بوني لين

ما السبيل لمنع حرب غير مقصودة بسبب تايوان؟

4 تشرين الثاني 2021

المصدر: Foreign Affairs

02 : 01

في 1 تشرين الأول، تزامناً مع الذكرى الثانية والسبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، أرسلت بكين 38 طائرة عسكرية إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، وهو أكبر عدد ترسله في يوم واحد. ثم كسرت بكين رقمها القياسي في اليوم التالي عبر إرسال 39 طائرة إلى المنطقة نفسها. وفي 4 تشرين الأول، أرسلت 56 طائرة أخرى، فتجاوزت بذلك رقمها القياسي اليومي منذ سنة.

يبدو أن الصين تتدرّب على إطلاق عمليات قتالية مشتركة بالقرب من تايوان. بالإضافة إلى زيادة وتيرة رحلاتها، بدأت الصين تزوّد طائراتها المقاتلة بقاذفات قنابل ذات قدرات نووية ومعدّات مُصمّمة للحروب المضادة للغواصات والاستطلاع الجوي. تريد الصين إثبات قدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية ضد تايوان على مدار السنة.

أصبحت الحالات الطارئة في أنحاء المضيق محتملة أكثر من أي وقت مضى اليوم بسبب عدائية الصين المتزايدة. لكن لن تزيد مخاطر اندلاع الأزمات بسبب احتمال حصول غزو صيني فوري، بل يتعلق الخطر الحقيقي بوقوع حوادث أو حسابات خاطئة قد تعطي نتائج كارثية، كأن يحصل اصطدام في الجو بين الطائرات الصينية والتايوانية، أو تقرر الصين اختراق المجال الجوي التايواني وانتهاك سيادته، ما يدفع تايوان إلى إسقاط الطائرة. ستتابع بكين على الأرجح تصعيد جهودها العدائية، فترسل الطائرات إلى مسافات قريبة من تايوان، أو حتى إلى الجزيرة بحد ذاتها. في مرحلة معينة، ستضطر تايبيه للرد عبر تكثيف رحلاتها الاستطلاعية وتحذيراتها أو استعمال القوة العسكرية. لذا يجب أن تتعاون الولايات المتحدة مع تايوان لاستباق النشاطات العسكرية الصينية والرد عليها من دون افتعال أي أزمة من هذا النوع. لم يعد الاستعداد لغزو صيني شامل ضد تايوان استراتيجية أميركية كافية. بل يجب أن تتحضّر واشنطن أيضاً لوقوع أي أخطاء فادحة أو إخفاقات قد تفجّر الوضع وتطلق صراعاً مفتوحاً.

بعدما كثّفت الصين سلوكياتها العدائية، حسّنت تايوان ردودها على ما يحصل، فلجأت في البداية إلى طائرات مقاتلة لاعتراض أي طائرة صينية قريبة. وبحلول العام 2021، دفعت العمليات المتكررة بتايوان إلى زيادة اتكالها على أنظمة الدفاع الجوي الأرضية لمراقبة التحركات الصينية. لكن يدرك قادة تايوان أن هذه التدابير لن تكون كافية إذا تابعت الصين تصعيد الوضع.

داخل "منطقة الدمار"، تفيد التقارير بأن القوات الجوية التايوانية حضّرت بعض الإجراءات النموذجية للرد على العمليات، فهي تستعد مثلاً لاعتراض الطائرات الدخيلة أو إجبارها على الهبوط. وإذا تبيّن أن أي طائرة تحمل أهدافاً عدائية، تستطيع القوات الجوية التايوانية تعطيل رادارها، أو توجيه طلقات تحذيرية، أو حتى إطلاق الضربة الأولى لإسقاطها. لكن لمنع تصعيد الوضع، لا يُسمَح للطيارين التايوانيين الفرديين بإطلاق أول ضربة إلا إذا تلقوا هذا النوع من الأوامر من مقر القوات الجوية. خلال الأزمات، قد تعطي القوات الجوية الإذن بشن ضربات مماثلة من دون موافقة أكبر المسؤولين العسكريين والسياسيين في تايوان.

