إيلون موسك يتنفّس الصعداء بعد عودة رحلة Inspiration4

02 : 01

(من اليسار) رجل الأعمال جاريد إيزاكمان وسيان بروكتور وكريس سيمبروسكي وهايلي أرسينو

عاد سياح الفضاء إلى كوكب الأرض أخيراً! عشية يوم السبت الماضي، استعد الطاقم المؤلف من رواد فضاء مدنيين لاختراق مركبتهم الفضائية غلاف الأرض الجوي، فحضّروا مظلاتهم وهبطوا قبالة ساحل فلوريدا. حين لامست المركبة الأمواج، سمع المشاركون على الأرجح صوت راديو التحكم وهو يقول لهم "شكراً لسفركم مع "سبيس إكس""، وكأن الركاب هبطوا في مطار "أوهير" بطريقة عادية ولم ينجوا للتو من رحلة عودة صاخبة... وكأنهم لم يمضوا ثلاثة أيام وهم يحلقون على مستوى أعلى من محطة الفضاء الدولية، وينظرون من نافذة تُطِلّ على أجزاء كاملة من قارات الأرض.

كانت مهمة Inspiration4 أول رحلة فضائية تشمل طاقماً يقتصر على رواد فضاء غير محترفين: ملياردير خبير بالتكنولوجيا، وهو الذي نظّم الرحلة بنفسه، وثلاثة أشخاص عاديين. مقابل تمويل الرحلة، سمحت شركة "سبيس إكس" لذلك الملياردير بتصميم هذه التجربة كلها على طريقته، بدءاً من قائمة الطعام وصولاً إلى خطة الطيران. تألف طاقم الرحلة من رجل الأعمال جاريد إيزاكمان، وأستاذة علوم الأرض سيان بروكتور، والمساعِدة الطبية هايلي أرسينو، ومهندس البيانات كريس سيمبروسكي. أمضى هذا الفريق وقته في المدار وهو يقوم ببعض التجارب العلمية ويستمتع بضعف الجاذبية بشكل عام. حتى أن المشاركين اتصلوا بالممثل توم كروز الذي يخطط للاستعانة بشركة "سبيس إكس" لتصوير فيلم حول هذه المحطة الفضائية يوماً.



قد تشتري لنا الأموال رحلة جامحة نحو المدار، لكنها تعجز عن حمايتنا من قوى الطبيعة ولا تضمن عودتنا إلى الأرض بأمان. في السنة الماضية، حين بدأت شركة "سبيس إكس" تطلق فِرَقاً من رواد الفضاء المحترفين إلى المحطة الفضائية بطلبٍ من وكالة "ناسا"، أصبحت الشركة مسؤولة عن سلامة الطاقم بدرجة لم تختبرها أي شركة خاصة يوماً. ينطبق الوضع نفسه على كل من يحجز مقعداً في رحلاتها اليوم. مهما بدت هذه المهمة سهلة أو آمنة، تبقى الرحلات الفضائية محفوفة بالمخاطر.

في الماضي، حين كان مهندسون جدد ينضمون إلى برنامج "سبيس إكس" الخاص بالرحلات الفضائية البشرية، كانوا يجولون في غرفة خاصة في مقر "ناسا"، بعيداً عن عامة الناس، حيث تحتفظ الوكالة بركام يشتق من كوارث المركبات الفضائية التي أسفرت عن مقتل 14 شخصاً. يقول بنجي ريد، كبير المدراء في برامج الرحلات الفضائية البشرية في "سبيس إكس"، إنه يزور نصباً تذكارياً في "مركز كينيدي للفضاء" حين يتواجد في المنطقة. يشمل ذلك الموقع سبعة أشجار بلوط على شكل دائرة لتكريم كل رائد فضاء خسر حياته خلال مهمة "تشالنجر" في العام 1986. شملت تلك المهمة أول مواطنة "عادية" تشارك في هذه الرحلات، وهي كريستا ماكوليف، معلمة في مدرسة ثانوية.

