فريد كابلان

الإختبار الصاروخيّ الصينيّ...مصدر قلق حقيقيّ أم مبالغ فيه؟

27 تشرين الأول 2021

المصدر: SLATE

02 : 01

أثار نوع جديد من الصواريخ الصينية الهلع وسط بعض المسؤولين الدفاعيين الأميركيين، لكن قد تكون هذه المخاوف مبالغاً فيها.

وفق مقالة نشرتها صحيفة "فاينانشل تايمز" في نهاية الأسبوع الماضي، حصل هذا الاختبار في شهر آب وتحرّك الصاروخ حينها بإيقاع يفوق سرعة الصوت في مدار منخفض حول العالم. ومع اقتراب نهاية الرحلة، أطلق مركبة قد تَسَع رأساً حربياً نووياً ثم انزلقت تلك المركبة نحو هدفها. يستطيع هذا الصاروخ الاقتراب من الولايات المتحدة، لا من الشمال فحسب كما تفعل الصواريخ الباليستية الطبيعية، بل من الشرق أو الغرب أو الجنوب أيضاً. يعني ذلك أنه قادر على اختراق الرادارات التحذيرية الأميركية وتعطيل أنظمة الدفاع الصاروخي.

أنكر المسؤولون الصينيون هذه القصة وأعلنوا أنهم كانوا يختبرون صاروخاً مدنياً قابلاً لإعادة الاستخدام بكل بساطة. كذلك، شكّكت صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الأربعاء بحصول ذلك الاختبار، وذكرت أنه لم يحصل على الأقل بالطريقة التي وصفتها صحيفة "فاينانشل تايمز". لكن لنفترض أن القصة حقيقية وأن هذا الصاروخ الجديد قد يعطّل نظام الدفاع الصاروخي الأميركي فعلاً.

هذا النظام ليس مفيداً جداً في الوقت الراهن، بغض النظر عن جهود الصين الغريبة. كما أنه لم يخضع للاختبار منذ آذار 2019، وكانت ثلاثة من الاختبارات الستة الأخيرة فاشلة. بعبارة أخرى، لا يمكن اعتبار هذا النظام الدفاعي قوياً منذ البداية.

تجدر الإشارة إلى أن "نظام الدفاع الأرضي في منتصف المسار" الذي يهدف إلى إسقاط الصواريخ طويلة المدى التي تستهدف الولايات المتحدة لم يخضع للاختبار إلا في وجه رأس حربي مزيف في مناسبة واحدة. إذا أراد الصينيون نسف دفاعاتنا الصاروخية إذاً، تقضي أبسط وأفضل طريقة بإطلاق رأسَين حربيَين (من الصاروخ نفسه على الأرجح) نحو كل هدف من الأهداف عالية القيمة. إذا سقط أول رأس حربي (وهو أمر غير مؤكد)، يرتفع احتمال أن يمرّ الرأس الثاني.

قد يتوصل الصينيون إلى هذا الاستنتاج وحدهم في نهاية المطاف. وفق صحيفة "فاينانشل تايمز"، قال مسؤول استخباري إن الصاروخ الصيني المعقد فوّت هدفه بفارق 24 ميلاً تقريباً. ومن المعروف أن أحدث الصواريخ الباليستية العابرة للقارات قد تُفوّت أهدافها بعِشْر الميل الواحد فقط.

