هيلين سالون

الجيش اللبناني يصارع للبقاء

1 كانون الأول 2021

المصدر: Le Monde

02 : 01

لم يعد جورج (اسم مستعار) يقصد القاعدة البحرية في بيروت إلا ثلاث مرات أسبوعياً في فترة الصباح. هو ضابط صف في البحرية اللبنانية، وبات يمضي معظم وقته وهو يقوم بأعمال خاصة لصالح قاعدة العملاء التي أنشأها لتسديد مستحقاته الشهرية. في ظل تراجع قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، لم يعد راتبه الذي يبلغ مليونَين ونصف المليون ليرة يساوي أكثر من 100 دولار (89 يورو)، بعدما كان يساوي 1700 دولار قبل الأزمة المالية التي بدأت في العام 2019.

يبلغ جورج 50 عاماً وهو مسؤول عن ولدَين في عمر الحادية عشرة والسابعة عشرة على التوالي، لكنه يشعر بأعلى درجات الاختناق. بالكاد يبقى له مبلغ صغير بعد تسديد فواتير الكهرباء والمياه وثمن الوقود. هو يتساءل: "نحن نعيش يومنا من دون التفكير بالغد. أنا مدين بـ35 مليون ليرة لبنانية للمدرسة (1500 دولار بحسب سعر الصرف في السوق السوداء) لأن الجيش لم يعد يغطي 80% من أقساط المدارس كما كان يفعل سابقاً. لا أعرف كيف سأدفع رسم تسجيل ابني الأكبر في الجامعة في السنة المقبلة. من يستطيع دفع 5 آلاف دولار اليوم؟".

يتابع جورج قائلاً: "يرتفع عدد المتغيبين عن الخدمة العسكرية، إذ يعجز بعض الجنود عن الحضور بسبب ارتفاع أسعار البنزين. منذ شهر تموز الماضي، خضع دوامنا للتعديل".

بدأ الجنود يقومون بأعمال صغيرة ومتفرقة لإعالة أنفسهم (سائق تاكسي، خدمة توصيل الأغراض، زراعة...)، وتغفل قيادة الجيش عن هذه النشاطات بانتظار إيجاد الحلول. يقول مصدر عسكري: "نحن واقعيون. لم يعد الجندي يجني اليوم أكثر من 60 أو 70 دولاراً شهرياً، لذا لا نمانع في أن يجد عملاً آخر. نحن نريد الحفاظ على عناصرنا. بدأنا نطلب منهم المجيء بين 10 و12 يوماً شهرياً بدل 22 يوماً كي يتمكنوا من توفير مصاريف النقل وإيجاد عمل آخر. نتمنــى ألا يطول هذا الوضع".

تعرّض الجيش اللبناني لضربة موجعة بسبب الأزمة المالية القائمة. يقول آرام نركيزيان من مركز "كارنيغي" إن ميزانية الدفاع تراجعت من 1.2 مليار دولار في العام 2019 إلى 200 مليون دولار بعد انهيار الليرة اللبنانية. لم تعد هذه الميزانية كافية لمنح راتب محترم لثمانين ألف عنصر في الجيش اللبناني أو الحفاظ على الامتيازات الاجتماعية التي كانوا يستفيدون منها.

تجنّب موجات ترك الجيش

لم تتأثر المهام العسكرية بعد بتخفيض الميزانية وتراجع الموارد البشرية، لكن يجب أن تتعامل الوحدات مع نقص المواد (حتى الأوراق والمصابيح مفقودة) وقِطَع الغيار لصيانة المعدات. يقول مصدر عسكري غربي: "إنها مشكلة كبيرة لأن الحوافز والقدرة علـــى أداء المهام المطلوبة بدأت تتراجع تدريجاً".

بدأ الشركاء الخارجيون يتحركون، فهم يشعرون بالقلق من تفكك المؤسسة اللبنانية الوحيدة التي تُعتبر حتى الآن متعددة الطوائف وغير مسيّسة وغير فاسدة، لكن يجازف ضعفها المتزايد بإغراق البلد في المزيد من الفوضى.

بالإضافة إلى حماية الحدود التي أصبحت من أهم الأولويات منذ بداية الحرب في سوريا في العام 2011 وظهور تنظيم "داعش"، يؤدي الجيش اللبناني أيضاً مهام الشرطة وحفظ الأمن، فيصبح أشبه بقوة تدخّل خلال الاشتباكات الطائفية، حتى أنه يكافح الإرهاب وتجارة المخدرات. كذلك، يُعتبر الجيش قوة موازِنة لـ"حزب الله" الذي يرفض تسليم سلاحه منذ نهاية الحرب الأهلية، في العام 1990، وقد أحكم قبضته على البلد كله. مع ذلك، يرفض الجيش اللبناني مهاجمة الحزب الشيعي المسلّح القوي.