هذه الردود المحتملة تشبه تلك التي نتوقعها من الدول التي تواجه تهديدات مشابهة. أطلقت كوريا الجنوبية مثلاً مئات الطلقات التحذيرية في العام 2019، حين اخترقت الطائرات الروسية المجال الجوي فوق جزر "دوكدو" المتنازع عليها والمعروفة في اليابان باسم جزر "تاكيشيما". من الناحية السياسية، لا يستطيع أي زعيم تايواني ألا يدافع عن تايوان في وجه التوغلات الصينية. قد يفضّل المسؤولون الأميركيون ألا يهدر قادة تايوان مواردهم العسكرية المحدودة للرد على العمليات الجوية الصينية، لكنهم قد يضطرون لفعل ذلك لضرورات سياسية محلية.

حتى الآن، لم تحلّق الطائرات العسكرية الصينية ضمن نطاق 12 ميلاً بحرياً من بر تايوان، وفق التقارير المتداولة على الأقل. لكن اقتربت الصين تدريجاً من جنوب غرب تايوان وجزيرة "براتاس" التي تديرها تايوان وتقع على بُعد 275 ميلاً من تايوان في بحر الصين الجنوبي. إذا استمرت هذه الاضطرابات، تثبت مسارات الطيران التي اختارتها الصين سابقاً والتدريبات التي نفذتها أن بكين قد تكون مستعدة لتصعيد عملياتها الجوية بواحدة من ثلاث طرق على الأقل: التحليق على مسافة أقرب من تايوان، بما في ذلك الجانب الشرقي من الجزيرة أو بالقرب من وسطها أو في شمال مضيق تايوان، أو إضعاف سيطرة البلد على جزيرة "براتاس" أو أي جزر أخرى تديرها تايوان عبر إطلاق طلعات جوية منتظمة. أما الخيار الأكثر استفزازاً، فيقضي بالتحليق فوق تايوان مباشرةً.

قد يؤدي الخيار الأول إلى توسيع النطاق الجغرافي للنشاطات العسكرية الصينية بما يتجاوز جنوب غرب منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، وتقريب الطائرات الصينية من مناطق أكثر حساسية وأقل تحصيناً في تايوان. لكن يبقى الخياران الثاني والثالث أكثر خطورة. لمنع تايوان من إدارة جزيرة "براتاس"، قد تجعل الصين طلعاتها الجوية روتينية، فتُجبر تايوان على الدفاع عن مجالها الجوي أو الرضوخ للتوغلات الصينية المتكررة. كذلك، قد يشكّل هذا النوع من العمليات اختباراً لدفاعات تايوان وردود أفعالها قبل أن تحاول الصين التحليق فوق الجزيرة الرئيسية.

على صعيد آخر، قد تحاول الصين أيضاً استعمال واحدة من هذه المناورات التصعيدية لإجبار تايبيه على استعمال القوة، ما يبرر إطلاق عملية صينية انتقامية على نطاق أوسع ضد تايوان لاحقاً. اعتبرت صحيفة "غلوبال تايمز" القومية التي تديرها الدولة الصينية تقسيم المجال الجوي التايواني إلى مناطق دفاعية عدة أمراً "سخيفاً جداً"، وأعلنت أن الجيش الصيني بات "مستعداً لإرسال طائرات حربية للتحليق فوق جميع أنحاء تايوان لإعلان سيادة البلد". لم يطلق المسؤولون الصينيون مواقف صريحة لهذه الدرجة، لكنهم اعتبروا العمليات والتدريبات العسكرية ضد تايوان مشروعة وضرورية لحماية السيادة الصينية".

إذا تجاهلت بكين الخطوط الحمراء التي ستقرر تايوان رسمها في مرحلة معينة، ستجازف بتأجيج أزمة كبرى، لا سيما إذا اخترقت طائراتها العسكرية "منطقة الدمار" في الجزيرة. قد تؤدي المناورات العدائية التي يطلقها الطيارون الصينيون أو التايوانيون إلى كارثة غير مقصودة في الجو، بما يشبه ما حصل في العام 2001، حين اصطدمت طائرة مقاتلة صينية بطائرة استطلاع أميركية وأسفرت الحادثة عن مقتل الطيار الصيني وإجبار الطائرة الأميركية على تنفيذ هبوط اضطراري في الصين. إذا حاولت بكين إرسال طائرة عسكرية فوق تايوان مباشرةً، قد تضطر تايبيه لإسقاطها.

