د. ميشال الشماعي

لن أسلِّم إلى الفراغ

20 تشرين الثاني 2021

00 : 00

بدا فخامة الرّئيس ميشال عون حريصاً جدّاً في اختيار مصطلحاته الرئاسيّة في حديثه الأخير. فهو جزم بحصول الانتخابات النيابيّة، إلا إذا كان هنالك مَن يريد تعطيلها. ووعد أنّ الرئيس المقبل بعده لن يكون كما قبله، لا يمثّل أحداً بل هو ابن قاعدته. وإن تعذّر انتخاب خلفٍ له فهو لن يسلّم إلى الفراغ. مع حرصه المطلق في الحفاظ على الصلاحيّات كي لا تتحوّل الحكومة إلى مجلس رئاسيّ وبالتّالي تصبح صلاحيّات رئيس الجمهوريّة كلّها بيد الحكومة. ولنا تجارب في هذه الحالة مع حكومة الرئيس تمام سلام التي أدارت الفراغ بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 24/5/2014 وصولاً حتّى تسليمها إيّاه مفاتيح بعبدا. فهل دحض الرئيس عون إمكانيّة تكرار هذه التجربة بتصريحه الأخير؟ أو سنكون أمام تجارب جديدة؟

لقد أرسل فخامته عدّة رسائل مرمّزة في تصريحه الأخير. فما قاله عن الانتخابات النيابيّة القادمة أن "لا خطر على الانتخابات إلا إذا أراد أحد ما تعطيلها. فليفصح عن نفسه هذا الأحد"، لعلّه يحمل في طيّاته إنذاراً تلميحاً إلى وجود نيّة لتعطيلها عند مَن يملك المفاتيح التعطيليّة في جيبه. وللتعطيل أصول اعتدنا عليها في لبنان، تبدأ بطريقة تصاعديّة من القانون أوّلاً، وصولاً إلى التعطيل السياسي، ثمّ الأمني، حتّى التطيير نهائيّاً والدّخول في تسوية بعدها لتكون على قدر طموح هذا المعطِّل. ويعرف جيّداً فخامته أنّ المعطِّل الوحيد الذي يقدر على ممارسة فعل التعطيل هذا هو حليفه الذي وقّع معه تفاهماً، كما حرِص على التمايز في توصيفه. ونعني هنا منظّمة "حزب الله" التي تملك مفاتيح التعطيل كلّها. فهل مِن مصلحة لفخامته ولـ"التيّار الوطني الحرّ" في مسايرة هذا التعطيل؟

ويحرص أيضاً على وضع صفات الرئيس الخلف الذي يريده تمثيليّاً "إبن قاعدته" كما وصفه فخامته. وفي هذا التوصيف إلزام لرئيس "التيار الوطني الحرّ" بأن يجهد للحصول على التمثيل الأكبر. ولكن فخامته مدرك تماماً المأزق الذي بات فيه صهره العتيد الذي لا يبدو مهيّأ للشدائد التي تنتظره انتخابيّاً. وإن دلّ ذلك على شيء فهو يدلّ على أن لا رئيس خلفاً في حسابات فخامته سوى صهره. ولا يبدو أنّه مستعدّ لمسايرة منظّمة "حزب الله" التي تفاهم معها على قواعد السلطة، لأنّه لا يرى خلفاً له سوى الوزير باسيل. وهذا ما سيضع المنظّمة في مأزق سياسيّ آخر أمام مرشّحها الفعلي للرئاسة، أي الوزير فرنجيّة الذي يبدو اليوم كما أمس أكثر قرباً إلى هذا الخطّ السياسي، بعكس الوزير باسيل الذي سيسعى حتماً إلى التحرّر من العقوبات من خلال المساومات التي قد يعلن تقديمها في حال وصوله إلى سدّة الحكم. فهل يتمّ تطيير الانتخابات النيابيّة بهدف الحفاظ على الأكثريّة عينها؟ وفي تصريح فخامته أنّه لن يسلّم إلى الفراغ يعني ذلك أنّه في حال تعذّر وصول الوزير باسيل، سيكون فخامته أمام أمر واقع جديد ستفرضه عليه منظّمة "حزب الله" بانتخاب مرشّحها الفعلي للرئاسة أي الوزير السابق فرنجيّة. وفي هذه الحالة بحسب ما صرّحه لا يمكنه إلا أن يسلّم مفاتيح بعبدا لخلفه. لكن أمام تجارب هذا الخطّ السياسي منذ بدء دخوله للمرّة الأولى إلى القصر الرئاسي لا يبدو أنّه سيكون قابلاً للمساومة على كرسيٍّ يعتبره حكراً لخطّه السياسيّ. ولأنّ الرّجل هو هو لم يتبدّل منذ ثمانينات القرن الماضي، لا سيّما بعدما أعاد تصرّفاته نفسها مع رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" الدكتور سمير جعجع بعد اتّفاق معراب الذي أوصله إلى بعبدا في العام 2016 ؛ أمام تجارب التاريخ، هل سيسهّل أيّ اتّفاق جديد مع حلفائه خدمة لصهره؟

لا يبدو أنّ اللبنانيّين سينجون من هذه التجارب كلّها، إلا إذا استطاعوا فرض أمر واقع جديد بإرادتهم الصلبة. لذلك، هم مدعوّون اليوم كلّهم إلى التمسّك بحقوقهم الدّستوريّة، مع حرصهم التامّ على أداء واجبهم الوطني الانتخابي. فضلاً عن دحضهم الإدّعاءات الإعلاميّة – الانتخابيّة الكاذبة التي تقودها هذه المنظومة للحدّ من خسارتها بالتحايل على القانون بالقانون نفسه؛ لا سيّما في ما تبثّه من أنّ تعديل القانون بالنسبة إلى مسألة انتخاب المنتشرين لنوّاب القارّات هو حرمان للإنتشار، حيث تظهر مشاركته في انتخاب الـ 128 نائباً انتقاصاً من حقوقه؛ فيما الحقيقة مغايرة لذلك وهي تكمن في قدرة الانتشار على قلب نتائج الانتخابات لصالح أكثريّة جديدة وأقليّة وازنة، ستكونان حتماً خارج سيطرة هذه المنظومة.

أمام هذه الوقائع، لن يسلّم إلى الفراغ. لكن قراءتنا للتجارب بعد عيشها ميدانيّاً مع هذا الفريق، طوال نيّف وثلاثة عقود، تدفعنا إلى التساؤل حول إمكانيّة تصرفه تصرّف ما بعد الهاوية والسقوط آملاً بعودة مُظَفَّرَةٍ ثانيةٍ. فهل يقدم على افتعال الفراغ للحدّ من فاعليّة الأكثريّة الجديدة والأقليّة الوازنة بعد تأكّده من المسار الانتخابي؟ أو قد يسلّم إلى سلطة جديدة يقودها بنفسه منعاً للفراغ؟