جاد حداد

هل ينتج فيروس "كورونا" فعلاً مناعة ضدّ الإصابات المستقبليّة؟

18 تشرين الثاني 2021

02 : 00

يظن المصابون بفيروس "كوفيد - 19" أحياناً أنهم ما عادوا يحتاجون إلى تلقي اللقاح لأن العدوى تمنحهم المناعة التي يحتاجون إليها.

لكن تكشف دراسة جديدة أن خِمْس المتعافين من العدوى تقريباً قد لا يحصلون على الحماية المناسبة ضد الفيروس مستقبلاً.

يقول المشرف الرئيسي على الدراسة، تيم سبيكتور، أستاذ في علم الأوبئة الجينية في مستشفى "كينغز كوليدج لندن" في بريطانيا: "تثبت البيانات التي نملكها أن أفضل طريقة لحماية نفسك والآخرين من فيروس "كوفيد - 19" تقضي بتلقي جرعتَين من اللقاح، بالإضافة إلى الجرعة المسانِدة إذا أمكن، حتى لو أُصبتَ بالعدوى سابقاً".

تذكر الدراسة الجديدة أن 19% من المصابين بالعدوى سابقاً لم ينتجوا أجساماً مضادة لبروتين نوكليوكابسيد. تستهدف هذه الأجسام النوكليوكابسيد الموجود داخل الفيروس الذي يُسبّب "كوفيد - 19".

وحدها العدوى الطبيعية تستطيع إنتاج أجسام مضادة لبروتين نوكليوكابسيد. في المقابل، تُحفّز اللقاحات على إنتاج أجسام مضادة لبروتينات "سبايك" التي تتمركز خارج الفيروس.

راقبت الدراسة الجديدة 8193 شخصاً راشداً كانوا قد عَلِموا بإصابتهم بفيروس كورونا عبر استعمال تطبيق ZOE COVID على هواتفهم الذكية، ثم عادوا وتأكدوا من إصابتهم عبر اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR). ذكر كل مشارك أيضاً أنه أصيب بواحد من أعراض كورونا على الأقل خلال الأسبوعَين اللاحقَين، ووافق الجميع على الخضوع لاختبار الأجسام المضادة لبروتين نوكليوكابسيد في المنزل.

لم يقدّم الباحثون أي معلومات حول مستوى تجاوب المصابين مع طلب إجراء اختبارات إضافية. أرسل العلماء المشرفون على التطبيق الدعوات بين نيسان 2021 وآب 2021، لكنهم لم يقدموا معلومات وافية حول توقيت إدخال نتائج الاختبار الإيجابية إلى التطبيق. في المحصّلة، كانت نتائج فحص الأجسام المضادة لبروتين نوكليوكابسيد إيجابية لدى 81% من المشاركين، وسلبية لدى 19% منهم.

كان أصحاب النتائج السلبية من المدخنين على الأرجح أو كانوا مصابين بمشكلة صحية أو أمراض ذات صلة. في المقابل، واجه أصحاب النتائج الإيجابية أعراضاً إضافية أو مؤشراً كلاسيكياً واحداً على الإصابة بفيروس "كوفيد - 19"، مثل الحمى، والسعال المتواصل، وفقدان حاسة الشم والذوق.

في المجموعة التي حصدت نتيجة إيجابية، لم يبرز أي دليل على تراجع مستوى الأجسام المضادة لبروتين نوكليوكابسيد خلال فترة وصلت إلى تسعة أشهر بعد التقاط العدوى. يبدو أن عدداً من المشاركين أدخل نتيجته الإيجابية إلى التطبيق منذ كانون الثاني أو شباط 2021 إذاً، لكن لم يذكر البيان الصحافي المرتبط بهذه الدراسة أي معلومات واضحة عن هذا الموضوع.

تقول العالِمة كلير ستيفز التي أشرفت على تجارب تطبيق ZOE COVID، وهي مُحاضِرة عيادية مرموقة في مستشفى "كينغز كوليدج لندن"، إن البحث الجديد يثبت أن المصابين بعدوى "كوفيد-19" لا يحتفظون جميعاً باستجابة الأجسام المضادة للفيروس. يُشدد هذا الجانب برأيها على أهمية تلقي اللقاح رغم التعرض للفيروس سابقاً.

تضيف ستيفز: "تؤكد بياناتنا على أهمية هذا العامل بالنسبة إلى المدخنين والمصابين بمشاكل صحية سابقة أخرى".

نقاط ضعف الدراسة

في تصريح لصالح "مركز الإعلام العلمي" في لندن، تكلم العلماء عن شوائب عدة في الدراسة الأخيرة التي لم تُنشَر بعد ولم تخضع لتقييم خبراء آخرين.

