إطلاق سراح أحد أبناء القذافي خدمةً لساركوزي: أسرار عملية هنيبعل

02 : 01

وسّع مكتب المدعي المالي الوطني في فرنسا نطاق التحقيقات في قضية ميمي مارشان/ تقي الدين انطلاقاً من شبهات مرتبطة بفساد القضاء في لبنان. كانت هذه العملية تهدف إلى الإفراج عن أحد أبناء القذافي كي تبرّئ عائلة الدكتاتور الليبي السابق معمّر القذافي. بدأت قصة تراجع تقي الدين الزائف عن إفادته في قضية التمويل الليبي تتخذ بُعداً قضائياً جديداً. كان الملف يتمحور حتى الفترة الأخيرة حول "العبث بالشهود" و"التآمر الجنائي"، ويرتبط هذا الجانب من التحقيقات بتصريحات الوسيط زياد تقي الدين لصالح نيكولا ساركوزي، إذ يشتبه القضاء بأن أشخاصاً مقربين من الرئيس الفرنسي السابق دفعوا ثمن ذلك الموقف. لكن يبدو أنه يوشك على مواجهة فضيحة دولية الآن. ووفق معلومات حصلت عليها صحيفة "ميديا بارت"، عمد مكتب المدعي المالي الوطني الفرنسي، في 14 أيلول، إلى توسيع التحقيقات بشأن جريمتَين جديدتَين: الفساد السلبي والناشط للموظفين القضائيين في دولة أجنبية. بناءً على عناصر اكتشفها التحقيق حديثاً، يُشتَبه بأن عدداً من الأشخاص المتورطين أصلاً مع تقي الدين في هذا الملف شارك في مشروع جنوني: إطلاق سراح هنيبعل القذافي، أحد أبناء الدكتاتور الليبي السابق، من السجن عبر دفع المال للقضاة في لبنان حيث يتم احتجازه. تهدف هذه الخطوة إلى انتزاع تصريحات منه لتبرئة نيكولا ساركوزي. وتكشف رسائل من سيدة الأعمال ميشيل مارشان المعروفة باسم "ميمي"، وهي رئيسة وكالة الباباراتزي Bestimage وتربطها علاقة وثيقة بعائلتَي ساركوزي وماكرون، أن ساركوزي كان على علم بمشروع إطلاق سراح هنيبعل القذافي. لكن تزامناً مع فتح هذه الجبهة القضائية الجديدة، أحرزت التحقيقات تقدماً بارزاً في واحد من أهم جوانبها: تمويل مختلف الخطوات التي مهّدت لسحب زياد تقي الدين اتهاماته ضد الرئيس الفرنسي السابق. تُفصّل صحيفة "ميديا بارت" في ما يلي التقدم الذي أحرزه هذا التحقيق المتفجّر.

بدأ كل شيء مع اكتشاف مجموعة رسائل سرية بين رجلَين: نويل دوبو، أحد مهندسي عملية تقي الدين، وعلي س. الذي قدّمه دوبو على أنه جنرال من المخابرات اللبنانية، وهو ابن عنصر بارز في "حزب الله".

يُعتبر علي س. متورطاً أصلاً في تغيير إفادة زياد تقي الدين، لكنه كُلّف لاحقاً بعملية ثانية وأكثر خطورة لإضعاف التُهَم في قضية تمويل ليبيا لنيكولا ساركوزي.

في نهاية العام 2020، قرر نويل دوبو القيام بكل ما يلزم لإطلاق سراح هنيبعل القذافي المسجون راهناً في لبنان. في المقابل أراد الوسيط الفرنسي، الذي كان على تواصل مع عائلة القذافي في مصر وتونس، انتزاع إفادات توضح أن الوثيقة التي نشرتها "ميديا بارت" في العام 2012 حول تعهد ليبيا بتمويل حملة ساركوزي مزيفة، مع أن المحاكم الفرنسية أصدرت حُكماً معاكساً.