تعمل الولايات المتحدة وروسيا والصين على تطوير أنواع جديدة من الصواريخ فائقة سرعة الصوت، منها صاروخ باليستي عابر للقارات ومزوّد برأس حربي غير نووي. في النسخة الأميركية التي لم تظهر بعد (جميع النسخ غير موجودة حتى الآن)، تدخل هذه الابتكارات في خانة برنامج "الضربة العالمية الفورية" الذي يسمح للولايات المتحدة باستهداف المواقع في أي مكان من العالم بسرعة فائقة ومن دون اللجوء إلى الأسلحة النووية. سيكون نوع آخر من الصواريخ فائقة سرعة الصوت أكثر سلاسة، ما يعني أن يقطع كامل المسافة نحو الغلاف الجوي (بدل الالتفاف والتوجه نحو الفضاء الخارجي)، ما يسمح له بتجنب بعض أنواع الرادارات التحذيرية. لكنّ هذه المواصفات كلها لا تنطبق على الصاروخ الصيني. خلال الاختبار الأخير، لم يطلق الصاروخ "مركبة انزلاقية" إلا حين اقترب من هدفه. وعلى مر مساره الجوي، كان أداؤه مشابهاً لأي صاروخ باليستي باستثناء دورانه حول كوكب الأرض على علو منخفض. بعبارة أخرى، إذا اشترت الولايات المتحدة عدداً إضافياً من أجهزة الاستشعار لرصد الصواريخ المتجهة نحوها من جميع الاتجاهات، لن يجد "نظام الدفاع الأرضي في منتصف المسار" صعوبة في إسقاط هذا الصاروخ بما يفوق المصاعب التي يواجهها عند إسقاط أنواع أخرى من الصواريخ.

ما الذي يُخطط له الصينيون إذاً؟ يصعب أن نعرف الجواب. وفق أحد السيناريوات المحتملة، تقوم الصين بما يخشاه البعض، ما يعني أن تحاول إضعاف نظام الدفاع الصاروخي الأميركي لأنها تبالغ في تقدير قوته. يحذّر عدد من الخبراء النوويين الاستراتيجيين منذ وقت طويل من احتمال أن تُشجّع أنظمة الدفاع الصاروخي الخصوم على بناء المزيد من الصواريخ الهجومية أو الأكثر تطوراً. لهذا السبب، وقّعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية في العام 1971، فقد أراد الطرفان بهذه الطريقة استباق أي سباق تسلّح في المجالات الهجومية والدفاعية. لكن ألغى الرئيس جورج بوش الإبن تلك المعاهدة في العام 2001. ومنذ ذلك الحين، أنفقت الولايات المتحدة حوالى 10 مليارات دولار سنوياً لتطوير أنواع مختلفة من أنظمة الدفاع الصاروخي، ويكون معظمها مُصمّماً للتعامل مع التهديدات التي تطرحها دول مثل كوريا الشمالية وإيران. لكن بقيت قدرة تلك الأنظمة على مواجهة الاعتداءات الكبرى من روسيا أو الصين ضئيلة أو شبه معدومة.

يجب أن يقتنع الروس والصينيون بهذا الواقع أولاً.

قد تبدو هذه المسألة كلها غريبة منذ البداية، لكن يُعتبر منطق الردع النووي بحد ذاته غريباً أيضاً، فهو يفترض أن الدفاع القوي قادر على تضخيم الهجوم الفعال. لكن يخشى الكثيرون أن يطلق بلد معيّن أول ضربة نووية ضد بلد آخر، ثم يردّ البلد الثاني بأسلحته المتبقية قبل أن يستهدفه البلد الأول بنظامه الدفاعي الصاروخي. وفق هذا السيناريو، يُعتبر الدفاع الصاروخي بمثابة درع احتياطي يُستعمل لمنع أي بلد من الرد على هجوم نووي أو لإضعاف قدراته في هذا المجال. (هذا الافتراض ليس بعيداً عن الواقع، فقد اعتبر عدد كبير من المسؤولين في الجيش الأميركي خلال الخمسينات والستينات أن المغزى الحقيقي من تطوير الدفاعات الصاروخية يتعلق بتقوية القدرات الأميركية لتوجيه الضربة الأولى). بالتالي، يمكن وضع جميع الخطوات التي تتخذها الصين اليوم في مجال التسلح النووي في خانة الجهود الرامية إلى تعطيل نظام الدفاع الصاروخي الأميركي والاحتفاظ بنظام الردع النووي الذي تملكه.

