جوناثان هيلمان

Huawei تردّ الضربة!

13 تشرين الثاني 2021

المصدر: Foreign Affairs

02 : 01

تواجه شركة "هواوي" مشاكل مؤلمة. منذ أن فرضت الولايات المتّحدة قيوداً تصديريّة عليها في السنة الماضية، حُرِمت شركة الاتصالات الصينيّة العملاقة من عناصر أساسيّة في سلسلة إمدادات أشباه الموصلات. كذلك، أقنع الدبلوماسيّون الأميركيّون عدداً متزايداً من القادة الأجانب (في الديموقراطيّات المتقدّمة أيضاً) بإبقاء "هواوي" خارج شبكات الجيل الخامس المحلّيّة. بدأت هذه العقوبات تعطي تداعيات واضحة، فقد تراجع دخل الشركة على مرّ أربعة فصول متلاحقة.

يبدو أن "هواوي" بدأت تتكيف مع الوضع المستجد. سبق وانتقلت أكبر شركة متخصصة بأجهزة الاتصالات في العالم من معدات الشبكات والهواتف إلى الحوسبة السحابية، وخدمات الحكومة الإلكترونية، ومنتجات أخرى لا تتكل بالقدر نفسه على أشباه الموصلات المتقدمة. في غضون ذلك، تتابع "هواوي" تسويق تقنياتها بقوة في الدول النامية التي رحّبت بها على نطاق واسع. تستعد الشركة إذاً للنهوض مجدداً من خلال تعميق وجودها في الأسواق الناشئة الكبيرة مثل البرازيل، وأندونيسيا، ونيجيريا.

ظهرت تحديات أمنية جديدة بسبب نزعة الشركة إلى استمالة الدول النامية. تسرّبت بيانات من خوادم الحكومة في إثيوبيا، وكاميرات المراقبة في باكستان، ومركز بيانات في بابوا غينيا الجديدة (وهي خدمات تقدّمها "هواوي"). وبما أن القانون يفرض على الشركة أن تتعاون مع الاستخبارات الصينية إذا طُلِب منها ذلك، وبما أنها استفادت من دعم الدولة لفترة طويلة، ستصبح الدول التي تتكل عليها أكثر عرضة لضغوط بكين. ستكون عمليات التجسس الصينية وأعطال الشبكة الموقتة أكثر احتمالاً من حصول أضرار كارثية في الشبكة، لكن لا يمكن استبعاد الاعتداءات الخطيرة ومحاولات الإكراه السيبراني. كذلك، بدأت الأنظمة الأساسية (اتصالات، خدمات مالية، نقل، طاقة، صحة) تتخذ منحىً رقمياً متزايداً.

إذا أراد الأميركيون وحلفاؤهم أن ينافسوا الصين اقتصادياً وتكنولوجياً واستراتيجياً، فيجب أن يكثفوا تواصلهم الرقمي مع الدول النامية. منذ العام 2017، بدأت الإيرادات الرقمية ترتفع في هذه البلدان بسرعة مضاعفة عن الإيقاع المسجّل في الدول المتقدمة. لكنّ تحوّل "هواوي" من شركة تقلّد أهم المنتجات إلى قوة طاغية عالمياً ترافق مع مزاعم خطيرة حول حصول سرقات وعمليات احتيال وأكاذيب، لكن لم ينجم نجاحها عن نشاطات مريبة فحسب. بل ارتكزت استراتيجية "هواوي" على أسواق سريعة النمو ومنخفضة الدخل، وهي أماكن أكثر خطورة تتردد شركات التكنولوجيا الأميركية والأوروبية في الاستثمار فيها.

في الدول النامية، تُعتبر الكلفة أهم من الأمن في معظم الحالات. لتحقيق النجاح، يجب أن يطرح الأميركيون وحلفاؤهم بدائل مقبولة الكلفة عن التكنولوجيا الصينية إذاً.

نحو الأرياف والدول النامية

بدأ تركيز "هواوي" على الأسواق المُهملة داخل الصين. حين أسّس رن تشنغ فاي الشركة في العام 1987، منح الموظفين الجدد كتيّباً يُشجّعهم على "التوجه نحو الأرياف حيث ينتظرهم عالم شاسع وإنجازات كبرى". وبعد فترة قصيرة، طبّق تشنغ فاي المقاربة نفسها في الخارج. فيما انشغلت الشركات الأميركية والأوروبية بالأسواق الأكثر ثراءً والأكبر حجماً خلال التسعينات وبداية القرن الواحد والعشرين، ركّزت "هواوي" على المناطق الريفية والأقل تقدماً. مع مرور الوقت، أصبحت الشركة معروفة بخدماتها التكنولوجية قليلة الكلفة التي تناسب أصحاب المداخيل المنخفضة حول العالم، بدءاً من مدن وبلدات أفريقيا وصولاً إلى مناطق ريفية في الولايات المتحدة.