لم يتبقَ إذاً إلا إطلاق سراح هنيبعل القذافي لتنفيذ هذه العملية. نظّم دوبو عمليات دفع المال لقضاة لبنانيين بالتعاون مع علي س.، استناداً إلى رسائل متبادلة بين الرجلَين. اعترفت مسؤولة التواصل آن تستوز المقرّبة من دوبو أمام الشرطة بما يلي: "في شهر أيار من العام 2021، احتاج نويل دوبو، الذي أعمل معه على الملف الليبي "هنيبعل القذافي"، إلى 100 ألف يورو لدفع المال إلى قضاة في لبنان". لكنها عادت وعدّلت موقفها وتكلمت لاحقاً عن دفع مستحقات المحامين.

لم يُجِب محامي الوسيط الفرنسي على اتصالنا للاستفسار حول هذه النقطة. أمام المحققين، أوضح موكله أن تلك الأموال استُعمِلت لدفع تكاليف الدفاع عن هنيبعل القذافي.

في 30 كانون الأول 2020، شرح علي س. لنويل دوبو التفاصيل التالية: "اليوم، [هو] قابل القاضي لإلقاء التحية عليه. لقد استجوبني حول صديقنا الليبي المسجون". فأجاب دوبو: "في البداية، يجب أن أقابله في السجن. ثم سيزداد الوضع سهولة لأن العائلة [القذافي] ستثق بي". طلب منه علي س. المجيء إلى لبنان، لكن قام دوبو برحلتَين بين 27 كانون الثاني و3 شباط، ثم بين 7 و10 شباط.

خلال هاتين الرحلتَين، نقل الوسيط تفاصيل عن بعض لقاءاته مع حمادي م. الذي عرّف عن نفسه كمدير الدبلوماسية في السفارة الليبية في باريس. هذا الرجل هو الذي سهّل التواصل بين دوبو وعائلة القذافي، بحسب إفادة مساعِدة دوبو السابقة أمام المحققين.


ساركوزي في زيارة لليبيا / طرابلس، 25 تموز 2007


في تشرين الثاني 2020، كان دوبو قد أرسل له نسخة من وثيقة ليبية نشرتها صحيفة "ميديا بارت" في العام 2012 قبل كشف تفاصيل عملية تقي الدين في مجلة "باري ماتش".

خلال هذه المراسلات مع دوبو، يتكلم حمادي م. عن "عميل" على صلة مع "مراسل" في تونس ينتظر التطورات في ملف هنيبعل "بلهفة كبيرة". لكنه كان حذراً بكل وضوح وشكّك أحياناً بقدرة الطرف الآخر على تحقيق غايته، فذكّره بأن "مصداقيته" ستصبح على المحك بسبب هذه القضية، ثم قال له في 26 كانون الثاني محذراً: "أنت تعلم أن المسألة حساسة جداً".

لتوضيح الأمور أرسل له دوبو، في 22 شباط، وثيقة بعنوان "ملف هنيبعل" تم تحضيرها "بعد نقاشات مع الجهات المعنية".

كانت الخطة تقضي بدفع مبلغ "350 ألف يورو + 250 ألف يورو للقاضي" حين "يؤكد إطلاق سراح هنيبعل على كفالته الخاصة". وكان يُفترض أن يضاف مبلغ "500 ألف يورو إلى مسؤول بارز في محكمة العدل العليا" بعد 48 ساعة على إطلاق سراح السجين، بالإضافة إلى "80 ألف يورو" بهدف "ختم" ملف آخر يستهدف هنيبعل القذافي كما يقول دوبو. أوضح هذا الأخير أنه ينتظر "موافقة" فردٍ من عائلة القذافي.

في 28 شباط، أكد علي س. أمام نويل دوبو أنه قابل النائب العام الذي سأله عما حصل معه في عمله. وفي 11 آذار، تواصل علي س. مع الوسيط الفرنسي عبر الرسالة التالية: "مساء الخير، سيد نويل. هل تستطيع إبلاغي بالقرار النهائي بشأن م. هاني"؟ فأجابه دوبو: "سنخرجه بفضلك". ثم تابع علي س. قائلاً: "أتمنى أن يسير كل شيء على ما يرام". لكنه عبّر في المقابل عن انزعاجه من رئيس مجلس القضاء الأعلى.