هل يجب أن يتفرّج الأميركيون على الوضع إذاً من دون تحريك أي ساكن؟ يقول جون بايك، مدير شركة الأبحاث الخاصة GlobalSecurity.org، إن "الولايات المتحدة يجب أن تتصدى لجميع التدابير المضادة التي تطلقها الصين، طالما يبقى منطق الردع النووي الغريب قائماً، مع أن الصين لا تستعمل كل ما تستعرضه". انطلاقاً من هذا المنطق، ربما تخوض الصين لعبة شيطانية، فتضغط على الولايات المتحدة لدفعها إلى إنفاق عشرات مليارات الدولارات على مجموعة من التقنيات الجديدة لنزع فتيل التجارب التي لا تُخطط الصين أصلاً لاستعمالها كأسلحة بحد ذاتها.

يبدو أن البعض بدأ يقع في الفخ. صرّح مايكل غالاغير، الجمهوري في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب الأميركي، لصحيفة "فاينانشل تايمز" بأن اختبار الصاروخ الصيني يُفترض أن يكون مؤشراً تحذيرياً ودعوة للتحرك: "يملك جيش التحرير الشعبي الآن قدرات متزايدة على نحو مدهش لإضعاف دفاعاتنا الصاروخية وتهديد الأراضي الأميركية". يبدو غالاغير مقتنعاً، على غرار الكثيرين ولأسباب غير واضحة، بأننا نملك نظاماً فعالاً للدفاع الصاروخي وقادراً على حماية الولايات المتحدة. هو يغفل أيضاً عن واقع مختلف مفاده أن الأراضي الأميركية وجميع دول العالم تواجه تهديداً بالدمار منذ بدء العصر النووي في العام 1945، أو منذ بدء عصر الصواريخ على الأقل في بداية الستينات.

من المرعب أن نفكر بوجود أسلحة نووية كافية لتدمير جميع مظاهر الحياة على كوكب الأرض في مناســـبات متكررة، حتــى أن جزءاً بسيطاً من تلك الأسلحة يكفي لقتــل معظم الأميركيين ونسف كل ما هو عزيز عليهم. يميل الجميع إلى تجاهل هذه الحقيقة لدرجة أن نجبر أنفسنا على التفكير بها عند الحاجة. هذا ما يفسّر انبهارنا بأنظمة الدفاع الصاروخي والحرية التي منحها الكونغرس لوكالة الدفاع الصاروخي على مر السنوات الأخيرة رغم فشلها في اختبار منتجاتها. تكمن المشكلة الحقيقية في ميل الخصوم إلى تعزيز أنظمتهم الهجومية حين ينجح الأميركيون في بناء نظام دفاعي فعال، وهذا ما تفعله الصين (وحتى روسيا) اليوم على ما يبدو.

لا شك في أن وكالة الدفاع الصاروخي ستجيب على دعوة غالاغير إلى التحرك. من المتوقع أن تطالب مثلاً بزيادة التمويل المخصص لمجابهة الصاروخ الصيني فائق سرعة الصوت، حتى لو لم يكن موجوداً بعد، وحتى لو فوّت اختباره الهدف بفارق 24 ميلاً. تعليقاً على التهديد الصيني، صرّح كريستوفر نيمي، جنرال في سلاح الجو ومدير قسم الاستراتيجيات والخطط والبرامج في القوات الجوية الأميركية في المحيط الهادئ، لموقع Defense One: "يجب أن نحلل السيناريوات المحتملة من الناحية الفيزيائية، وتختلف وجهة النظر هذه عن التحركات التي نتوقعها من الصين". انطلاقاً من هذا الرأي، ستكون توقعات الجنرالات الأميركيين حول التهديدات المحتملة غير محدودة، وهي تتعلق بنوع الأسلحة الجديدة المرتقبة وتحديد كلفة التعامل معها.

سبق وعاش الأميركيون هذه التجربة بتفاصيلها وكانوا محظوظين بما يكفي كي تنتهي بطريقة سلمية. يبدو أن هذه اللعبة عادت إلى الواجهة اليوم، لكنها تشمل هذه المرة أكثر من لاعبَين وتحصل في عالمٍ أكثر انقساماً بكثير وأكثر تطوراً من الناحية التكنولوجية. قد تكون نهاية التجربة سيئة هذه المرة، لذا يجب أن نبتكر جميعاً أفضل الطرق لإنهاء اللعبة.