تعلّمت "هواوي" أيضاً أن تقيم الصداقات في أماكن مرموقة، فتقرّبت من مسؤولين حكوميين وفازت بالعقود في العروض المفتوحة وفي أسواق مغلقة مثل إثيوبيا، حيث رحّبت الحكومة بها منذ عشر سنوات، لكنها لم تبدأ بتخفيف نزعتها الاحتكارية في قطاع الاتصالات إلا في الفترة الأخيرة. في صربيا، تكشف وثائق مسرّبة حديثاً أن "هواوي" دفعت مبالغ مشبوهة للفوز بعقود مع شركة اتصالات مملوكة للدولة. لكنّ هذه الادعاءات وسواها، وحتى الحوادث الأمنية اللاحقة، لم تبطئ مسار تقدّم الشركة.

حتى أن "هواوي" أطلقت مغامراتها في الولايات المتحدة. منذ عشر سنوات، بدأت شركات الاتصالات اللاسلكية في 12 ولاية تلجأ إلى "هواوي" لتلقي معدات الاتصالات بعد إفلاس منافسيها في أميركا الشمالية. ثم أوقفت الولايات المتحدة تركيب معدات "هواوي" التي يتم استبدالها اليوم بخيارات أخرى. لكن لا يشعر معظم السكان بالقلق من التجسس الصيني بقدر ما يخشون دفع فاتورة شهرية كبيرة، ما يعني أنهم يتقاسمون المخاوف نفسها مع نظرائهم في الدول النامية.

قد تصبح "هواوي" أيضاً خياراً جاذباً للسياسيين الذين يبحثون عن تكنولوجيا لحل المشاكل المُلحّة. لفهم السبب، لنتخيّل أن رئيس بلدية مدينة كبيرة في دولة آسيوية نامية يواجه سلسلة من الأزمات المتداخلة، ويكاد وباء كورونا المستجد يقضي على النظام الصحي ويُسبب فوضى اقتصادية عارمة هناك. في الوقت نفسه، ترتفع ديون المدينة ولا يمكن اقتراض المال أو تمويل المشاريع التنموية. كذلك، تُهدد الجرائم بإبعاد المستثمرين الأجانب، ويستعد رئيس البلدية لإعادة انتخابه خلال سنتين، وتبدو فرصه السياسية غامضة بقدر مستقبل المدينة.

قد يكمن الحل في حُزَم "المدن الآمنة" التي تقدّمها "هواوي". تطرح الشركة كاميرات تستشعر درجة الحرارة لتحديد المصابين بالحمى، فضلاً عن برامج للتعرّف على الوجه والقبض على المجرمين المطلوبين، وأنظمة تحليلية لتنبيه الشرطة حول التصرفات الغريبة. تُشدد أنظمة المدن الذكية هذه على أهمية الأمن العام وتثير مخاوف كبرى حول الخصوصية، لكنها تَعِد أيضاً بمنافع هائلة. لتحسين شروط الصفقة، قد تقدّم الدولة الصينية قرضاً يمكن تسديده خلال عقدَين.

على صعيد آخر، فازت "هواوي" بعقود مع عشرات الحكومات في مجال البنية التحتية السحابية وخدمات الحكومة الإلكترونية، نظراً إلى قدرتها على دمج البنية التحتية الصلبة مع الخدمات الرقمية والتمويل الحكومي. تقدّم الشركة خدمات مثل رقمنة الوثائق، وأنظمة تحديد الهوية الوطنية، والخدمات الضريبية، واتصالات الأزمات، ودعم الانتخابات. كما أنها تَعِد بمنافع اقتصادية كبرى وبتمويل العروض، ما قد يقنع كبار صانعي القرارات بأن هذه الأنظمة تدفع تكاليفها بنفسها.

غالباً ما يعتبر القادة الأجانب هذه الصفقات أداة لتقوية "سيادة بلدهم الرقمية". لكنها تنتج شكلاً من الاتكالية الرقمية على أرض الواقع. في شهر حزيران الماضي مثلاً، أعلنت السنغال أنها تنوي نقل جميع بيانات الحكومة إلى مركز وطني جديد، بما في ذلك بيانات الشركات المملوكة للدولة مثل شركة الكهرباء الوطنية. يؤمّن بنك الصين للاستيراد والتصدير التمويل اللازم، وتقدّم "هواوي" المعدات والخبرات التقنية. قد يُمهّد هذا النوع من الصفقات لتحديث الخدمات والمعدات مستقبلاً، وقد يصعب الانتقال إلى بائع آخر بسبب كلفة هذه العملية. بعبارة أخرى، قد تبقى السنغال عالقة في عالم التكنولوجيا الصينية طوال السنوات المقبلة.