ثم حذر علي س.، في 30 آذار، من حصول تأخير في القضية بسبب "تناوب القضاة". لكن في ذلك التاريخ، حقق دوبو ومساعده اللبناني هدفاً آخر: اعتُقِل في لبنان زياد تقي الدين الذي تجددت معه العلاقات في تلك المرحلة على ما يبدو. بعد عملية "باري ماتش" في نهاية العام 2020، تلقى تقي الدين وعداً بالحصول على ملايين اليورو لكن لم يصل هذا المبلغ يوماً.

شرح علي س. ما يحصل لدوبو في 30 آذار قائلاً: "زياد سيدخل إلى القفص هذا الأسبوع". بعد مرور يومين، قدّم العميل اللبناني تفاصيل أكثر دقة: "الإثنين [5 نيسان] هو يوم عطلة [إثنين عيد الفصح]. سيقصد الشرطة حينها، وسيدخل إلى السجن يوم الثلاثاء". في 6 نيسان، في الساعة الثانية و56 دقيقة ظهراً، أكد علي س. ما يلي: "زياد دخل القفص. أهنئك سيدي العزيز". فردّ عليه دوبو بتهنئة فورية: "برافو!!!".

سُجِن زياد تقي الدين خلال هذه الفترة لأسباب قضائية لا تزال مجهولة حتى اليوم.

وبعد إغلاق هذا الملف، جدّد علي س. تركيزه على ابن القذافي، فقال: "غداً سأقابل النائب العام... هل من مستجدات في ملف هنيبعل"؟ فأجابه دوبو: "العائلة وضعها جيد".

لكن في 19 نيسان واجه علي س. مشكلة، فقال: "يجب أن نعمل في أسرع وقت على ملف هنيبعل قبل أن يتغير النظام القضائي الجديد. قد يحصل ذلك قريباً". قبل يومَين، كانت وزيرة العدل اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال، ماري كلود نجم، قد احتجّت علناً ضد هذه "السلطة القضائية التي تعجز عن مكافحة الفساد" بعد ظهور قضية جديدة توحي باستغلال القضاء اللبناني.


رجل الأعمال اللبناني الفرنسي زياد تقي الدين


تعهد نويل دوبو بتدبّر أمر القاضي الثاني في الأسبوع اللاحق ثم الاستعداد لتبرير إطلاق سراح هنيبعل، لكنه واجه بعض المشاكل في جمع الأموال في فرنسا.

في 15 أيار، كتب دوبو لعلي س.: "يمكننا أن نعطي مبلغاً أكبر للقاضي. 60 مثلاً في الأيام المقبلة + 20 حين نصل إلى لبنان + 60 عشية إطلاق سراحه".

في مكاتب وكالة Bestimage، تابعت ميمي مارشان تطور ملف ابن القذافي، بناءً على العناصر التي جمعها المحققون. في 18 أيار، كتب لها دوبو أنه قابل هنيبعل وأنه "سيعود غداً"، فردّت عليه مارشان قائلة: "ماذا؟؟؟ بهذه السرعة؟ (...) كنت أظن أنك ستقابله مرتَين". فقال لها دوبو: "لا، سبق وقلتُ لكِ في 18 و27". فأجابته مارشان: "حسناً إذاً...".

في 27 أيار، كان دوبو قد عاد إلى بيروت مجدداً، لكن بدأت مارشان تشكك بما يحصل وأشركت نيكولا ساركوزي بهذا الجانب من القصة، فكتبت: "لقد كان "ز" ["زيبولون"، اللقب الذي يُعرَف به ساركوزي] وسيلة إيجابية للمرة الأولى... لكنه أبلغني أن العملية لن تنجح... وأنهم لن يدفعوا المال لـ "ق" [عائلة القذافي]... وقال إن الوقت طويل جداً هنا... قابلتُه طوال 30 دقيقة. كان منزعجاً جداً! هل تفهم ما أقوله!!!". أجابها دوبو: "هو مخطئ". فأضافت مارشان: "نعم، أعرف ذلك، لكني لم أعد أملك أي أعذار!".

