أكرم حمدان

"المرحلة الملكيّة" و"المرحلة الجهنّميّة"

26 تشرين الثاني 2021

02 : 01

مع تقدّم العمر وتوالي الأعوام، سيصل بعض البشر لمرحلة من النضج تدعى "المرحلة الملكية"، بينما نحن في لبنان وصلنا إلى مرحلة مختلفة تماماً تسمى "المرحلة الجهنمية".

ففي المرحلة الملكية، لن تجد نفسك مضطراً للخوض في أي نقاش أو جدال، ولن تحاول أن تثبت لمن يجادلك بأنه مخطئ.

ولو كذب عليك أحدهم ستتركه يكذب، وستستمتع بشكله وهو يكذب مع أنك تعرف الحقيقة... وستدرك بأنك لن تستطيع إصلاح الكون، فالجاهل سيظل على حاله مهما كان مثقفاً، والغبي سيظل غبياً.

في المرحلة الملكية سندرك أننا إذا لبسنا ساعة بـ 500 أو 5000 فستعطينا نفس التوقيت.. وإذا إمتلكنا محفظة نقود سعرها 50 أو 500 فلن يختلف ما في داخلها..

وإذا عشنا في مسكن مساحته 500 متر أو 5000 متر فإن مستوى الشعور بالوحدة واحد.

فهذه المرحلة، يمتلك فيها الإنسان حياته، وتتشكل بعد جملة من الخبرات وسلسلة من التجارب وكمٍّ من المواقف يتعامل صاحبها معها بعقل واع وفكر يقظ، فيتعلم منها أشياء جميلة وإن أتت متأخرة على قاعدة "أن تصل متأخراً خيرلك من ألا تصل".

في هذه المرحلة، لن تتورط في جدالات تافهة ولن تستدرج لمعارك صغيرة، ولن تعطي توافه الأمور أكثر من قدرها، لن تؤجرعقلك لأحد ولن تجعل مَن حولك يفكر عنك، وستقبل بـ"الحسن" و"المقبول" وستدرك أنك المسؤول تماماً عن صحتك وعن كل شؤون حياتك، ولن تعمل بنظام الشمعة المحترقة.

ستدرك في "المرحلة الملكية" أن خيارك الوحيد أن تكون محباً، وأن الحال لا يدوم، وأن الألم يزول والوجع ينتهي والظلم يرفع وأن البشر ليسوا ملائكة، ففيهم سيئ الخلق ومنهم بسيط الفهم وأن البعض لا تُسعفه أخلاقه أن يكون صاحب مروءة حتى في أوقات الوئام...

أما في "المرحلة الجهنمية" في لبنان فقد سقطت كل الأقنعة وكل المحرمات والممنوعات والخطوط الحمر.

فهذا الدستور والقانون أصبح مجرد وجهة نظر ورأي وموقف يتسلّى به الساسة والمنظرون والمحللون..

وهذا سعر صرف الدولار يتجاوز الـ25 الف ليرة وتطير معه الأسعارعلى مختلف الصعد ولا أحد يُحرك ساكناً من المسؤولين السياسيين والماليين أو يشرح أو يبرر هذا الصعود الجنوني...

ففي "المرحلة الجهنمية" بات اللبناني الفقيرغير قادرعلى تأمين وسائل التدفئة مع بداية فصل الشتاء والبرد والصقيع، وبدأت حملات التبرع عبر وسائل التواصل الإجتماعي...

وفي "المرحلة الجهنمية"، بات أكثر من 80 % من اللبنانيين تحت خط الفقر، حسب آخر دراسات المنظمات الدولية... وبات فقط المقتدر والذي يمتلك الدولار "الفريش"هو من يستطيع تأمين الدواء ودخول المستشفى إذا مرض بعد رفع الدعم عن الأدوية.

وفي هذه المرحلة، هناك من لا يزال من اللبنانيين يصفق لهذا الزعيم وذاك، وهناك من لا يزال يصطف مذهبياً وطائفياً وكأنه لم يصل إلى "جهنم" الموعودة بعد...

في "المرحلة الجهنمية" هناك من لا يزال من المسؤولين يتحدث عن الوعود بالخروج من القعر، بينما هناك الآلاف لا بل عشرات الآلاف ممن غادروا لبنان بحثاً عن حياة كريمة ومستقبل غير جهنمي.

في هذه المرحلة، سيسجل التاريخ أن أعلى نسبة جوع وفقر وغياب لأبسط مقومات الحياة، من ماء وكهرباء ووسائل نقل وتأمين لقمة عيش كريم وخبز وقوت اليوم، كانت في عهدة مسؤولين غير مسؤولين...

في "المرحلة الجهنمية"ربما لن تسعفنا قواعد "المرحلة الملكية" في لبنان، فالألم حكماً سيزول والوجع سينتهي والظلم سيرفع، ولكن هل سيبقى هناك من أناس خارج القعر لكي تنتقل من "المرحلة الجهنمية " إلى "المرحلة الملكية"؟؟؟

من وحي تجربة "كورونا" والحجرالمنزلي...


MISS 3