هادي بن علي اليامي

الأزمة في لبنان وليست معه

3 تشرين الثاني 2021

02 : 00

فات وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي، الذي جلس على كرسي الوزارة في غفلة من الزمن، أنّ ما يتحدّث عنه هو قضية أفتَت فيها المؤسسات القانونية التي تحكم العالم، مثل الأمم المتّحدة ومجلس الأمن الذي قطع بأنّ تدخّل قوّات التحالف العربي في الأزمة اليمَنيَّة ينسجم مع قواعد القانون الدولي ولا يمثّل انتهاكاً لسيادة اليمن، لأنّه جاء استجابة لطلب تقدّمت به الحكومة الشرعية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يعترف به العالم أجمع.

يتبادر إلى الأذهان سؤال بديهي عن الدافع الذي يقف وراء إطلاق قرداحي تصريحاته، ومغزى التوقيت، وأقول إنّه لم يأتِ مصادفة، فمذيع البرامج الترفيهية... نجح في آب الماضي في نيل بركة "حزب الله" لتعيينه وزيراً، ولم يجد غير الإساءة للمملكة عربوناً يقدّمه له.

وبعيداً عن تعليقات قرداحي، أقول إنّ الموقف السعودي القويّ لم يكن فقط بسبب أقواله المسيئة، لكنّه كان النقطة التي أفاضت الكأس، إذ كما هو معلوم، من القاصي والداني، أنّ المملكة تمدّ حبال الصبر كثيراً، لا سيّما مع الأشقّاء العرب، انطلاقاً من مكانتها كراعية وحاضنة للبيت العربي، أملاً في عودة الضالين إلى جادة الصواب. لكنّها عندما تردّ فإن ردّها يتوازى مع حجمها ومكانتها، فغضبة الحليم معلومة المآلات.

من الأسباب الأخرى التي دفعت المملكة إلى اتّخاذ هذا الموقف، هو مواصلة "حزب الله" تصدير المخدرات إليها ضمن المنتجات الزراعية، وتغاضي الحكومات اللبنانية المتعاقبة عن وقف هكذا ممارسات، كما والتغاضي عن معاقبة الفاعلين المعروفين للجميع، رغم التنبيهات المتكرّرة، والإخباريات المقدّمة إلى السلطات في بيروت، والمقرونة بكافة المعلومات والأدلة.

كذلك يستقوى الحزب على دولته، ويستمر في دعم الميليشيات الحوثية، المعادية للمملكة وللعرب، ويُدرّب كوادرها على إطلاق المقذوفات، ويمدّها بالصواريخ والمسيّرات، على ما أثبتته الرياض بالأدلة والوقائع المعزّزة بالتواريخ، غير أنّ بيروت لا تزال تُخفق في اتّخاذ فعل صارم يوقف هذه التجاوزات.

أكثر ما لفت إعجابي في تصريحات وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان قوله إنّه "ليست هناك أزمة مع لبنان بل أزمة في لبنان بسبب هيمنة إيران"، وهي كلمات أصابت كبد الحقيقة، وبمثلها عبّرت المملكة عن حتميّة تصحيح المسار في بيروت، وضرورة إجراء إصلاحات شاملة تُعيد إلى هذا البلد الشقيق سيادته وقوّته ومكانته بين الدول.

وللحقيقة، فإنّ الحكومات اللبنانية في الفترة الأخيرة باتت لا تتحكّم بأفعالها، إذ باتت لا تستطيع التقرير في أي شأن ما لم تحصل على موافقة "حزب الله" الذي يحتاج بدوره إلى موافقة النظام الإيراني على كل صغيرة وكبيرة، وبالتالي فإن طهران أصبحت هي التي تتحكم في بيروت عمليا وتقرر ما يجب أن يحدث أو لا يحدث.

المملكة بطبيعة الحال لا تريد أن تملي على الحكومة اللبنانية شيئاً، كما لا تُريد أن تتدخّل في الشؤون الداخليّة اللبنانيّة، لا بل تحرص، من موقعها العربي، على تعزيز دور وسيادة الحكومة اللبنانية بالحدّ الأدنى الذي يعيد ثقة العالم أجمع للتعامل معها، وإلّا كيف يتعامل العالم مع مَن لا يملك أمره ولا يستطيع اتّخاذ أيّ قرار إلا بعد موافقة الآخرين الأولياء عليه؟

هنا كان لا بدّ من موقف قويّ، موقف يكشف عن عمق الأزمة، وهو ما أقدمت عليه الرياض واحتذت بمثالها دول الخليج الشقيقة باستدعاء سفرائها من بيروت وطلب مغادرة سفراء لبنان خلال (48) ساعة، ووافقت عليه بقية الدول العربية التي أصدرت بيانات تؤكد تضامنها مع الموقف السعودي العادل.

الآن بات الطريق واضحاً أمام الحكومة اللبنانية، إما موقف واضح من الحزب وتقييد تحركاته ووقف تجاوزاته، حتى تعود بيروت فاعلة ومؤثرة في محيطها العربي، وإمّا التمادي في تغطية "حزب الله" وتسهيل مهمّاته المعادية للعرب، فيضيع لبنان واللبنانيون في فلك الشر الإيراني الذي أوردهم موارد الهلاك.

لا مجال للمواقف الرمادية بعد اليوم، ولا بدّ من تصحيح شامل يعيد الأمور إلى نصابها ليلزم كل شخص حدّه وحدوده، فالمملكة لن ترضى باستمرار محاولات استهدافها التي تنطلق من لبنان بتهريب الأسلحة للحوثيين والمخدرات إلى أراضيها، فيما يتم ذلك تحت سمع وبصر السلطات في بيروت من دون أن تحرّك الأخيرة ساكنا لتصحيح الوضع. ولا أقول إنّ المملكة تُعاقب لبنان، لا سمح الله، بل على العكس، فهي تضع لبنان على مسار الحلّ النهائي لكلّ أزماته، والذي يبدأ بإشهار المعضلة الحقيقيّة التي يُعاني منها هذا البلد، ألا وهي هيمنة إيران على سيادته.

ولن تجدي محاولات تصوير الأزمة على أنها ناتجة عن تصريحات ذلك الوزير الذي لا يمثل وأمثاله في حسابات المملكة أكثر من ذرة رمل، وهي لن تضيع وقتاً في مماحكات عديمة النفع، ولن تلتفت عن مسيرتها القاصدة نحو النماء والتطوّر.