حين سُئِلت مارشان عن هذه الرسالة المحرجة، أوضحت أمام القضاة أنها "كذبت بالكامل" على نويل دوبو وأضافت: "كنتُ أختبره لأنني أدركتُ أنه مخادع". لم تتأكد حقيقة زيارات دوبو إلى هنيبعل القذافي حتى هذه المرحلة، ولا سرعة التنفيذ التي ضَمِنها علي س. من جانب الأجهزة القضائية للحصول على إذن لزيارته. هذه النقاط هي جزء محوري من تحقيق القضاة.

لكن تابعت رئيسة وكالة Bestimage تبادل المراسلات مع الوسيط الفرنسي رغم كل شيء. في 1 حزيران، حين كان يرافق وفداً ليبياً رسمياً في باريس، سألته مارشان: "هل أنتَ معهم أم هو [حمادي م.]" (مدير الدبلوماسية في السفارة، وهو شخص تعرفه على ما يبدو)؟ أجاب دوبو أنه حاضر أيضاً. فردّت مارشان: "لكن يجب أن تحارب كي تظهر في إحدى الصور!!! من أجل "ز" [ساركوزي]". تعليقاً على هذه المراسلات، أوضحت مارشان أنها كانت تشارك في "لعبة" نويل دوبو بكل بساطة وتغوص في أكاذيبه.


هنيبعل القذافي



تقي الدين وهنيبعل: انكشاف لغز التمويل!


كان المال محور كل شيء. من دونه، لا وجود لعملية تقي الدين ولا عملية هنيبعل القذافي. منذ بدء التحقيق قبل بضعة أشهر، يحاول ضباط الشرطة في مكتب مكافحة الفساد، بتوجيهٍ من القاضيَين فنسنت ليمونييه ودومينيك بلان، استكشاف الآلية المالية التي سمحت باستعمال جميع مقاربات دوبو ومارشان لصالح نيكولا ساركوزي في القضية الليبية.

على مر التحديات القانونية المتراكمة، بدأت معالم اللغز تتّضح. تتألف هذه الأحجية من أجزاء متناثرة ومتنوعة ومعقدة أحياناً: حقائب فيها أموال نقدية، وتحويلات عبر نظام "ويسترن يونيون"، وفواتير مزيفة، وشركات شكلية...

انطلاقاً من شكوك القضاة، تَرِد أسماء دوبو ومارشان في مختلف مخططات التمويل المرتبطة بهذه العمليات الرامية إلى دعم مساعي الدفاع عن ساركوزي من خلال إضعاف الملف الليبي واتهام القضاء الفرنسي بالتلاعب بهذه القضية. لم يقدّم دوبو ولا مارشان أي تصريح لصحيفة "ميديا بارت" في هذه المرحلة. لتحقيق الهدف من العملية، استُعمِلت قنوات عدة.

في البداية، حوّل أشخاص مقربون من نويل دوبو المبالغ عبر "ويسترن يونيون" في لبنان، بدءاً من خريف العام 2020، إلى حساب تقي الدين أو أشخاص يخدمون مصالحه.

تتجاوز قيمة المبالغ التي أرسلها ستة أشخاص مختلفين حتى نيسان 2021 عتبة الخمسين ألف يورو وفق تحقيق الشرطة. هي تهدف إلى تمويل محامي تقي الدين في لبنان، وحتى تقي الدين شخصياً بدرجة معينة، لكن يشتبه القضاة بأن هذه العملية كانت تهدف إلى تهدئة الرجل الذي يتهم ساركوزي عبر وعده بتلقي مبالغ أكبر بكثير (تصل إلى ملايين اليورو هذه المرة) كي يغيّر إفادته فجأةً.

