خالد أبو شقرا

"تهريبة" البنك الدولي واستجلاب المساعدات ليسا الحلّ

الثقة... المفتاح المفقود

9 تشرين الأول 2019

01 : 07

مؤتمر "الاستثمار الاماراتي اللبناني" أول الغيث في تحصيل المساعدات
يخيّل لمن ينظر الى لبنان عن بعد أنه عالق بين حجري رحى. التشبيه مجازي، صحيح، إلا أن الواقع حقيقي. فمن جهة هناك الأزمة الإقتصادية التي استحكمت أخيراً بكل مفاصل البلد وقطاعاته ولم تستثنِ النقدية، ومن جهة اخرى سلطة عاجزة عن التقدم ولو خطوة، نحو إصلاح حقيقي يعيد الثقة الداخلية والخارجية.

برز في اليومين الماضيين معطيان جديدان، أعطيا جرعة دعم معنوية للإقتصاد: الاول، تمثل في بدء جولة زيارات خارجية لرئيس الحكومة لاستجلاب الدعم للإقتصاد. والثاني "شطحة" البنك الدولي، أحد أبرز المساهمين في "سيدر"، "في إبداء استعداده لصرف ما تعهد به من أموال، حتى قبل تطبيق الاصلاحات التي تعهدت بها الحكومة"، يقول منسق الادارة السياسية في الكتلة الوطنية أمين عيسى.

مفاقمة الأزمة

بالرغم من التهليل للحدثين الإيجابيين، إلا أنهما لا يعتبران بحسب عيسى، الا مفاقمة للأزمة أو تأجيلها بأحسن الأحوال. "فاستجلاب الدعم الخارجي هو "ابرة مخدرة" لفترة، لن تنفع إذا لم تبدأ السلطة الاجراءات الاصلاحية الحقيقية. فيما استعداد "البنك الدولي" للدعم متخطياً شروط "سيدر"، ما هو إلا مراكمة للديون الخارجية وإفقاد لبنان ميزة حمله 70 في المئة من دينه، داخلياً".

غياب النية في الاصلاح هو ما يخيف المتابعين للشأن الاقتصادي اللبناني. في ظل كل التحديات التي تعصف بلبنان، وطلب الجهات الدولية صراحة من حكومته تطبيق الاصلاحات كشرط اساسي للمساعدة، فشلت الحكومة للسنة الثانية على التوالي في تقديم موازنة إصلاحية حقيقية، و"أقل ما يقال عند قراءة المشروع المقدم، ان على المسؤولين الاستقالة أو دخول السجن. حيث ورد في مقدمها، أن الادارة مستباحة، وانه لا يوجد تصور عن عدد المدارس الرسمية الموجودة أو عدد الاساتذة والتلامذة، وأن هناك مشاريع تلزّم عبر المجالس غير معروفة التفاصيل، وتدفع لها أضعاف العقود الموقعة"، يقول عيسى.





موازنة بلا لون

وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه المراقبون موازنة تترجم الخطة الإقتصادية التي وضعتها "ماكينزي"، من خلال إجراءات تحفيزية للقطاعات الانتاجية وإصلاحات هيكلية في البنى المؤسساتية وزيادة في الصادرات الصناعية والزراعية وتحسين بيئة الاعمال والاستثمار، أتت موازنة 2020 خالية من أي نكهة أو لون، وكل ما يراد منها هو تخفيف عجز الخزينة من خلال مقص الاقتطاع العشوائي ورفع الضرائب.

ومقابل الاصرار والتبجح بمحاربة الفساد جرى تخفيض موازنة أجهزة الرقابة. وبدلاً من تخفيض النفقات غير الضرورية زادت ميزانية الملابس في مجلس النواب من 300 الف دولار في موازنة العام الماضي الى 400 الف في موازنة 2020. ومن يتمعن في قراءة الموازنة يلحظ نفقات على بنود غريبة عجيبة كأن يخصص مبلغ 20 الف دولار للمطبوعات لم يكن موجوداً في موازنات سابقة.

أما ما تحمله موازنة العام الحالي فليس فقط لا يرضي المجتمع الدولي وتأمين المساعدات، بل إنه قاصر عن ايجاد الحلول للمشاكل الكبيرة التي يتخبط فيها الاقتصاد. فصحيح أن لبنان لن ينهار أو يفلس بحسب الكثير من الآراء، وأن المجتمع الدولي كما يظهر سيقدم الدعم للحكومة والاقتصاد. انما أيضا لبنان لن يشفى، والوجع الذي سيخدر اليوم سيعود أضعافاً مضاعفة في غضون أشهر قليلة.

أمام هذا الواقع فإن المساعدات المنوي تحصيلها والمزعوم نيلها تصبح تحديات جديدة أكثر جدية، وليست مصدراً للتفاؤل والنوم على حرير تخطي الازمة. وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون فإن تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء ليس لارضاء المجتمع الدولي، بقدر ما هو لتصويب مسار هذا القطاع المتفلت من الرقابة. وتخفيض العجز في الموازنة ليس لنيل القروض، بقدر ما هو لإصلاح القطاع العام وبالتالي تخفيف الفوائد وتشجيع الاستثمارات. كما ان محاربة الهدر والفساد ليس لارضاء المجتمع الدولي، بل لتحقيق نمو مفقود في الاقتصاد.

الثقة أولولية

بالرغم من سوداوية الوضع، إلا ان لبنان ما زال يملك الكثير من المقومات: فحجم ودائع القطاع المصرفي اللبناني يبلغ 170 مليار دولار تشكل نسبة 400 في المئة من الدخل القومي، فيما لا تشكل هذه النسبة أكثر من 80 في المئة في الولايات المتحدة. وهناك ثروات هائلة وعنصر بشري مبدع ومبتكر ويلبي شروط الاقتصاديات الحديثة التي تقوم على الابتكار والمعلومة. الا ان المفقود، بحسب عيسى، أمر واحد وهو "الثقة"، وهذا ما تبرهنه السلطة يومياً من خلال عدم استقرار السياسات الضريبية وتغييب الهيئات الرقابية والمساهمة في رفع الفوائد وتهميش الخبرات الحقيقية ومهاجمة المسؤولين أنفسهم والتراشق بتهم الهدر والفساد. وهو في المقابل ما ينعكس على تراجع الاستثمارات وهروب الكوادر، والهجمة غير المسبوقة على سحب الاموال من المصارف.