يقول الدكتور جوليان تانغ، أستاذ في العلوم التنفسية في جامعة "ليستر" البريطانية: "هذه النتائج مبسّطة وغير مكتملة. لم تَقِس الدراسة مثلاً استجابات الخلايا التائية لدى المشاركين، علماً أنها تؤدي دوراً محورياً في مناعة الجسم التكيفية إلى جانب الخلايا البائية التي تنتج الأجسام المضادة. سبق وخضعت استجابات الخلايا التائية للأبحاث سابقاً، وتبيّن أنها قد تعطي حماية مناعية حتى لو لم تنشأ أي استجابة للأجسام المضادة (من الخلايا البائية)، وحتى لو لم تترافق العدوى مع أعراض واضحة. كذلك، لم تُقيّم الدراسة فئة من الأجسام المضادة المعروفة باسم الغلوبولين المناعي "أ" داخل الأغشية المخاطية. تشكّل هذه الأجسام أول خط دفاعي ضد العدوى في الجهاز التنفسي".

تكلم الدكتور تانغ أيضاً عن دراسة مفادها أن توقيت استجابة الأجسام المضادة (الغلوبولين المناعي "أ"، والغلوبولين المناعي "ج"، وبروتين "سبايك") تجاه فيروس كورونا يختلف من شخص إلى آخر، وقد يتراوح الفرق بين يوم و33 يوماً بعد ظهور الأعراض.

لم تكن هذه الدراسة تتمحور حول مستويات الأجسام المضادة لبروتين نوكليوكابسيد تحديداً، لكن ربما أثّر توقيت تقديم العيّنة على نتائج دراسة ZOE COVID. اكتفى الباحثون فيها باختبار عيّنة واحدة من كل مشارك خلال فترة تسعة أشهر على الأقل بعد ظهور الأعراض.

أخيراً، يذكر تانغ أن دراسة ZOE COVID لم تقم بأي اختبارات للبحث عن أجسام مضادة لبروتينات أخرى موجودة في الفيروس.

يوضح تانغ: "لهذا السبب، يعطي التقاط الفيروس طبيعياً حماية أكبر وأطول من مفعول اللقاح. يسمح اللقاح بعد العدوى الطبيعية بتقوية المناعة تجاه العنصر الذي يستهدفه اللقاح طوال الحياة على الأرجح، كما سبق واكتشفنا مع الإنفلونزا".

بروتين أساسي

يظن الدكتور سايمون كلارك، أستاذ مساعِد في علم الأحياء الدقيقة الخلوية في جامعة "ريدينغ" البريطانية، أن إجراء اختبار للأجسام المضادة لبروتين نوكليوكابسيد حصراً يُضعِف نتائج دراسة ZOE COVID: "قد يحمل الناس أجساماً مضادة تتفاعل مع بروتينات أخرى موجودة في فيروس كورونا، فتنتج حماية معينة ضد العدوى أو المرض. هذه المسألة تستحق الاستكشاف طبعاً".

يضيف كلارك: "يقع بروتين النوكليوكابسيد في عمق الفيروس، على عكس الفيروسات السطحية، مثل بروتين "سبايك" الذي يستعمله الفيروس لنقل العدوى إلى الخلايا. لهذا السبب، يصعب أن نتخيّل طريقة عمل الأجسام المضادة التي تتجاوب مع بروتين النوكليوكابسيد لمنع الفيروس من التفاعل مع خلايا الجسم أو استهدافها كي تقضي عليها خلايا الدم البيضاء. قد يحمل الفرد الذي يسجّل مستوىً مرتفعاً من الأجسام المضادة لبروتين نوكليوكابسيد كمية هائلة من الأجسام المضادة لبروتين "سبايك" وبعض الخلايا التائية القاتلة، ما يعطي الجسم حماية قوية".

مــا أهــمــيــة الأجــســام الــمــضــادة؟

يقول الدكتور بول هانتر، أستاذ طب في جامعة "إيست إنغليا" البريطانية: "من المعروف أن الناس لا ينتجون بالضرورة أي أجسام مضادة بعد إصابتهم بفيروس كورونا أو بعد تلقي اللقاح. ولا تُعتبر الأجسام المضادة أساسية للتعافي من فيروس كورونا. اكتشفت إحدى الدراسات مثلاً أن أصحاب المناعة الضعيفة قد يصابون بحالة خفيفة من "كوفيد - 19"، مع أن ضعف المناعة قد يُصعّب عليهم إنتاج الأجسام المضادة. قد يزيد احتمال التقاط العدوى مجدداً عند تراجع مستويات الأجسام المضادة لبروتين "سبايك"، لكن يكتسب الجسم درجة معينة من الحماية بعد التقاط العدوى، حتى لو لم يطلق أي استجابة من الأجسام المضادة".

يصعب تفسير نتائج هذه الدراسة وتحديد مخاطر التقاط العدوى مستقبلاً بعد الإصابة بالفيروس طبيعياً، إذ تَقِلّ التفاصيل التي تسمح بتحديد مدى موضوعية البحث الأخير وتقييم مفعول أشكال أخرى من المناعة. مع ذلك، توصّل هانتر إلى استنتاج مهم استناداً إلى الدراسة الأخيرة، وقد يثبت هذا الاستنتاج أهميته بعد تقييمه موضوعياً. يقول هانتر: "يبدو أن هذه الدراسات التي حللت مستوى الأجسام المضادة لدى مجموعة سكانية معينة انطلاقاً من التقديرات المرتبطة بالتقاط العدوى سابقاً تستخف بنسبة الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس "كوفيد - 19" سابقاً وتعافوا منه".


MISS 3