كذلك، يسهل أن يخرج أي اصطدام عرضي في مضيق تايوان عن السيطرة في أي لحظة. منذ أزمة المضيق في العام 1958، حين قصفت الصين جزر تايوان، لم يتكبد أي طرف منهما خسائر كارثية خلال أي مواجهة محتدمة في أنحاء المضيق. لكن إذا تغيّر هذا الوضع اليوم، لن يكون الفريقان مستعدَّين للتحكم بالتداعيات السياسية المحلية، وقد يضطران لتشديد مواقفهما. وإذا قُتِل طيار صيني في إحدى الطائرات المقاتلة، قد تقرر بكين التخلي عن الدبلوماسية إلى حين معاقبة تايوان. وبما أن قنوات التواصل العابرة للمضيق بقيت خامدة لأكثر من خمس سنوات، يسهل أن تؤدي أي مفاهيم خاطئة في المعسكرَين إلى تصعيد الوضع بدرجة إضافية.

يجب أن تستعد الولايات المتحدة من جهتها لأي غزو صيني محتمل ضد تايوان، ما يعني التأكد من امتلاكها القدرات العسكرية اللازمة لمنع الصين من الاستيلاء على الجزيرة وإقناع بكين بأن أي هجوم غير مبرر سيترافق مع ثمن باهظ. لكن يجب أن تستعد الولايات المتحدة أيضاً للتعامل مع سبب آخر لتأجيج الأزمة في مضيق تايوان على المدى القريب، إذ من المتوقــع أن يدفـع أي حادث أو ســوء فهم بالطرفَين إلى حافة الحرب.

لتحقيق هذه الغاية، يجب أن تبذل واشنطن قصارى جهدها لتقوية تايـــوان وتحسين قدرتها على التصدي للضغوط العسكرية الصينية. ويجب أن تساعدها أيضاً على كبح أخطر النشاطات الصينية وتتعاون مع تايوان للرد على أي استفزازات من الدولة المجاورة لها. يستطيع المسؤولون الأميركيون والتايوانيون مثلاً تنفيذ تدريبات رفيعة المستوى لاستهداف العدائية الصينية التي لا تصل إلى مستوى الحرب، فيتشجّع قادة الأمن القومي في تايوان على التفكير بتداعيات مختلــف الردود، بما في ذلك الدفاع عن الخطوط الحمراء المحتملة.

استعداداً لاحتمال وقوع حادثة عسكرية أو شبه عسكرية في مضيق تايوان، يجب أن تعطي الولايات المتحدة الأولوية للحفاظ على قنوات تواصل جديرة بالثقة لمعالجة الأزمات مع الصين وتايوان في آن. كذلك، تستطيع واشنطن أن تنقل جزءاً من الخطوط الحمراء التي لا تتقبلها تايبيه إلى بكين وراء الأبواب المغلقة وتُحذر القادة الصينيين من تجاوز تلك الخطوط. في الوقت نفسه، يمكنها أن تتعاون مع الحلفاء والشركاء لعرض عواقب التحركات العدائية ضد تايوان أمام الصين وإقناعها بالفوضى المترتبة عن تصرفاتها. حتى أن الولايات المتحدة قد ترغب في تشجيع تايبيه على الكشف عن جزء من أفكارها حول النشاطات العسكرية الصينية، فتُحدد الظروف والأسباب التي تدفعها إلى استعمال القوة العسكرية. فيما تُمعن الصين في تصعيد عدائيتها العسكرية ضد تايوان، لا مفر من زيادة مخاطر الأزمات العرضية. يجب أن تتابع تايوان والولايات المتحدة التعاون إذاً لمنع غزو الصين للجزيرة، لكن لم تعد هذه الأجندة كافية لتجنب الصراع. كذلك، يُفترض أن تطوّر تايبيه وواشنطن إجراءات مدروسة للرد على الضغوط العسكرية الصينية وتفادي الأخطاء القاتلة. منذ سنوات، ذكرت التقارير أن الرئيس الأميركي جو بايدن أخبر الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن "الحالة الوحيدة التي تُعتبر أسوأ من الحرب هي الحرب غير المقصودة". من واجب بايدن أن يمنع هذا النوع من الحروب لأن احتمال اندلاعها بسبب تايوان يتصاعد مع مرور الأيام.