النقيب د. واثق المقدم

الإنتخابات النيابية... المسرحية الأكذوبة الكبرى

27 تشرين الثاني 2021

02 : 00

كيف لطبقة سياسية أن تؤمّن بقاءها واستمرارها من الجدّ للأب للحفيد، رغم كل ما سبّبت من كوارث نعيشها يومياً مع شعب مميز بالعلم؟

الوقائع تقول إن نظام لبنان أقرب للتشكيلات البدائية، المذهبية العشائرية والعائلية، منه لدولة المؤسسات يحكمه 7 أشخاص (بمظلة من "حزب الله" في السنين الأخيرة)

أمّنت إستمرارها الطويل من خلال تقاسم الإدارات، المناصب، المشاريع، الصناديق، الأجهزة، القضاء وصولاً للوزراء وتسخيرهم لكسب الشعبية على الطريقة اللبنانية الدائمة، فأتخمت إدارات الدولة بآلاف الطفيليين تدفع لهم الرواتب والعطاءات مقابل أنهم دعائم للطبقة الحاكمة، وخاصة في الإنتخابات وفي تمرير الصفقات والمشاريع المشبوهة والعطاءات للجمعيات، المستوصفات، الأندية، المدارس المجانية الوهمية، وكلهم من المستظلين بالحكام.

مختصر مفيد، الإدارات العامة والأجهزة تحوّلت مفاتيح إنتخابية لخدمة من وظّفها، ولو على حساب سرقة البلد وانهياره، وهذا ما نعيشه، إضافة لعرقلة أمور ومصالح الناس لإجبارهم على الوقوف امام باب السياسيين لتخليص معاملاتهم القانونية.

قانون إنتخابي وضع حفراً وتنزيلاً لصالح المنظومة، مع إعطاء شحنة إضافية من التعصب المذهبي للتغطية على نهبهم وإفلاسهم البلد والناس.

تقاطع مصلحة كل مافيات البنزين، الدواء، مولدات الكهرباء مع منظومة الفساد، ضدّ قيام دولة المؤسسات والمحاسبة يعني نهاية المنظومة والمافيا.

رفض السياسيين للبطاقة و"الميغا سنتر" حيث لا يتمكّن السياسيون من معرفة مدى صدق المفتاح الإنتخابي في تجيير أصوات اكثرية عائلته والحي، أما حالياً فتعرف من خلال تخصيص كل عائلة بغرفة أو أكثر. إضافة لعدم قدرة المجتمع المدني المادية على تأمين المواصلات، وهذا يخفّض أيضا اصوات المقترعين للنصف لبُعد المسافات بين المنتخب ومركز الإقتراع.

ضرب الأحزاب ذات المبادئ، تقسيم وشرذمة الإتحاد العمالي العام، وضع اليد على النقابات، الجمعيات والأندية...

تجنيس عشرات الآلاف من السوريين، تعليماتهم الإنتخابية تأتي من النظام السوري، مما يجعل دوراً مؤثراً لهم في مناطق مهمة.

في إنتخابات 2018 تم توظيف 5 آلاف شخص خلافاً للقانون (رشوة إنتخابية فاقعة، وهدر للمال العام، حيث في الدول المحترمة تبطل الإنتخابات وتحاكم الطبقة الحاكمة).

ماكينات إنتخابية ضخمة، حيث يجبر آلاف الموظفين العامين على المشاركه فيها مجاناً.

إجبار المافيات ومتعهدي مشاريع الدولة على تمويل الماكينات بملايين الدولارات، والتغطية الإعلامية حيث تبلغ أجرة الساعة التلفزيونية الواحدة 40 ألف دولار...

الخبرة التراكمية العميقة للماكينات الإنتخابية في مخاطبة غرائز الناخبين مذهبياً، سياسياً، ونبش الأحقاد والمصير المظلم المنتظر إن سقط حماة المذاهب.

دفع المنظومة المال للعديد من الأشخاص غير المؤهلين، للترشح باسم المجتمع المدني لإظهاره أنه مفكك، وكل واحد يطمح للكرسي للتلذذ بالمنافع، لا للخدمة العامة...

المطبخ الإعلامي للمنظومة لا يحلّل ولا يحرّم، هدفه إنجاحهم ولو بأوسخ الأساليب.