إلى جانب هذا المصدر التمويلي الأولي، يبدو أن رجلاً آخر يلعب دوراً محورياً في ترتيب العملية التي يقودها دوبو من الناحية المالية. إنه الصحافي أرنو دي لا فيليسبرون، وهو المدير السابق لوكالة الاتصالات Publics التي شاركت في حملة ساركوزي الرئاسية في العام 2012.

يُشتَبه بأن المتّهم فيليسبرون سمح باستغلال شركته A&Co لتغطية جميع مناورات دوبو في لبنان، لا سيما تلك المتعلقة بتغيير إفادة تقي الدين ومحاولة إطلاق سراح هنيبعل القذافي. لا يزال فيليسبرون يُعتبر بريئاً ولم يتجاوب محاميه مع "ميديا بارت" حين طلبت تعليقه على الموضوع قبل صياغة هذه المقالة.

اليوم، يكشف عدد من الرسائل النصية التي تبادلها دوبو وفيليسبرون وكشفها المحققون أن الرجلَين ابتكرا نظاماً من "فواتير الملاءمة"، كما يسمّيها القضاة، لا سيما في تعاملهما مع وكالة ميمي مارشان، لإيجاد مبرّر مقنع لتمويل نشاطات دوبو في لبنان لصالح ساركوزي.

أنتج هذا الوضع مواقف مضحكة أحياناً. في نهاية العام 2020، فكّر دوبو وفيليسبرون بتبرير معيّن للفواتير التي يريدان إرسالها إلى مارشان، فتكلما في البداية عن بَدَل (غير موجود) لصالح مهرجان "أفورياز" لأفلام الفانتازيا (في "هوت سافوا"). لكن حين أدركا أن هذا المهرجان لم يعد قائماً، تغيرت وجهة الفاتورة وباتت تستهدف مهرجان "جيرارمر" (في "فوج"). لكن لم تنجح هذه الحجّة أيضاً. بعد تلقي رسالة من مارشان، تغيرت وجهة الفاتورة مجدداً وباتت تتعلق بالألعاب الأولمبية في باريس في العام 2024.

خضعت مختلف مراحل سحب إفادة تقي الدين لمراقبة دقيقة. في 11 تشرين الثاني، عشية صدور عدد مجلة "باري ماتش" التي كانت تُنسّق جهودها الإعلامية مع قناة BFM-TV منذ المساء، بما في ذلك تغيير الوسيط في قضية ساركوزي/القذافي، كتب فيليسبرون في رسالة إلى دوبو: "في مطلق الأحوال، أنتَ أردتَ أن تعطي هذه القضية أثراً مدوياً! لقد نجحت! برافو"! وتعليقاً على ساركوزي الذي واجه قبل شهر تهمة "التآمر" في الملف الليبي، أضاف قائلاً: "أظن أن هذا الوضع سيساعده فعلاً. وإذا نجحتَ في السيطرة على العناصر الأخرى... سيُحقق هدفه حتماً".

بات القضاة يعرفون تلك "العناصر الأخرى" اليوم. يتعلق العنصر الأول بالتراجع عن إفادة تقي الدين الخطية كي يعيد التأكيد على محتوى مقابلته مع "باري ماتش" أمام كاتب عدل في بيروت. أما العنصر الثاني، فيتعلق بمحاولة إطلاق سراح هنيبعل القذافي، عبر استغلال فساد القضاة في لبنان، كي يؤكد ابن الدكتاتور الليبي السابق أن المعلومات الواردة في "ميديا بارت" حول قضية ساركوزي/القذافي خاطئة.

في ما يخص اعترافات تقي الدين الخطية التي تتعارض أيضاً مع معلومات "باري ماتش" في نهاية كانون الأول 2020، اكتشف رجال الشرطة والقضاة عدداً من العناصر التي دفعتهم إلى التشكيك حديثاً برجل أعمال مؤثر في المجال الرقمي اسمه ديفيد لاياني.

