سناء الجاك

الثالثة ثابتة

30 تشرين الأول 2021

02 : 00

يبدو أن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي هو آخر من يهمّه عودة الحكومة إلى الاجتماع. فصاحب العزم على الإلتزام بوعوده تجاه راعيه الفرنسي، وتحديداً لجهة التفاوض مع البنك الدولي وإعادة الكهرباء إلى سكة العمل وإجراء الانتخابات النيابية، يضرب كفاً بكف هذه الأيام، ويترحَّم على مستوى التعبير لدى ممثلي الممانعة في الحكومتين السابقتين اللتين تولى رئاستهما.

بالتأكيد، هو لم يتصور أن بعض الوزراء الذين فُرِضوا عليه، لم يتم توزيرهم فقط من باب المحاصصة بفعل إنتماءاتهم أو المكافأة لمواقفهم المستزلمة وفقاً لطموحهم وأطماعهم، وإنما لكفاءتهم وإختصاصهم في تفخيخ العمل الحكومي. لا يردعهم رادع ولا يحسبون حساباً إلا لإلتزامهم بالسياسات العليا للمحور الإيراني مقابل نعمة المعالي التي هبطت عليهم.

والسبب يعود إلى المرحلة الإقليمية الحساسة، ما يتطلب الإستغناء عن الذبح بالقطنة وإعتماد المواجهات المباشرة، وصولاً إلى طاولة المفاوضات بأوراق مضمونة.

وهكذا قبل أن يصيح ديك الحكومة، ذاب الثلج وبان مرج أجندة المحور ومراميه الضاربة بالإتفاق مع مسيو ماكرون والقاضية بتنفيذ ما أعلنه مراراً وتكراراً مسؤولون إيرانيون لجهة الخطوات الضرورية لإلحاق لبنان كدسكرة من دساكر الولي الفقيه وسلخه من محيطه العربي وتحويله إلى مارق على الشرعية الدولية ومصادرة السيادة والقضاء على الدولة.

وكل ما يجري يؤكد أن الخطوات المدروسة ليست عفوية، أو متعلقة بحرية التعبير لمرحلة ما قبل تشكيل الحكومة، أو هي مرتبطة بمواجهة المؤامرة الأميركية المتمثلة بما يضمره قاضي التحقيق في جريمة تفجير المرفأ، أو إفتعال "غزوة عين الرمانة" وما تلاها من إتهامات جاهزة معلبة على أساس مذهبي حاد.

بالتالي لم يبق لصاحب العزم إلا محاولة النجاة من عملية تفجير ممنهجة للألغام المزروعة مسبقاً في طريق الحكومة الثالثة، وترقب لتوقيت إنفجارها بالتتالي وفق مصلحة المحور.

لذا من الأفضل أن تبقى جلسات المجلس معطلة لتخفيف الأضرار، ويبقى العمل على القطعة مع "الخواص" فيُلَقِّط وإياهم رزقه الحكومي بالمفرق حتى يبدّل الله الأحوال، ويصبح ممكناً العمل بالجملة مع الجماعة.

والمفارقة أن ميقاتي لا يملك ترف "الحرد" حتى يفرض أي مطلب لتفعيل حكومته ونزع ألغامها. سواء عندما أملى وزير الثقافة محمد مرتضى ما يجب إملاؤه لجهة شل عمل الحكومة حتى تتحقق مطالبه. وكذلك لا يستطيع أن يرغم وزير الإعلام جورج قرداحي على الإستقالة بعد إنكشاف إلتزامه بالنص الإيراني لما يحدث في اليمن، وتبريره الأمر بأنه لم يكن وزيراً، وكأن البدعة اللبنانية بالفصل بين ما قبل وما بعد او بين الجناحين الأمني والسياسي، يمكن أن تضلل وتغشي العيون.

وليس خافياً على ميقاتي أن من يتلقى الإساءات والإعتداءات والكبتاغونيات والمسيرات المتفجرة لديه من الوعي والذكاء والقدرة على الإستيعاب ما يحول دون إقتناعه بالتفريق بين أفرقاء لبنانيين وبين الدولة اللبنانية.

واذا كرر ميقاتي ومن بعده رئيس الجمهورية ميشال عون أن مسائل تهريب الكبتاغون وتدريب الحوثيين وتصريحات القرداحيين، وما أكثرهم، لا علاقة لها بالدولة كدولة، فذلك يبقى ضرباً من ضروب دفن الرأس في الرمال، ودفن السيادة اللبنانية والرضوح لمشيئة الاحتلال القائم.

بالتالي، فإن المؤشرات صاعقة وصافعة ووقحة تجعل الثالثة ثابتة في قمة الإحراج التي قد تطيح بكل ما زرعه ميقاتي منذ دخل معترك السياسة من خلفيته الاقتصادية.

والظاهر أن حظه قليل مع هذه الثالثة، ويكاد يكون معدوماً. فقد ألقوه في اليمّ مكتوفاً، ولم يجهدوا أنفسهم بأن يقولوا له: إياّك إيّاك أن تبتلّ بالماء!