إضافه لما تقدم، لكل منطقة خصوصيتها، مثلاً (طرابلس، الضنية والمنية) سياسيوها من اكبر أغنياء لبنان، إمساك المناطق الشعبية الأكثر فقراً من قبل الأجهزة والسياسيين من خلال خلق مسؤول آمر في كل حي مغطى من الأجهزة وممول من السياسيين وفي خدمتهم، وهؤلاء مع السلطة وينقلون البارودة حسب التعليمات، وإلا الملفات تفتح والقصاص ينزل، وإنتخابات 2018 خير دليل مادي، حيث انقلب اكثر مسؤولي الأحياء من ضفة الى أخرى.

إمساك السياسيين للأكثرية الساحقة من المخاتير، من خلال دفع راتب شهري لهم، لما لهم من تواصل وخدمات يومية مباشرة مع الناس.

إمساك السياسيين لأكثر المشايخ من رجال الدين، نتيجة معاشاتهم الضئيلة جداً. وصل الأمر لدفع سياسيي طرابلس معاشات شهرية لأشخاص، مقابل فقط ذكرهم بكلام جيد إذا أوتي على ذكرهم...

جبل محسن حيث الأكثرية الكبرى تلتزم إنتخابيا تعليمات النظام السوري...

في إنتخابات 2018 تم حصول 65 بناء مخالفاً للقانون لصالح تيار سياسي، بتغطية من أحد الأجهزة...

إغداق السياسيين المليارديريين ملايين الدولارات في الحملة الإنتخابية، وآلاف الوعود الكاذبة بالتوظيف، أو المشاريع تبقى كلاما في الهواء للإنتخابات القادمة. إضافة لدفع السياسيين المال للعديد من الناس غير المؤهلين للترشح ، مما يزيد من حالة اإحباط عند الناس الناقمين، "ما فيش فايدة".

الضنية المنية حيث الطابع العام عائلي عشائري، مع إرتباط اكثر وجهائهم الوثيق بالسلطة لأجل تسهيل أمورهم الخاصة...

وبعد كل ما ذكرت، هل يعني هذا ان الأمر محسوم للمنظومة الفاسدة؟ أكيد لا، فمع إنتفاضة 17 تشرين تكشفت كل عورات السياسيين دفعة واحدة، وأصابت العالم بالذهول لحجم جرائمهم ولامبالاتهم، مما أدى الى انهيار الدولة بكل مؤسساتها بما فيها القضاء والعملة الوطنية، وأفقر وأفقد الموظفين كل ميزاتهم وحولهم بؤساء، فأصبح أكثرهم عدواً للمنظومة بعدما كانوا الدعامة الأساسية لاستمرارها.

إنفجار مرفأ بيروت الزلزال، والذي كان ممكناً تداركه، إنما للأسف إنعدام الحس الوطني والأخلاقي عند كل المسؤولين، وخوفهم على مصالحهم والكرسي تسبب بالإنفجار.

سرقة العصر الوقحة والمستمرة لأموال المودعين، الذين يشاهدون بأم أعينهم طوابير شاحنات التهريب للمواد المدعومة، والسوق السوداء العلنية، وإذلال الناس على المصارف ومحطات البنزين وفقدان الدواء والحليب وتحكّم المافيا وهدر 18 مليار دولار خلال 18 شهراً (كان يكفي 5 مليارات لإستعادة حقوق مليون ونصف مودع) وهو قمة الإجرام والشهونة اللصوصية، مع فائض من الإتهامات المتبادلة بين اركان المنظومة، وعجز وشلل كامل تجاه مواجهة "كورونا" مترافق مع استكبار وإستهزاء واضح بحقوق وآلام الناس.. مما دفع اللبنانيين المنتشرين في بلاد الإغتراب للتحرك دعماً لأهلهم ولعملية التغيير.

إنها لحظة الحقيقة والمحاسبة، ولتوجيه ضربة قاسية للسياسيين عما فعلوه بالناس والبلد، إذا ما توفرت ماكينة إنتخابية فاعلة بدعم من المغتربين للائحة على امتداد الوطن، تضم أشخاصاً يشهد تاريخهم أنهم من أهل الرجولة، الكفاءة، المعرفة، الرؤى المستقبلية، العاشقين لبلدهم وناسهم، مما يحفّز جموع الناس الناقمين، الغاضبين، المحبطين والممتنعين سابقاً عن المشاركة للنزول والتصويت للتغيير ومحاسبة من أوصلونا الى جهنم، فلنفعلها معاً، من المحال إستمرار الوضع على ما هو عليه واستمرار هذه الطبقه السياسية.

أسوأ شيء قد يحدث هو الّا يحدث شيء، رغم كل الكوارث التي دمّرت البلد.


MISS 3