تُعتبر الكبسولة الفضائية الصغيرة التي أطلقتها شركة "سبيس إكس" أكثر أماناً من المركبات الفضائية الضخمة التي انطلقت في الماضي. إذا رصدت "سبيس إكس" أي خلل بعد الإقلاع، تستطيع كبسولة "دراغون" أن تفصل نفسها عن صاروخ "فالكون 9" وتسترجع وضعها الآمن. لم تكن المركبات الفضائية السابقة مزوّدة بهذا النوع من أنظمة الأمان، بل كانت أكثر تعقيداً بكثير من الناحية التقنية وتكثر فيها ألواح التحكم.

انتهى أول اختبار للرحلة الأخيرة في السنة الماضية وكان الإعلان عن نجاحه سريعاً. لكنّ التقييم الحقيقي صدر حين راجع المهندسون البيانات وفتّشوا المعدات. تبيّن أن الدرع الواقي من الحرارة، وهو النظام الذي يحمي الكبسولة من الحرارة الحارقة عند العودة إلى كوكب الأرض، استُنزِف أكثر مما توقّع المسؤولون في "سبيس إكس".

لا يخلو تاريخ برنامج "دراغون" من الحوادث. قبل سنة تقريباً من بدء الاختبار الأول للرحلة، تدمرت كبسولة تابعة لهذا البرنامج خلال انفجار. كانت شركة "سبيس إكس" قد بدأت تجري بعض الاختبارات على المركبة الفضائية ميدانياً في "مركز كينيدي للفضاء" وقد اشتعلت محركاتها حينها. ظهر الدخان على بُعد أميال من "الساحل الفضائي"، لكن لم تذكر الشركة شيئاً عن تلك الحادثة، حتى أنها رفضت التعليق على اللقطات المقرّبة التي انتشرت على نطاق واسع وأكدت احتراق الكبسولة.

نقلت كبسولة "دراغون" التي استعملتها مهمة Inspiration 4 أربعة رواد فضاء محترفين إلى المحطة الفضائية في السنة الماضية. لم تُغيّر "سبيس إكس" تفاصيل كثيرة في المرحلة اللاحقة، بل اكتفت بتركيب نافذة زجاجية كبيرة على شكل فقاعة كي تحصل أول دفعة من عملائها المدنيين على إطلالة جيدة. صرّح إيزاكمان أمام الصحافيين قبل الإقلاع بأن الطاقم تكلم للتو مع إيلون موسك الذي طمأنهم مجدداً حول تركيز فريق القيادة بالكامل على هذه المهمة وثقته بنجاحها.

تقول ساندي ماغنوس، رائدة فضاء متقاعدة كانت قد شاركت في آخر مهمة من البرنامج الفضائي في العام 2011، إنها لم تشعر بالقلق على طاقم Inspiration4 لهذا السبب. لا شك في أن فريق "سبيس إكس" سيحافظ على أعلى درجات اليقظة خلال أول رحلة مُعدّة لرواد الفضاء من القطاع الخاص. لكن لن تحصد المهام الفضائية المستقبلية القدر نفسه من الانتباه، لا سيما إذا كان الركاب غير معروفين ولا يشبهون الممثل توم كروز مثلاً. صرّح بنجي ريد أمام الصحافيين هذا الأسبوع بأن "سبيس إكس" تريد إطلاق رحلات للعملاء الذين يدفعون المال مقابل هذه الخدمة بمعدل "ثلاث أو أربع أو خمس أو ست مرات سنوياً على الأقل". لكن لا يعني نجاح أي مهمة أخرى أو الهبوط الفاعل على الأرض أن المهام اللاحقة ستنجح حتماً. إنه الدرس الذي حاول موظفو وكالة "ناسا" تلقينه للآخرين بعد تجارب "سبيس إكس" خلال الاجتماعات والمحاضرات. باختصار، قد يصبح الاعتداد بالنفس قاتلاً.

تضيف ماغنوس: "بعد إطلاق عشر رحلات مماثلة، وحين تصبح هذه المهام روتينية، يجب أن نتوخى الحذر في تلك المرحلة بالذات". وقعت كارثة "تشالنجر" حين تجاهل كبار المسؤولين في وكالة "ناسا" تحذيرات المهندسين حول معدات قد تتعطل عندما تتراجع الحرارة بدرجة مفرطة، وكانت المركبة الفضائية توشك على التحرك في طقسٍ بارد على نحو غير مألوف، مع أن هذه التجربة لم تحصل سابقاً. بعد مرور سنوات على تلك الحادثة، لاحظ المهندسون أن جزءاً من المواد الرغوية العازلة في المركبات الفضائية ينقشر أثناء الإقلاع، لكن بدا الوضع جيداً بشكل عام إلى أن أدت تلك الرغوة إلى تضرر درع الحرارة في المكوك الفضائي "كولومبيا" في العام 2003، فتفكك المكوك أثناء عودته إلى الأرض نتيجةً لذلك.