هذا الرجل هو جزء من أوساط نيكولا ساركوزي وإيمانويل ماكرون في آن، ويُشتبَه بأنه دفع 72 ألف يورو لوكالة ميمي مارشان مقابل خدمة لن تتحقق يوماً (بسبب أزمة كورونا ثم اعتقال مارشان وفق المدافعين عنها). لكن يكشف التحقيق أن نصف ذلك المبلغ سمح في المرحلة اللاحقة بتمويل جزءٍ من نشاطات دوبو لصالح ساركوزي.

اتُّهِم لاياني بـ"العبث بالشهود" و"التآمر الجنائي"، مع أنه أنكر أثناء احتجازه ارتكاب أي إساءة في هذه القضية. لكن يبدو القضاة ورجال الشرطة مقتنعين بأن الوقائع، ولا سيما توقيت حصولها، لا تصبّ في مصلحته، ما يعني أن تدخّل لاياني قد يرتبط بتمويل اعترافات تقي الدين الخطية.

اعترف لاياني أثناء استجوابه بأنه قابل مارشان ودوبو في منزله في العام 2020. يسود جدل حول تاريخ ذلك اللقاء على ما يبدو. لكن، هناك أمر مؤكد واحد: وقّعت شركة لاياني، Onepoint، على عقد مع مارشان في 4 كانون الأول، ثم أرسلت 72 ألف يورو إلى وكالتها Bestimage بدءاً من 8 كانون الأول. في اليوم التالي، سافر دوبو إلى لبنان حيث استعد لتحضير اعترافات تقي الدين الخطية.

يبدو أن هذه العملية كانت سبباً لتوتر العلاقة بين مارشان ودوبو، فقد ضغطت عليه كي ينجح في مهمته. يتضح ذلك في رسالتَين على الأقل، إلى جانب الشهادات المتوافقة. أرسل نويل الرسالة الأولى إلى شخصٍ مقرب من لاياني واسمه توماس نليند (هو أحد المتهمين أيضاً)، فكتب له: "قل لديفيد أن يُطَمْئِن "ن. س." [نيكولا ساركوزي] وأَخْبِرْه بأن ميمي تسمح لنا بالتحرك ولم تعد تُصَعّب علينا العمل".

أما الرسالة الثانية، فأرسلتها مارشان شخصياً بعد يومين، في 10 كانون الأول. بدا وكأنها لم تعد مقتنعة بنجاح مهمة دوبو، وهي تثبت في رسالتها النصية أن نيكولا ساركوزي الذي تسمّيه "زيبولون" يتابع العملية عن قرب: "أنا لا أستطيع أن أفسّر ما يحصل لزيبولون. سأعيد المال إلى ديفيد غداً صباحاً". يوحي هذا الكلام بأنها تربط بين المبلغ الذي دفعه لاياني وتمويل اعترافات تقي الدين الخطية. يترسّخ هذا الانطباع حين يربط دوبو وفيليسبرون، في وثائق أخرى، بين مبلغ 72 ألف يورو وشخص اسمه "زيبولون"".

في النهاية، لن تُرجِع مارشان أي مبلغ إلى لاياني. وفق التحقيق القضائي، يسهل تفسير ما حصل. يُنسَب النجاح كله إلى لبنان: وقّع زياد تقي الدين أمام كاتب العدل على اعترافات خطية حيث يؤكد سحب إفادته (الخاطئة) التي أدلى بها في الشهر السابق. استغلت "باري ماتش" هذه التطورات مجدداً كي تنشر مقالة من توقيع مديرها السابق، هيرفيه غاتينيو، بعنوان "حصري: تقي الدين يتّهم قُضاته".

في 24 كانون الأول، أرسلت مارشان إلى كارلا بروني ساركوزي وثيقة من وكالة "فرانس برس" حول تراجع تقي الدين عن إفادته الخطية، حيث يتكرّر "السبق الصحفي" الوارد في "باري ماتش"، وترافقت الرسالة مع عبارة لطيفة: "ميلاد مجيد...!".

