المترجمون الفوريّون الأفغان في مهبّ الريح بعدما تخلّت عنهم تركيا

00 : 39

حين سمع علي أن حركة "طالبان" وصلت إلى كابول في 15 آب، اعتبر نفسه رجلاً ميتاً. فأحرق الوثائق التي تؤكد الجهات التي كان يتواصل معها، واتصل بأسياده السابقين طلباً لإجلائه فوراً. فلطالما اعتُبِر الأشخاص الذين عملوا سابقاً مع قوات حلف الناتو أهدافاً مباشرة لحركة "طالبان" لأنها تعتبرهم خونة.

كان علي (تغيّر اسمه في هذه المقالة حفاظاً على سلامته) وزملاؤه يعملون كمترجمين فوريين لصالح الجيش التركي في كابول كجزءٍ من بعثة "قيادة التدريب والمشورة والمساعدة": إنها وحدة عسكرية متعددة الجنسيات تخضع لسلطة "مهمة الدعم الحازم" التابعة لحلف الناتو في أفغانستان. كان هؤلاء العاملون يعرفون أن إجلاءهم إلى بلد آمن هو الحل الوحيد لضمان نجاتهم. لذا بذلوا قصارى جهدهم للوصول إلى بر الأمان. منذ بضعة أشهر، حين بدأت "طالبان" تتقدم في المحافظات الشمالية، اتصل علي وزملاؤه بأسيادهم وطلبوا منهم تطمينات معينة للتأكد من عدم تخلي الجيش التركي عنهم إذا استولت "طالبان" على البلد.

يتذكر علي أن رب عمله قال له: "سيتم إجلاؤنا نحن أولاً، ثم يحين دوركم".

لكن بعد شهرَين على عودة "طالبان"، لا يزال علي ومترجمون آخرون كانوا يعملون لصالح تركيا متواجدين في أفغانستان. كذلك، يواجه 72 مترجماً فورياً وعائلاتهم، فضلاً عن 26 شخصاً من العمال الذين كانوا يهتمون بالقاعدة التركية في مطار حامد كرزاي الدولي، صعوبة في مغادرة البلد حتى الآن.

بعد سقوط كابول، بدأت القوات الأجنبية المتمركزة في أفغانستان منذ بداية الغزو الأميركي في العام 2001 تنفذ إجلاءً سريعاً لموظفيها ومواطنيها. طوال أسبوعَين، احتل آلاف الناس مطار كابول على أمل إجلائهم في اللحظة الأخيرة، تزامناً مع احتدام الاشتباكات مع "طالبان" التي فرضت سيطرتها على العاصمة.

لكن بحلول المهلة النهائية الرسمية لإجلاء الأجانب في 31 آب، لم يصل الجميع إلى وجهة آمنة. تخلّت دول مثل هولندا عن الموظفين في سفارتها ولم تَعِدهم بإجلائهم لاحقاً. كذلك، تُرِك الموظفون المحليون في الوكالة الألمانية للتعاون الدولي لمصيرهم مع أنهم تلقوا وعوداً أولية بإجلائهم في أسرع وقت. في حالات كثيرة أخرى، استقل الأشخاص الذين عملوا مباشرةً مع قوات الناتو الطائرات في إطار مساعي الإجلاء التي شملت موظفي السفارات والمواطنين الأجانـب. لكن استثنت هذه الجهود العاملين مع الجيش التركي.

كان علي (31 عاماً) يعمل كمترجم فوري لصالح الجيش التركي منذ العام 2018 ويُفترض أن ينتهي عقده في أواخر كانون الأول 2021، لكن لم يكن رب عمله يتوق إلى إخراجه من البلد على ما يبدو. في بداية شهر أيلول، أدرك علي أن بقاءه في كابول مع حكومة "طالبان" الجديدة يشكل خطورة على حياته.

صرّح علي لصحيفة "ذا دبلومات": "حضر أربعة أشخاص مسلحين إلى منزلي، لكني كنتُ قد حرقتُ جميع الوثائق. طلبوا مني الخروج ثم سحبوا جميع كتبي وملابسي وقالوا لي إنهم يبحثون عن الأشخاص الذين عملوا مع القوات الأجنبية. ثم قررتُ أن أختبئ وأقفلتُ هاتفي وتخلصتُ من شريحة الاتصال. ومع ذلك، يمكن التأكد من هويتي بسهولة. غادرتُ منزلي في ذلك اليوم ولم آخذ معي شيئاً، بل اكتفيتُ بهاتفي وحاسوبي المحمول وبعض الملابس. أقفلتُ الباب وذهبتُ للنوم في منازل أصدقائي وكنتُ أغيّر موقعي يومياً. هذا ما فعله جميع العاملين مع الأجانب. الوضع صعب جداً".