لكن ما هي العواقب التي سيواجهها قطاع الرحلات الفضائية الخاصة إذا وقعت أسوأ السيناريوات؟ إذا حصلت كوارث فعلية فيما تنقل "سبيس إكس" رواد فضاء من "ناسا"، تستطيع الوكالة أن تعطي الشركة فرصة أخرى بعد بضع سنوات من التحقيقات الحذرة والمحاسبة الدقيقة. لكن ماذا لو كان رواد الفضاء الذين يخسرون حياتهم أشخاصاً عاديين تحمسوا لخوض هذه التجربة لمجرّد أن شخصاً ثرياً بما يكفي دعاهم للمشاركة في الرحلة؟ في هذه الحالة، سيتوقف الوضع على قرارات "سبيس إكس" وإيلون موسك. لطالما عبّر موسك عن تطلّعه إلى مستقبلٍ تصبح فيه الرحلات الفضائية مشابهة للرحلات الجوية العادية.


إيلون موسك متحدّثاً إلى أفراد عائلة الطاقم في مركز كينيدي للفضاء


فرانكلين تشانغ دياز هو رائد فضاء متقاعد من وكالة "ناسا" وقد شارك في رحلات فضائية سبع مرات. هو واحد من شخصَين فقط شاركا في هذا الكم من المهام. من وجهة نظره، يتجه هذا القطاع نحو تحقيق رؤية موسك. أدت الأخطاء القاتلة التي شهدها قطاع السفر الجوي في بداياته إلى تحسين مستوى الأمان، ولا يتنبه معظم الناس اليوم إلى تفاصيل مثل السفر في مركبة مضغوطة على علو 30 أو 40 ألف قدم حول الأرض، وبسرعة 400 أو 500 ميل في الساعة. كل ما يهتم به المسافرون الآن هو وجود خدمة الإنترنت أو ربما تناول مشروب منعش خلال الرحلة.

الرحلات الفضائية لا تحمل هذه المواصفات في الوقت الراهن، بل إنها أشبه بتسلق جبل إيفرست أو القيام بمغامرات متطرفة أخرى من هذا النوع. إنها واحدة من أكثر النشاطات المحفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى البشر. لكن في هذا الفصل الجديد من عالم الرحلات الفضائية، يدفع العملاء المال للمشاركة في هذه المغامرة، لا بدافع الواجب الوطني كما في السابق، بل لغايات شخصية. لذا يجب أن يحتسب هؤلاء حجم المخاطر المطروحة على أنفسهم وعائلاتهم التي يتركونها وراءهم حين يغادرون كوكب الأرض لأن أي رحلة فضائية تكون أصعب على العائلات. يدرك جميع رواد الفضاء هذا الواقع.

يقول رائد الفضاء المتقاعد جورج نيلسون إن المسؤولين في وكالة "ناسا" حرصوا على إطلاع أفراد عائلته على تفاصيل تدريبه للمهمة التي تلت رحلة "تشالنجر" أكثر مما كانوا يفعلون في المهام السابقة بهدف طمأنتهم، وتتخذ شركة "سبيس إكس" تدابير مماثلة حتى الآن. أما أرسينو، أصغر رائدة فضاء شاركت في رحلة Inspiration4، فقد حضرت مع والدتها اجتماعاً مع مهندسين من "سبيس إكس"، فحصلت بذلك على ما تحتاج إليه كي تثق بالشركة. لقد فهمت طبيعة المخاطر المطروحة، لكنها شعرت بدرجة عالية من الثقة. في المقابل، لن يكون الرأي العام مستعداً نفسياً لوقوع الكوارث بالطريقة نفسها. يضيف نيلسون: "أظن أن عامة الناس يدركون في لاوعيهم أن عدداً من رواد الفضاء قُتِل سابقاً. لكن يبقى هذا النوع من الحوادث صادماً في جميع الأحوال لأن الناس لا يتوقعون حوادث الموت أبداً".


MISS 3