوحة على المال والنفوذ. وقد إستفاد من هذا الواقع منذ إتفاق مار مخايل حتى يومنا هذا.

لذا ترك له أن ينطّ ويحطّ حيث يشاء وكيفما يشاء، بغية تشويه سمعة المنافسين وتلميع الصورة، سواء تعلقت إتهاماته بتهريب النواب أموالهم أو بإبراهيم الصقر وتخزينه الوقود والنيترات.

ولن يزعل الحاكم بأمره إذا بدت هذه الإتهامات وكأنها جهزت غبَّ الطلب، ما يثير الشكوك بشأن تركيب ملفات وإستغلال الأمن والقضاء للمصلحة الخاصة التي تبيح المحظورات من جهة، وتغذي هذا الجوع إلى تحطيم الآخرين بطاقة هائلة من الحقد والتشفي، وكأن نفور اللبنانيين ونبذهم للصهر العزيز، جراء مواصفات شخصيته وسلوكياته يجب أن يدفع ثمنها كل من تسوِّل له نفسه مصادرة أكثريته على الساحة المسيحية. وكل الأسلحة مسموح بها لهذا الغرض، ما دام الحاكم بأمره يتفرج من دون أن يتدخل ليقينه أن الصولات والجولات تتوقف عند بيت الطاعة.

لكن الظاهر أن البهلوانيات على هامش جلسة الثقة، ربما لن تؤدي مرادها، لا في الداخل ولا في الخارج، حتى لو تجنب بطلها الدعسات الناقصة. فسوء الطالع سبقه بفعل الخلاف الفرنسي/الأميركي على خلفية صفقة الغواصات، ما يجعل جهوده الداخلية للإفراج عن تشكيل الحكومة ومن ثم منحها الثقة، على أمل التمهيد لتنظيف سجله العدلي دولياً... هباء منثوراً...