"أربعاء أحمر" في السودان

02 : 00

متظاهرون يجوبون شوارع الخرطوم أمس (أ ف ب)

شهد السودان أمس أكثر أيامه دموية منذ انقلاب قائد الجيش الفريق أوّل عبد الفتاح البرهان على شركائه المدنيين في المرحلة الإنتقالية، مع مقتل 14 متظاهراً معارضاً للحكم العسكري، فيما عُزِلَ السودانيون عن العالم بقطع خدمات الهواتف والإنترنت بالكامل، في خطوة ربطها مراقبون بمحاولة التعتيم على القمع الدموي للثوّار. وأوضحت لجنة الأطباء المركزية، وهي نقابة مؤيّدة للحكم المدني، أن الضحايا قُتِلوا "جميعهم برصاص حي بين الرأس والصدر والبطن"، أطلقته قوات الأمن أثناء احتجاجات شارك فيها الآلاف للمطالبة بإنهاء "حكم العسكر". وترتفع بذلك حصيلة الضحايا الذين سقطوا نتيجة قمع قوات الأمن للمتظاهرين منذ الإنقلاب إلى 38 قتيلاً.

وأشارت لجنة الأطباء المركزية إلى أن ثمّة "عشرات الإصابات متفاوتة الخطورة يجري حصرها ومعالجتها"، فيما اعتبر تجمّع المهنيين السودانيين، وهو تكتّل نقابي لعب دوراً محوريّاً في إطلاق الثورة التي أسقطت عمر البشير، أن "ما يجري اليوم (أمس) في شوارع ومدن السودان هو جرائم بشعة ضدّ الإنسانية تتضمّن القتل العمد، إلى جانب انتهاك الكرامة بالضرب واقتحام البيوت بالقوّة المسلّحة، مع تعمّد قطع كلّ وسائل الاتصال لإخفاء وتغطية عشرات الجرائم الأخرى".

وأفاد شهود عيان لوكالة "فرانس برس" بأنّ قوات الأمن أطلقت كذلك قنابل الغاز المسيّل للدموع في وسط الخرطوم وفي منطقة بحري، شمال شرق العاصمة التي قطعت عنها كلّ خدمات الإتصالات الهاتفية، كما قطع عنها الإنترنت منذ 24 ساعة. لكنّ السودانيين اعتادوا أن يتبادلوا المعلومات والدعوات إلى التظاهر عبر الرسائل النصية القصيرة.

وأوضح شهود عيان أيضاً أن المتظاهرين في أم درمان تفرّقوا وعادوا إلى منازلهم إلّا أنهم لا يزالون متواجدين في منطقة بحري المشتعلة. ومع حلول الليل بدأ المحتجّون وضع متاريس في الشوارع.

ومنذ الصباح، انتشرت قوات الشرطة والجيش بكثافة في العاصمة السودانية مسلّحين ببنادق آلية، وأغلقوا الطرق المؤدّية إلى مقرّ القيادة العامة للقوات المسلّحة وإلى قصر الرئاسة ومقرّ الحكومة، بينما تدفّق الآلاف بعد الظهر في أحياء عدّة في الخرطوم وهم يهتفون "لا لحكم العسكر"، "السلطة سلطة الشعب" و"الشعب يُريد المدنيين".

وحمل المحتجّون صور الضحايا الذين سقطوا خلال الاحتجاجات ضدّ الإنقلاب، وكذلك صور 250 شخصاً قُتِلوا أثناء التظاهرات التي استمرّت 5 أشهر وأدّت إلى إطاحة عمر البشير في نيسان 2019. كذلك، شهدت مدينة بورتسودان في الشرق، خروج تظاهرات عدّة.

توازياً، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن السودان سيحظى بدعم المجتمع الدولي ومساعداته مجدّداً، في حال إعادة "الشرعية" للحكومة التي تمّت إطاحتها اثر الإنقلاب العسكري. وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي عقده في نيروبي، في مستهلّ جولة أفريقية: "من الحيوي استعادة الشرعية التي كانت تتّسم بها المرحلة الإنتقالية"، مشيراً إلى أنّه "إذا أعاد الجيش الأمور إلى مسارها وفعل ما هو ضروري، أعتقد أنه من الممكن استئناف دعم المجتمع الدولي الذي كان قوياً للغاية".

وكانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في قد قامت خلال الأيام الأخيرة بجولات مكوكية بين ممثلي القوى المدنية، ومن بينهم رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، الذي أقاله الجيش ووضعه قيد الإقامة الجبرية، وبين العسكريين، في محاولة للتوصّل إلى تسوية تُتيح العودة إلى المرحلة الإنتقالية المفترض أن تقود إلى سلطة منتخبة ديموقراطيّاً في العام 2023.