أليسون فلود

مقطع من قصيدة ملحمية ضائعة في غلاف كتاب آخر

1 كانون الأول 2021

المصدر: The Guardian

02 : 00

اكتشفت أستاذة أكاديمية من مكتبة "بودلي" في جامعة "أكسفورد" مقطعاً من قصيدة فرنسية تعود إلى القرن الثاني عشر وقيل سابقاً إنها ضاعت إلى الأبد.

كانت الدكتورة تمارا أتكين من جامعة "كوين ماري" في لندن تجري أبحاثاً حول إعادة استعمال الكتب خلال القرن السادس عشر، فعثرت على مقطع من القصيدة المفقودة Siège d’Orange (حصار مدينة أورانج) في غلاف كتاب منشور في العام 1528. كانت المخطوطات والأوراق باهظة الثمن في تلك الحقبة، وخضعت المؤلفات والكتب غير المرغوب فيها لإعادة التدوير في حالات كثيرة.

ظن العلماء أن تلك القصيدة التي تشتق من مجموعة قصائد سردية ملحمية حول غيوم أورانج موجودة، لكن لم تبرز أي أدلة ملموسة على صحة هذه المعلومة سابقاً. يقتصر الجزء الذي تم العثور عليه على 47 سطراً، لكنه يثبت وجود قصيدة اعتبرها الجميع ضائعة ولا يمكن استرجاعها.

تدور أحداث القصيدة في القرن التاسع، خلال عهد الملك لويس الأول، ابن شارلمان ووريثه. يقال إن هذه القصيدة ظهرت في أواخر القرن الثاني عشر، لكن تظن أتكين أن المقطع الذي وجدته مأخوذ من نسخة صدرت في إنكلترا في أواخر القرن الثالث عشر.

ترجم فيليب بينيت المتخصص بأعمال غيوم أورانج من جامعة إدنبرة مقطعاً من القصيدة جاء فيه: "سأله قائلاً: ما هو وضعه؟ / أجاب الكونت بيرترام: "سيّئ". / "شقيقك لا يملك الخبز ولا الذرة ولا النبيذ؛ / هو لا يملك أي إمدادات لإنقاذ نفسه، / باستثناء حوض مليئ بالدم تركتُه له".

تشير هذه السطور المقتبسة إلى الحقبة التي طلب فيها الكونت بيرترام من الملك المساعدة لرفع الحصار عن مدينة "أورانج" في إقليم "رون فالي" الفرنسي ووصف له ظروف الحصار المريعة. توضح أتكين: "في أجزاء لاحقة من القصيدة، سنسمعه وهو ينتقد الملكة بقسوة (حتى أنه يدعوها في مرحلة معينة "العاهرة الصهباء") لأنها عارضت أن يقود زوجها جيش الإغاثة جنوباً".

اكتشفت أتكين أيضاً مقطعاً من مخطوطة مقتطفة من كتاب Roman de Tristan (رواية تريستان) للشاعر بيرول، وهو يروي جانباً من قصة تريستان وإيزولت في الكتاب نفسه. تُعتبر القصيدة التي تعود إلى القرن الثاني عشر من أقدم الإصدارات الرومانسية في العصور الوسطى، وكانت مخطوطة غير مكتملة من القرن الثالث عشر في "المكتبة الوطنية الفرنسية" الدليل الوحيد على وجودها حتى الآن. يختلف الجزء الذي وجدته أتكين بشدة عن تلك المخطوطة ويثبت أن القصيدة كانت أكثر شيوعاً مما ظن الكثيرون سابقاً.

تقول أتكين: "حين نعثر على مخلفات مخطوطة في كتابٍ من القرن السادس عشر، غالباً ما تكون باللغة اللاتينية، وتتعلق بمواضيع لاهوتية أو فلسفية، وتشتق من وجهات نظر أدبية معاصرة، ولا تُعتبر مثيرة للاهتمام بشكل عام. لكنّ المقاطع المستخلصة من هذا الكتاب مختلفة. لقد كانت مكتوبة باللغة الفرنسية على شكل أبيات شِعْر، ويظهر اسم "إيزولت" في أحد المقاطع بكل وضوح. أنا لستُ باحثة فرنسية، وقد أدركتُ سريعاً أنني سأحتاج إلى مساعدة الآخرين. أصبحت الرحلة ممتعة ومثيرة بعد هذه المرحلة بالذات".

استعانت أتكين بأكاديميين من جامعات "بريستول" و"إدنبرة" و"كولومبيا البريطانية" لتلقي المساعدة التي تحتاج إليها. يقول جي آر ماتيسون المتخصص بالمخطوطات الفرنسية من جامعة "كولومبيا البريطانية"، وهو الذي شارك في رصد مقطع تريستان وإيزولت: "كنتُ أعرف أنه بحث مهم. يرتبط هذا الجزء من القصيدة بلحظة بارزة، حين تكلمت إيزولت مع زوجها الملك مارك. يسمح هذا المقطع بتوسيع معارفنا حول الجمهور الذي تستهدفه القصيدة، ومعناها المتبدّل مع مرور الوقت، ودورها في طرح وجهة نظر جديدة حول انتشار الأساطير المرتبطة بتريستان في أنحاء أوروبا".

يتكلم بينيت عن غياب أي "أثر ملموس" حول قصيدة حصار مدينة أورانج في السابق، فيقول: "تكثر الأدلة التي تطرحها قصائد ملحمية أخرى عن وجود قصيدة تتناول الحصار الذي واجهه غيوم أورانج في المدينة التي غزاها حديثاً. يأتي اكتشاف المقطع الذي نملكه الآن ليسدّ ثغرة كبيرة في السيرة الشعرية الخاصة بذلك البطل الملحمي. إنها واحدة من أهم الإضافات إلى مجموعات القصائد الملحمية الفرنسية من القرون الوسطى".

يعمل فريق البحث راهناً على اكتشاف معلومات إضافية حول مكان وزمان نَسْخ المقاطع وطريقة وصولها إلى كتاب من العام 1528. تضيف أتكين: "يشير وجود تلك المخطوطات إلى الأهمية المنسوبة سابقاً إلى النصوص التي تحتويها. لكنّ المخطوطات التي تفككت وأُعيد استعمالها على شكل مخلفات لم تكن تحمل قيمة كبيرة بقدر النصوص بل إنها اعتُبِرت مهمة كسلع مادية، مثل المخطوطة الورقية، يمكن استعمالها لتقوية تجليد كتاب آخر. أُعيد تدوير المخطوطات التي شملت تلك القصائد الفرنسية على الأرجح لأن النصوص اعتُبِرت قديمة واللغة المستعملة فيها بالية. من الممتع أن نعثر على مادة ضائعة منذ فترة طويلة، لكن يجب أن نتنبّه في الوقت نفسه إلى مسألة أخرى: يبدو أن السبب الوحيد الذي يفسّر صمود هذه المقاطع حتى الآن يتعلق بميل البعض، في مرحلة معينة، إلى اعتبار المخطوطات التي ظهرت فيها تلك المقاطع غير مهمة بل مجرّد مخلفات غير نافعة. إنها مفارقة جميلة برأيي".

كان العلماء متأكدين من وجود قصيدة ويليام الثالث المعروف باسم غيوم أورانج والحصار الدموي الذي فُرِض على مدينته، لكنهم ظنوا حتى الآن أنها ضاعت ولا يمكن العثور عليها مجدداً.

MISS 3