جاد حداد

علاج واعد لمرض الباركنسون

23 تشرين الأول 2021

02 : 00

تُحلل دراسة جديدة نشرتها مجلة "العلوم" حديثاً طريقة مختلفة لتحسين تقنية التحفيز العميق للدماغ ومعالجة مرض الباركنسون.

تقدّم بارز

يتطور مرض الباركنسون بسبب تنكس الخلايا العصبية التدريجي في منطقة دماغية اسمها "المادة السوداء". ثم يؤدي موت تلك الخلايا إلى نقصٍ في ناقلات الدوبامين العصبية. لاستهداف هذا المرض، يقضي خيار علاجي أساسي بأخذ دواء "ليفودوبا". يُعتبر هذا الدواء بديلاً عن الدوبامين، لكنه يخسر فاعليته مع مرور الوقت، وقد يصاب البعض بمضاعفات حركية نتيجة استعماله.

حين تخسر أدوية الباركنسون فاعليتها، قد يلجأ الأطباء إلى التحفيز العميق للدماغ لتخفيف حدة الأعراض. يستخدم الأطباء اليوم التحفيز الكهربائي للدماغ لمعالجة مجموعة متزايدة من الاضطرابات، منها خلل التوتر العضلي، والرجفة، والصرع، واضطراب الوسواس القهري. في العام 1989، استخدم العلماء هذه التقنية بنجاح لتخفيف حدة الرجفة المرتبطة بمرض الباركنسون. ومنذ استعمال تلك المقاربة للمرة الأولى في التجارب العيادية، طوّر الخبراء تقنية التحفيز وعدّلوها بالشكل المناسب.

يتجاوب جزء من أعراض الباركنسون جيداً مع هذا النوع من العلاجات. لكن تتعدد سلبيات التحفيز الكهربائي، منها تفاقم الاكتئاب، والذهان، واضطرابات السيطرة على الانفعالات. كذلك، تتجدد الأعراض التي يُحسّنها العلاج في المرحلة الأولى بسرعة نسبية بعد وقف التحفيز.

مقاربة جديدة

إستند الباحثون في جامعة "كارنيجي ميلون" في "بيتسبيرغ" إلى أبحاث سابقة لإجراء دراستهم الجديدة. تكشف نتائج الدراسات السابقة أن التلاعب البصري الوراثي بجزءٍ من الخلايا العصبية المستهدفة قد يعطي آثاراً علاجية طويلة المدى لدى فئران تفتقر إلى الدوبامين.

يشير علم البصريات الوراثي إلى تقنية تسمح للعلماء بتنشيط خلايا عصبية محددة أو تعطيلها عبر استعمال الضوء. وبما أن هذا العلم لا يزال في مراحله الأولى على مستوى الأمراض البشرية، فضّل المشرفون على الدراسة الأخيرة استعمال نماذج من الفئران.

إكتشف الباحثون أنهم يستطيعون استهداف خلايا عصبية معينة عبر صعقات متقطعة من التحفيز الكهربائي. ومن خلال تفضيل هذه الصعقات القصيرة على التحفيز المتواصل، نجحوا في استهداف مجموعة محددة من الخلايا. سمحت هذه العلاجات المستهدفة بتجديد الحركة والحفاظ عليها طوال ساعات بعد التحفيز، وأعطت منافع علاجية طويلة المدى لدى الفئران في المختبر.

علاج واعدصرّح الدكتور براين كوبيل، مدير "مركز التنظيم العصبي" في مدرسة الطب "ماونت سينا" في مدينة نيويورك، لمجلة "ميديكل نيوز توداي": "تطرح هذه الدراسة خيارات مبتكرة لاختراع علاجات مستقبلية محتملة لمرض الباركنسون. تكلم المشرفون على هذا البحث عن احتمال تنظيم هذه الدوائر بناءً على بُعد نغفل عنه في معظم الأحيان. نحن نميل إلى التركيز على تحديد موقع التحفيز بدل التنبّه إلى توقيته".

يكتب الباحثون في مقالة أخرى: "نعتبر هذه الدراسة نموذجاً ممتازاً عن التحفيز العميق للدماغ الذي يكون مستوحىً من علم البصريات الوراثي، وقد تُمهّد مستقبلاً لابتكار مقاربات أكثر فاعلية يمكن تطبيقها على البشر". لكن تجدر الإشارة إلى استعمال نماذج من القوارض في هذه الدراسة الأخيرة، ما يعني ضرورة أن يحدّ العلماء من حماسهم إلى حين التوصل إلى نتائج مشابهة على البشر أو الرئيسيات غير البشرية.

مع ذلك، يأمل الباحثون في نقل هذه المقاربة العلاجية إلى البشر يوماً. إذا حصل ذلك، قد يتحقق تقدّم علاجي كبير في مجال مرض الباركنسون. يتوقع المشرفون على الدراسة أن ينجح العلماء قريباً في اختبار مقاربتهم التحفيزية على مصابين بمرض الباركنسون لأن الترددات المستعملة حتى الآن تبقى في نطاقٍ يسمح بإجراء تجارب عيادية.

يضيف العلماء في تقريرهم: "يمكن استعمال مقاربة التحفيز العميق للدماغ عبر الأجهزة المزروعة الشائعة وبتردّد تُصادِق عليه "إدارة الغذاء والدواء" الأميركية، ما يسمح بإجراء اختبارات فورية على نماذج متنوعة من المصابين بمرض الباركنسون، بما في ذلك البشر".

في النهاية، يستنتج الباحثون أن دراستهم تثبت أهمية استكشاف طريقة تنظيم الخلايا العصبية ووظيفتها داخل الدماغ لمساعدة الأطباء على تعديل خصائص التحفيز الكهربائي، ما يسمح في نهاية المطاف بإطالة مدة المنافع العلاجية للتحفيز الدماغي العميق، بما يتجاوز إيجابيات الوسائل التقليدية.

وفق تقديرات "مؤسسة الباركنسون"، يصاب أكثر من 10 ملايين شخص حول العالم بمرض الباركنسون في الوقت الراهن. يشير هذا المرض إلى اضطراب عصبي يزداد سوءاً مع مرور الوقت، ويترافق مع أعراض مثل الرجفة وتباطؤ الحركة وتصلّب العضلات.


MISS 3