جاد حداد

العلماء يحوّلون شبكات العنكبوت إلى موسيقى... والنتيجة مدهشة!

24 تشرين الثاني 2021

02 : 00

تتكل العناكب بشدة على اللمس لاستشعار العالم من حولها. تكون أجسامها وسيقانها مغطاة بشعيرات رفيعة وشقوق يمكنها التمييز بين مختلف أنواع الذبذبات.

تنتج الفريسة التي تتخبّط في الشبكة قوة اهتزازية مختلفة جداً عن تلك التي ينتجها عنكبوت آخر أثناء التزاوج أو تلك التي يسببها هبوب النسيم مثلاً. بعبارة أخرى، ينتج كل جزء من الشبكة نغمة مختلفة.

منذ بضع سنوات، ترجم العلماء بنية شبكة العنكبوت ثلاثية الأبعاد إلى موسيقى، فتعاونوا مع الفنان توماس ساراسينو لاختراع آلة موسيقية تفاعلية اسمها Spider's Canvas (لوحة العنكبوت القماشية). عمد الفريق نفسه حديثاً إلى تعديل هذا الابتكار بناءً على عمله السابق، لكنه أضاف هذه المرة عنصراً تفاعلياً من الواقع الافتراضي للسماح للناس بالدخول إلى الشبكة والتفاعل معها.

برأي العلماء، لن يساعدهم هذا البحث على تحسين طريقة فهمهم لهندسة شبكة العناكب ثلاثية الأبعاد فحسب، بل إنه قد يُعلّمهم أيضاً لغة الذبذبات لدى العنكبوت. يقول المهندس ماركوس بولير من "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا": "يعيش العنكبوت في بيئة من الخيوط المتذبذبة. هو لا يبصر جيداً، لذا يستشعر العالم عن طريق ذبذبات ذات ترددات مختلفة".

عند التكلم عن شبكات العناكب، قد نفكر تلقائياً بالشبكة التي ينسجها عنكبوت الجرم السماوي: إنها شبكة مسطّحة ودائرية ومزوّدة بأسلاك نصف قطرية يبني العنكبوت حولها شبكة لولبية. لكن لا تكون معظم شبكات العناكب من هذا النوع، بل إنها تُبنى بطريقة ثلاثية الأبعاد، على غرار الشبكات الورقية والمنسوجة والقُمعية مثلاً.

لاستكشاف بنية هذه الأنواع من الشبكات، استضاف الباحثون عنكبوتاً استوائياً من نوع "سيرتوفورا سيتريكولا" في حاوية مستطيلة وانتظروا إلى أن يملأ المساحة بشبكة ثلاثية الأبعاد. ثم استعملوا الليزر لإضاءة وابتكار صور عالية الدقة لمقاطع عرضية وثنائية الأبعاد من الشبكة.

في المرحلة اللاحقة، جمع نظام حلول حسابية صُمّم خصيصاً لهذه التجربة هندسة الشبكة ثلاثية الأبعاد انطلاقاً من تلك المقاطع العرضية. لتحويل هذه الشبكة إلى مادة موسيقية، خُصّصت ترددات صوتية متنوعة لمختلف الخيوط. ثم عُزِفت النوتات الموسيقية على شكل أنماط مستخلصة من بنية الشبكة.

كذلك، مَسَح الباحثون شبكة معينة أثناء نسجها وحوّلوا كل خطوة من هذه العملية إلى موسيقى. يعني ذلك أن تتغير النوتات تزامناً مع تغيّر بنية الشبكة، ويستطيع المستمعون أن يسمعوا عملية بناء الشبكة. من خلال الحصول على سجل مفصّل حول مختلف خطوات هذه العملية، يمكننا أن نُحسّن طريقة فهمنا لمسار بناء شبكات العناكب ثلاثية الأبعاد من دون أي هياكل داعمة. يمكن استعمال هذه المهارة مثلاً في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد.

سمحت آلة Spider's Canvas للجمهور بسماع موسيقى العنكبوت، لكن يقول الباحثون إن الواقع الافتراضي الذي يستعمله المستخدمون للدخول إلى الشبكة وتشغيل أجزاء منها يضيف نوعاً جديداً من الخبرات.

يوضح بولير: "تُعتبر بيئة الواقع الافتراضي مثيرة للاهتمام فعلاً لأن الأذن ترصد الخصائص البنيوية التي نستطيع رؤيتها لكننا نعجز عن التعرّف إليها سريعاً. من خلال سماعها ورؤيتها في الوقت نفسه، قد نبدأ بفهم البيئة التي يعيش فيها العنكبوت".

كذلك، تسمح بيئة الواقع الافتراضي، بخصائصها الفيزيائية الشبكية الواقعية، للباحثين بفهم ما يحصل حين يعبثون بأجزاء من الشبكة. يكفي أن نُمطّط أي جزء منها كي تتغير النغمة التي ينتجها. ويكفي أن نقطع جزءاً منها كي تتأثر الأجزاء الأخرى المحيطة به. هذه العملية قد تساعدنا أيضاً على فهم هندسة شبكة العنكبوت وسبب بنائها بهذه الطريقة.

الأهم من ذلك هو أن هذه العملية سمحت للباحثين بتطوير نظام حلول حسابية لتحديد أنواع الذبذبات في شبكة العنكبوت، ثم ترجمتها إلى "فريسة محاصرة" أو "شبكة قيد البناء" أو "عنكبوت آخر يستعد للتزاوج". يظن الباحثون أن هذه الفكرة هي ركيزة أساسية لتطوير طريقة تعلّم لغة العناكب، أو العنكبوت الاستوائي على الأقل. يضيف بولير: "نحن نحاول الآن أن ننتج إشارات اصطناعية لتكلم لغة العناكب. إذا عرّضناها لبعض أنماط الإيقاعات أو الذبذبات، هل يمكن التأثير على ما تفعله، وهل نستطيع حينها أن نبدأ بالتواصل معها؟ إنها أفكار مثيرة للاهتمام".

طرح الباحثون نتائجهم خلال اجتماع "الجمعية الكيماوية الأميركية" في الربيع الماضي، وكان بحثهم السابق قد نُشِر في "مجلة واجهة المجتمع الملكي" في العام 2018.