جاد حداد

الرياضة المفرطة تُضعِف قدرتك على اتخاذ القرارات!

9 تشرين الأول 2019

09 : 30

كشفت دراسة جديدة أن الرياضة لا تُتعِب العضلات فحسب، بل تؤثر على الدماغ أيضاً! استنتج الباحثون أن التمارين المفرطة قد تُضعف قدرتنا على اتخاذ القرارات.

لاحظ باحثون من مستشفى "بيتييه سالبيتريير" في باريس أن متلازمة الإفراط في التدريب تنعكس على الدماغ وبقية أعضاء الجسم. تُعتبر هذه المتلازمة شكلاً من الإجهاد التام الذي يصيب ممارسي تمارين التحمّل، وتنشأ نتيجة التدريبات الجسدية المفرطة.

يظن الباحثون أن هذا النوع من الإرهاق يرتبط بالدوائر العصبية الناشطة خلال نوبات التعب التي تلي العمل الفكري المكثف. سبق واكتشف العلماء أن الإرهاق بعد الجهود العقلية المفرطة قد يؤثر على التحكم المعرفي. يشير هذا التحكم المعرفي أو التنفيذي إلى قدرتنا على تغيير سلوكنا وأفكارنا لتحقيق أهدافنا.

يؤدي التدريب المفرط إلى تراجع بارز في الأداء الجسدي، فيشعر الرياضيون بتعب شديد. أراد الباحثون اختبار مدى ارتباط متلازمة الإفراط في التدريب بالتعب العصبي في الدماغ أو التعب العضلي. كذلك، أرادوا أن يعرفوا مدى تأثير التدريب المفرط على الجزء الدماغي الذي يتأثر بالجهد الفكري المكثّف.

استعان الباحثون بـ37 رياضياً يمارسون تمارين التحمّل ويبلغ متوسط أعمارهم 35 عاماً. تابع المشاركون برنامجهم الرياضي الاعتيادي أو كثّفوا تدريباتهم بنسبة 40% في كل حصة، طوال ثلاثة أسابيع.

شارك الرياضيون في ركوب الدراجة الهوائية خلال أيام الراحة، كي يتمكن الباحثون من مراقبة أدائهم الجسدي، وملؤوا استبيانات سألتهم عن مستوى شعورهم بالتعب. أخيراً، استعمل الباحثون اختبارات سلوكية ومسوحات بتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي لتقييم القدرة المعرفية لدى المشاركين.

نُشِرت نتائج الدراسة في مجلة "كورينت بيولوجي"، وأثبتت أن التدريبات الجسدية المفرطة طوال ثلاثة أسابيع جعلت الرياضيين يشعرون بتعب إضافي ويغيّرون تصرفاتهم. وفي الاختبارات التي قيّمت الخيارات الاقتصادية، بدا الرياضيون المتعبون أكثر ميلاً إلى الانفعال.

كشفت نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي أن التدريبات الجسدية المفرطة أدت إلى اختلال نشاط قشرة الفص الجبهي الجانبي. هذه المنطقة الدماغية مسؤولة عن رفع مستوى التحكم المعرفي وتؤثر على اتخاذ القرارات، والتخطيط، وتثبيط الســلوك، والعـمليات التحفيزيـــة، وتصـرفات أخرى.

تكون العمليات التحفيزية مثيرة للاهتمام لأنها تُحدد ما يفعله الدماغ لتحليل المعلومات المرتبطة بالمكافآت. تكشف نتائج الدراسة أن الرياضيين الذين يمارسون تدريبات جسدية مفرطة يميلون إلى التصرف باندفاع. لذا يختارون مكافآت فورية بدل المكافآت المهمة التي يتطلب اكتسابها وقتاً أطول.

صحيح أن تمارين التحمّل مفيدة للصحة عموماً، لكنها قد تترافق مع آثار غير متوقعة على الدماغ في بعض الحالات.

إنها أول دراسة تثبت أن التدريبات الجسدية تُسبب بدورها تعباً معرفياً. يتساءل الباحثون في تقريرهم إذا كانت نتائجهم تستطيع تفسير ما يجعل ممارسي تمارين التحمل يميلون إلى أخذ المنشطات. قد تساهم المنشطات في تحسين الأداء سريعاً لكنها تُضعِف الإنجازات على المدى الطويل. إذا كانت التدريبات المفرطة تزيد الاندفاع وتُضعِف القدرة على مقاومة المكافآت الفورية، هل تترافق هذه النتيجة إذاً مع عواقب بارزة خارج مجال الرياضة أيضاً؟ تفاجأ الباحثون تحديداً لأن التدريب الجسدي المفرط والجهد الفكري المكثف يؤثران على المنطقة الدماغية نفسها.

يوضح ماتياس بيسيغليون الذي شارك في الإشراف على الدراسة: "تبدو هذه المنطقة نقطة ضعف في الشبكة الدماغية المسؤولة عن التحكم المعرفي. يجب أن نسيطر على العملية التلقائية التي تجعلنا نتوقف حين تتضرر العضلات أو المفاصل".

لكن اقتصرت هذه الدراسة على مجموعة صغيرة من المشاركين. لذا يجب أن يجري الباحثون تجارب إضافية فيها مجموعات أكبر حجماً للتأكد من صحة هذا الأثر. وبما أن العلماء اكتفوا بإشراك أشخاص يتمتعون برشاقة جسدية عالية، لا يمكن التأكيد على نشوء الأثر نفسه إذا اختلفت مستويات الرشاقة.


MISS 3