جاد حداد

جينة جديدة تزيد احتمال الإصابة بأخطر حالات "كوفيد - 19"؟

27 تشرين الثاني 2021

02 : 00

لا يدخل معظم المصابين بفيروس "كوفيد-19" إلى المستشفى، لكن يصاب البعض في المقابل بحالة حادة جداً من المرض. منذ موجة الوباء الأولى، اتّضح سريعاً أن الأقليات العرقية في بريطانيا كانوا أكثر عرضة للوفاة بسبب كورونا مقارنةً بأصحاب البشرة البيضاء.

يتعلق جزء من السبب بعوامل اجتماعية واقتصادية. تميل الأقليات العرقية في بريطانيا مثلاً إلى الإقامة في مناطق مكتظة أكثر من أصحاب البشرة البيضاء، كما أنها أكثر ميلاً إلى العيش في أُسَر متعددة الأجيال، ما يعني أن كبار السن يصبحون أكثر عرضة للفيروسات التي يحملها أفراد الأسرة الأصغر سناً.

في الوقت نفسه، تكون هذه الفئة من الناس أكثر عرضة للخطر لأنها تميل إلى العمل في المراكز الصحية ودور الرعاية، ما يزيد احتمال تعرّضهم للفيروس. لكن لا تتوقف العوامل المؤثرة عند هذا الحد.

وفق دراسة كبيرة نشرتها مجلة "ذا لانسيت" في أيار 2021، يبدو أن مخاطر دخول المستشفى أو الحاجة إلى عناية مركّزة أو الوفاة بسبب كورونا في إنكلترا زادت بدرجة ملحوظة وسط الجماعات العرقية الآسيوية والسوداء والمختلطة، مقارنةً بأصحاب البشرة البيضاء، خلال الموجة الوبائية الأولى في بريطانيا (أي ربيع العام 2020).

خلال الموجة الثانية، تراجعت نسبة الخطر لدى أصحاب البشرة السوداء والجماعات العرقية المختلطة، لكن سُجّلت نتيجة معاكسة وسط الناس من جنوب آسيا. في هذه الفئة، زادت مخاطر دخول المستشفى أو الوفاة بسبب "كوفيد-19" خلال الموجة الثانية مقارنةً بأصحاب البشرة البيضاء وأقليات عرقية أخرى.

كيف يمكن تفسير هذا الفرق؟ هل تصبح أقليات عرقية محددة أكثر عرضة لأخطر حالات كورونا بسبب الجينات التي تحملها هذه الجماعة؟

سؤالان أساسيان

في العام 2020، كشفت الدراسات الوراثية الأولى أن اختلافات جينية معيّنة تقف وراء ارتفاع مخاطر الحالات الحادة من "كوفيد-19". وبعد دراسة الجينات لدى آلاف مرضى كورونا، رصد الباحثون جينتَين مشبوهتَين: LZTFL1 وSLC6A20.

لا بد من الإجابة على سؤالَين أساسيَين إذاً: أي واحدة من هاتين الجينتَين تزيد خطر الإصابة بحالة حادة من "كوفيد - 19"؟ وما هي الآلية الكامنة وراء هذه العملية؟

توصّلت دراسة جديدة نشرتها مجلة "علم الوراثة الطبيعي" إلى جواب على هذين السؤالَين.

اكتشف باحثون من جامعة "أكسفورد" أن جينة LZTFL1 هي التي تزيد خطر الإصابة بأمراض حادة، لا جينة SLC6A20. يحمل 60% من المنحدرين من جنوب آسيا هذه الجينة التي ترفع نسبة الخطر، مقارنةً بـ15% من أصحاب البشرة البيضاء و2% فقط من الأفارقة أو الشعب الأفريقي الكاريبي.

لكن لا تتوقف الاستنتاجات عند هذا الحد، بل يبدو أن هذه الجينة تنشط بقوة في طبقة الخلايا التي تَحِدّ الممرات الهوائية والرئتين. تُسمى هذه الطبقة الخلوية "ظهارة الجهاز التنفسي"، وهي تدفئ الهواء وتنظفه قبل وصوله إلى الرئتين حيث يمتص الدم الأكسجين.

كذلك، تشكّل هذه الطبقة حاجزاً بين الهواء المتدفق نحو جهاز التنفس والأنسجة الداخلية للجسم وتُعتبر أساسية للحفاظ على تنفّس سليم.

تكشف الدراسة الجديدة أن المتغيرة الجينية الخطيرة تُضعِف قدرة خلايا الرئتين على إصلاح الأنسجة المتضررة واستبدال الخلايا المفقودة، وقد تكون هذه العملية ضرورية لتجاوز الأمراض الحادة.

في الوقت نفسه، تدفع تلك المتغيرة الجينية الخلايا إلى إنتاج نسخ إضافية من بروتينَي ACE2 وTMPRSS2 اللذين يسمحان لفيروس كورونا المستجد بدخول الخلايا ونقل العدوى إليها. بعبارة أخرى، يكون حاملو هذه المتغيرة الجينية الخطيرة أكثر عرضة لتضرر الخلايا وأقل قدرة على الشفاء، وهذا ما يفسّر إصابتهم بحالة حادة من العدوى. لا نعرف بعد مدى ارتباط الأثر المتفاوت الذي سبّبه فيروس كورونا لدى المنحدرين من جنوب آسيا في بريطانيا بهذه الجينة تحديداً، ولا تعني هذه النتائج أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية لا تلعب دوراً مؤثراً في هذا المجال.

كذلك، ما من بيانات وافية حتى الآن حول دور هذه الجينة في دول جنوب آسيا حيث يرتفع عدد حامليها على الأرجح، أو تأثير هذه النتيجة على الجهود الرامية لكبح الوباء هناك. مع ذلك، تبقى نتائج هذه الدراسة مهمة لأنها تكشف أن ارتفاع نسبة الخطر لدى بعض الجماعات العرقية، مثل المنحدرين من جنوب آسيا، له سبب بيولوجي.

رغم طرح اللقاحات والأدوية لمعالجة "كوفيد-19" اليوم، تشير الدراسة الجديدة إلى طريقة محتملة لتطوير علاجات جديدة تستهدف الرئتين، لا جهاز المناعة الذي كان محور التركيز حتى الآن. قد تفيد هذه الطريقة أكثر الأشخاص عرضة للأمراض الخطيرة.


MISS 3