علي ليس الشخص الوحيد الذي يعيش هذه الظروف. كان جواد (36 عاماً) يعمل كمترجم فوري لصالح الجيش التركي منذ العام 2009، وهو يرفض الإفصاح عن شهرته خوفاً على سلامته. هو أب لثلاثة أولاد ولم يتوقع يوماً أن يتخلى عنه رب عمله بعد 12 سنة من التعاون. في الوقت نفسه خسرت زوجته، معلّمة الرياضيات، عملها حديثاً لأن "طالبان" لا تسمح للنساء بالعمل. نتيجةً لذلك، تفتقر هذه العائلة اليوم إلى مصادر الدخل.

لم يقرر جواد الاختباء رغم كل شيء. بعد فترة قصيرة على انسحاب القوات الأجنبية، استدعته الشرطة الجديدة وسألته إذا كان يعمل كمترجم لصالح الناتو، فأكّد هذه المعلومة. في اليوم نفسه، حضر شخصان إلى منزله وطلبا منه مرافقتهما إلى مركز الشرطة.

يقول جواد: "سألني أحد عناصر "طالبان" إذا كنتُ مترجماً فأجبتُ بالإيجاب. ثم طلب مني أن أعطيه مسدسي، فقلتُ له إنني لا أملك واحداً. ثم ضربوني وأمروني بجلبه. قلتُ لهم إنني مترجم ولا أحمل الأسلحة. ثم طرحوا علي أسئلة أخرى ولم يحصلوا على الأجوبة التي يريدونها". عرض جواد صوراً تظهر فيها آثار الضرب على ظهره، ثم أضاف قائلاً: "لقد جلدوني وضربوني بمقبض بندقية كلاشنكوف. ثم ضربوني بسلك مزدوج. تعرّض ثلاثة مترجمين فوريين آخرين على الأقل للضرب أيضاً. لقد بدأوا الآن يفتشون المنازل ببطء ويبحثون عن أدلة ضد الناس ويتحققون من الهواتف الخليوية".

تابع جواد وعلي التواصل مع الجيش التركي وطلبا منه إجلاءهما في مناسبات متكررة. اطلعت صحيفة "ذا دبلومات" على نسخ من رسائل إلكترونية ومحادثات عبر "واتساب" كان قد أرسلها الرجلان إلى أسيادهما. لكنهما لم يتلقيا حتى الآن أي تأكيد على تحضير خطة إجلاء يمكنهما الاستفادة منها.

يضيف جواد: "نحن نعمل منذ سنوات كمترجمين لصالح الجيش التركي وقوات التحالف. لكن تخلى عنا الجيش التركي بكل بساطة اليوم. لقد أعطونا أملاً بإجلائنا إلى تركيا أو قطر لكنهم يلتزمون الصمت الآن. في بداية عملية الإجلاء، أرسلوا لنا رسالة تؤكد أننا جزء من قوات التحالف ولم يذكروا أنهم سيتخلون عنا. وعندما انتهت عملية الإجلاء، طلبوا منا أن نقصد السفارة التركية، لكن لم يسمح لنا أحد بالدخول. هم لا يجيبون على أسئلتنا ولا يقبلون الطلبات التي نقدّمها. يأتي معظم المترجمين من الشمال، من مزار شريف وفارياب وجوزجان. هم لا يستطيعون العودة إلى منازلهم بسبب تهديدات "طالبان". نحن نواجه التهديدات أيضاً في كابول".

تواصلت صحيفة "ذا دبلومات" مع مصادر في قوات الناتو والجيش التركي لمعرفة تعليقها على الموضوع، لكنها لم تتلقَ أي جواب حتى كتابة هذه السطور.

لم يحصل علي وجواد و98 مترجماً فورياً وعاملاً آخرين على رواتبهم من الجيش التركي منذ انسحاب قوات التحالف من أفغانستان. كذلك، لا أحد يعرف بعد إذا كانوا سينجحون في مغادرة البلد لأن عدد السفارات الأجنبية في أفغانستان أصبح محدوداً، وقد صعّبت الدول المجاورة إجراءات نيل التأشيرات على الأفغان.

في النهاية يقول علي: "لقد دُفِنت أحلامنا. نحن نعجز عن النوم ليلاً ونشعر بالقلق على مستقبلنا وعائلاتنا. نحتاج إلى تحرك فوري لكنّ أحداً لا يسمعنا".

في السياق نفسه، يقول جواد: "نحن نريد أن نعيش بأمان وأن يذهب أولادنا إلى المدرســة بكل بساطة".