يحذّر الجنرال المتقاعد مارون حتي الذي أصبح اليوم مستشاراً عسكرياً من الوضع قائلاً: "النظام كله بدأ ينهار ويتفكك. يجب أن نتحرك سريعاً ونجد الآليات التي تسمح بتقديم دعم مادي ملموس للجنود. لقد أصبح تماسك الجيش مُهدداً اليوم". يهدف تساهل قيادة الجيش مع تغيّب العناصر إلى تجنّب موجات ترك المؤسسة العسكرية. يُعدّد جورج أكثر من مئة جندي شاب ترك صفوف الجيش داخل فوجه المؤلف من 700 عنصر بحثاً عن عملٍ براتب أفضل. ويحرص الجيش اللبناني على إبقاء عدد من يتركون المؤسسة العسكرية محدوداً. لكن بعد تجميد عملية تجنيد العناصر بقرار من الحكومة منذ العام 2019، يتّضح النقص في عدد المجندين الشباب بكل سهولة.




هبات من الخارج

طوّر الجيش خطة لإعادة إنشاء أبسط شبكة أمان اجتماعي ممكنة للجنود. تقضي هذه الخطة بتوزيع سلة غذائية شهرية، وإنشاء نظام نقل مجاني، وسد النقص في الأدوية داخل النظام الصحي الخاص بالجيش اللبناني، وتشكيل صندوق طوارئ للعسكريين الذين يواجهون الأزمات. على صعيد آخر، نُقِلت قائمة من الحاجات إلى الأمم المتحدة والشركاء الخارجيين لتحسين التبرعات العينية التي تتدفق إلى الجيش منذ أشهر، بما في ذلك 4 ملايين يورو من فرنسا في العام 2021.

في شهر حزيران الماضي، ترأس الرئيس إيمانويل ماكرون مؤتمراً للمانحين لحشد الدعم من المجتمع الدولي. كذلك كثّف قائد الجيش اللبناني، الجنرال جوزاف عون، زياراته إلى الخارج، آخرها إلى الولايات المتحدة في شهر تشرين الثاني، طلباً للهبات والدعم السياسي. يوضح المصدر العسكري الغربي: "تهدف هذه المساعي إلى مساعدة الجيش اللبناني على زيادة قدراته بدرجة كافية كي يتمكن من أداء مهام الأمن الداخلي الموكلة إليه ومنعاً لإضعاف هذه المؤسسة وترك المجال مفتوحاً أمام حزب الله".

بدأ الوضع اللوجستي يتحسن تدريجاً بفضل هذه الهبات. وتتركز النقاشات من الآن فصاعداً على تقديم مساعدات مباشرة لدعم رواتب العسكريين. يضيف المصدر العسكري الغربي: "إنها المساعدات التي أصبح الجيش اللبناني بأمسّ الحاجة إليها. تقضي هذه الفكرة بإنشاء صندوق ائتماني مشترك تديره الأمم المتحدة لتقديم هبات دولية بكل شفافية. لا يعني ذلك دفع جميع رواتب الجيش اللبناني، بل تأمين دعم مالي لتجاوز الوضع الصعب". من المخطط أن يتلقى كل جندي 100 دولار شهرياً، أي ما يساوي 86 مليون دولار سنوياً، وفق مصادر عدة. أصبحت هذه الفكرة قيد التداول، لكن لا بد من إيجاد مصدر للأموال. أدت الأزمة التي انفجرت بين بيروت والرياض في نهاية شهر تشرين الأول إلى استبعاد أي دعم من دول الخليج. وتبقى القدرات التمويلية للدول الأوروبية محدودة.

بدأت الأنظار تتجه إلى الولايات المتحدة، وهي الداعمة الأساسية للجيش اللبناني. منذ الحرب التي اندلعت بين لبنان وإسرائيل في العام 2006، قدّمت واشنطن أكثر من 2.5 مليار دولار على شكل مساعدات لوجستية وتقنية ومادية إلى الجيش اللبناني. وبلغت قيمة المساعدات السنوية 187 مليون دولار هذه السنة، وتم الإعلان في منتصف شهر تشرين الأول عن تقديم مساعدة إضافية بقيمة 67 مليون دولار في إطار برنامج "التمويل العسكري الأجنبي". كذلك، تنوي إدارة بايدن أن تعيد تخصيص هذا المبلغ كمساعدة مباشرة لرواتب الجيش اللبناني بعد استشارة الكونغرس مسبقاً، وفق الإجراءات المعمول بها.

تعليقاً على الموضوع، يقول إدوارد غابرييل، رئيس فريق العمل الأميركي من أجل لبنان: "أنا متفائل جداً في ما يخص دعم أعضاء الكونغرس لأي اتفاق سريع يهدف إلى إعادة تخصيص هذه الأموال". هو يؤكد أن فكرة إنشاء صندوق ائتماني تحت رعاية الأمم المتحدة أصبحت من الخيارات المطروحة لتوزيع هذه المبالغ، فضلاً عن تلقي هبات من شركاء خارجيين آخرين لاستكمال هذه الخطة.

ترأس السفير الأميركي السابق وفداً من الكونغرس الأميركي حَضَر إلى بيروت في مهمة استطلاعية في تشرين الثاني. يضيف غابرييل: "لقد فهم أعضاء الكونغرس أن الوضع عاجل. هم يريدون أن تتابع أهم مؤسسة في البلد عملها عبر تأمين وسائل لدعمها. لكننا سنقترح أيضاً أفكاراً أخرى أصبحت قيد النقاش في أوساط إدارة بايدن وداخل الكونغرس".

MISS 3