ســــاحــــة مــــعـــــركــــة جــــديــــدة

تطرح رغبة الصين في التحوّل إلى أهم مزوّدة للبنى التحتية الرقمية في العالم مخاطر كبرى على الدول النامية. لكنّ التحذيرات الأمنية ليست كافية للفوز في هذه المنافسة. تستطيع الولايات المتحدة أن تحظر المعدات غير الجديرة بالثقة من شبكاتها المحلية، ويمكنها أن تدفع حلفاءها إلى القيام بالمثل. لكنها مضطرة لتقديم بدائل مقنعة في بقية دول العالم.

فيما تسعى الولايات المتحدة إلى مواكبة المستجدات في شبكة الجيل الخامس، يمكنها أن تُسوّق تقنياتها في مجالات أخرى أثبتت فيها الشركات الأميركية تفوّقها. من المعروف أن مزوّدي أنظمة التشغيل السحابي الأميركيين هم الأكثر تقدماً في العالم. لكن لتحقيق النجاح في الأسواق منخفضة المداخيل، يجب أن تدمج هذه الشركات خدماتها مع بنية تحتية صلبة، وفرص تدريبية مناسبة، ومستوى كافٍ من التمويل لتقليص التكاليف الأولية.

سيكون التعاون أساسياً لطرح بدائل مقبولة الكلفة، وتتعدد الجهود التي بدأت تكسب زخماً قوياً اليوم. كجزءٍ من شراكة ثلاثية في مجال البنية التحتية، تتعاون أستراليا واليابان والولايات المتحدة لتمويل كابل تحت سطح البحر باتجاه جزيرة بالاو في المحيط الهادئ. وفي الفترة الأخيرة، أعلن التحالف الرباعي (يضمّ الهند إلى جانب الدول الثلاث الآنف ذكرها) عن مجموعة مبادئ لحوكمة التكنولوجيا، وأنشأ فريقاً لتنسيق نشاطات البنى التحتية. شكّل "مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي"، خلال أول لقاء له في شهر أيلول الماضي، فريق عمل للمشاركة في تمويل مشاريع الاتصال الرقمي في الدول النامية. قد تنجح هذه الجهود أو تفشل في نهاية المطاف، بحسب قدرتها على تحديد المعايير واستعمال الموارد في مشاريع ملموسة.

قد تحصل الولايات المتحدة على فرص قيّمة لتحقيق نتائج عمليّة عبر بناء مدن ذكية تشمل جميع أنواع المعدات، بدءاً من كاميرات المراقبة العاملة بالذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى صناديق القمامة التي ترسل تنبيهات لتفريغها. خلال قمة جديدة مع "رابطة أمم جنوب شرق آسيا"، أعلنت الولايات المتحدة عن إنشاء صندوق لابتكار المدن الذكية، فضلاً عن برامج خاصة بالطاقة الذكية والنقل. تستطيع واشنطن أن تتكل على هذه الجهود عبر التعاون مع حلفائها لتقديم شهادة "المدينة المستدامة" التي تُشدد على معايير الإشراف البيئي، والمسؤولية الاجتماعية، وأمن البيانات. قد تتلقى المدن مساعدة تقنية لنيل تلك الشهادة والاستفادة من حوافز مالية لتحقيق الأهداف المطلوبة وتخفيض التكاليف. قد تُعطى الأولوية للشركات التي تُعتبر مستدامة حين تبدأ المنافسة على المشاريع في المدن المشارِكة. هذه المقاربة قد تتفوق على المبدأ الصيني القائم على تصدير المدن الآمنة، إذ يفتقر هذا الأخير إلى الشفافية والضمانات وقد واجه مشاكل على مستوى الأداء وخرق البيانات.

لن تكون هذه الخطوات الداعمة وسواها سريعة أو سهلة أو قليلة الكلفة. تواجه الحكومة الأميركية مشاكلها الخاصة على مستوى تنسيق الجهود، وقد تحتاج إلى الوقت لإقناع الوكالات الفاعلة في كل بلد بالتعاون معها. لقد أصبحت حاجات العالم التكنولوجية هائلة ولا يستطيع أي بلد فردي أو شركة واحدة تلبيتها من دون مساعدة الآخرين. لكن يُفترض أن يُعتبر ماضي "هواوي" وقرارها بترسيخ مكانتها في الدول النامية تحذيراً جدّياً حول تكاليف التراخي وتأجيل التحرك. للتفوق في مجال التكنولوجيا المرتقبة، إذاً، لا بد من خوض المنافسة في أسواق الجيل المقبل.