أعلن لاياني، أمام قاضي التحقيق الذي اتّهمه، أنه شعر في النهاية بأنه أصبح عالقاً وسط هذه القضية والأشخاص المرتبطين بها، وأنكر في الوقت نفسه ارتكاب أي مخالفة. ذكر محاميه ماتياس شيشبورتيتش أن "لاياني لم يقابل السيد دوبو مع السيدة مارشان يوماً قبل التوقيع على العقد"، ثم أضاف قائلاً: "المحادثات بين المتورطين في هذه القضية وإفاداتهم لا تعني موكّلي، ولم تحصل أي تبادلات معه في المرحلة اللاحقة، ولم يصدر منه أي فعل بسببها".

أما آخر مصدر تمويل حدّده القضاة، فهو يتعلق بالأموال التي كان يُفترض أن تُستعمَل للإفراج عن هنيبعل القذافي في لبنان. يذكر التحقيق أن لاعباً آخر في هذا الملف، وهو جزء من المتّهمين أيضاً، أدى دوراً محورياً في هذه العملية. إنه بيار رينو، رجل الأعمال الذي يحب التظاهر بقربه من ساركوزي وتربطه صداقة مع الوسيط ألكسندر دجوري (من أبرز الأسماء في القضية الليبية).

سبق واتُّهِم رينو بجمع أموال (320 ألف يورو) من إحدى شركاته في الملاذات الضريبية لصالح الثنائي دوبو وفيليسبرون، ويُشتبَه أيضاً بدوره في تسليم 100 ألف يورو نقداً إلى دوبو في أيار الماضي عن طريق مسؤولة التواصل آن تستوز المقرّبة من عائلة القذافي.

اعترفت تستوز، التي أصبحت قيد التوقيف أيضاً، بأنها دفعت المال شخصياً في لبنان (15 ألف يورو) لتمويل نشاطات مرتبطة بهنيبعل القذافي، لكن يذكر التحقيق أن شركة مارشان "أعادت" ذلك المبلغ لها لاحقاً عبر فاتورة مزيفة جديدة. لم تُعلّق تستوز على الموضوع حين اتصلت بها "ميديا بارت".

في ما يخص مبلغ المئة ألف يورو الذي وصل إلى بيار رينو في 20 أيار الماضي، على شكل حُزَم من 5 آلاف و10 آلاف يورو، وصلت هذه الأموال فوراً إلى دوبو في أكياس "شانيل". كان يُفترض أن تصل الأموال النقدية لاحقاً إلى ألمانيا كي تُسلَّم إلى شقيق علي س.، العميل اللبناني المُكلّف بدفع المال إلى القضاة في بيروت. يقول محامي رينو، لانتورن، إن موكله كان مجرّد وسيط في عملية نقل الأموال. اعتُقِل رينو في مركز الاحتجاز الصحي، في 14 تشرين الأول، غداة الضغوط التي تعرّضت لها تستوز لتسديد المبلغ.

في نهاية شهر أيار، نفد صبر مارشان على ما يبدو، فاتصلت بصديقها مارك أوليفييه فوجيال، مدير قناة BFM-TV، لتخبره بأنها توشك على تلقي معلومات مدوّية حول براءة ساركوزي في القضية الليبية. إنه محتوى مكالمة هاتفية كشفتها الشرطة.

لكن لن يتحقق شيء من هذه الوعود. في بداية حزيران، استُدعِي نويل دوبو، وميمي مارشان، وأرنو دو لا فيليسبرون، وبيار رينو للتحقيق معهم في هذا الملف، ووجّه لهم قضاة التحقيق تُهَماً بارتكاب "إساءة كبرى".

في ملخّص للتحقيق، بتاريخ 29 أيلول الماضي، ينسب القضاة هذه القضية إلى "شركة تهدف إلى التأثير على اعترافات أحد الشهود، وخداع قضاة التحقيق أو حتى تشويه سمعتهم علناً، في هذه القضية الحساسة التي تشتبه بتلقي ساركوزي الأموال من النظام الليبي".

في النهاية، تحوّلت العملية التي كان يُفترض أن تنقذ نيكولا ساركوزي إلى فشل ذريع.