مجيد مطر

فخامة الرئيس... لا دستور يشرّع للفراغ

4 كانون الأول 2021

02 : 00

(يكون حكم الدولة أفضل، إن كان عندها القليل من القوانين، وهذه القوانين مرعية بصرامة)

ديكارت

إن مسألة تفنيد فكرة بقاء الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته، لا تعني، ولا ينبغي أن تكون جردة حساب لماضيه السياسي المعروف، والمرتبط خصوصاً بإصراره حينها على الوصول الى كرسي الرئاسة. فالقضية تتعلق بروحية الدستور اللبناني، لا بالسياسة الآنية التي يمكن تجاوزها في هذا المقام.

واذا كان للدستور من قيمة، فهي في تحديده المهل لتكوين السلطات ومدة بقائها في الحكم. وفي ذلك نتائج عملية تتعلق بمبدأ تداول السلطة، وهذا تباعاً يدخلنا في صلب الديموقراطية كقيم وسلوك. إن التعاطي مع غاية الدستور، يرتبط بالنص المباشر كقيمة تفرض نفسها، وقد فهم ذلك الرئيس الراحل فؤاد شهاب كرجل دولة، عندما اطلق على الدستور لفظ (الكتاب) أي النص كما هو، من دون تدخلات اجتهادية او تفسيرية. هنا هيبة الدستور تأتي في المقام الأول. فالتمديد وإن كان فيه شبهة التعدي على تداول السلطة، انما يأتي من خلال مجلس النواب الذي يقوم بتعديل نص دستوري، يقرُّ بقاء الرئيس في السلطة لمدة إضافية، بحسب ما تفرضه المصلحة. فقد حصل التمديد للرئيس الهراوي، كذلك حصل للرئيس لحود، بمعزل عما الحقه من تهشيم للديموقراطية، ولانتظام الحياة الدستورية في لبنان. إنما أن يصدر عن رئيسٍ اشتهر بانتقاده فكرة التمديد لغيره، مع أنها تستند الى تعديل دستوري فذلك أمر يثير الاستغراب. إن فحوى كلامه المنقول عنه، يتعلق بإمكانية استمراره في القصر بحجة عدم ترك الأمور للفراغ، كما يرى ذلك الرئيس عون شخصياً، فذلك تجاوز خطير لفهم المعنى الحقيقي لدور الدستور في انتظام حياة الدول السياسية، وعلى أهمية ما يتضمن الدستور من نصوص. إن فلسفته نفسها اجدر أن تحترم، وأن يتم تطبيقه وفقاً لمقتضياتها.

في العلم الدستوري، لا يمكن لدستور أن يشرّع للفراغ، ولا للتعطيل، ولا أن يسمح بأي تفسير يمنع تداول السلطة وانتقالها. فهل صحيح أنه في حال انتهت ولاية الرئيس يدخل البلد في "فراغ" كما قصده الرئيس مباشرة؟.

فقبل اتفاق الطائف وبعده لم يفكر احد من الرؤساء بأن يبقى في القصر بعد انتهاء عهده ولو لساعة واحدة، ولو فعل ذلك الرئيس امين الجميل، لما كان الجنرال ميشال عون حينها قد اصبح رئيساً لحكومة موقتة، تملأ الشغور لحين إعادة تكوين السلطة مجدداً.

فكيف يمكن للرئيس عون أن يتحدث عن هذا الخيار في ظل دستور نصّ على عدم تكريس الفراغ من خلال انتقال صلاحيات الرئيس الى الحكومة مجتمعة.

وقد جاء في المادة 62 من الدستور اللبناني المعدلة وفقاً للقانون الدستوري رقم 18 لسنة 1990: "في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء".

وهذه المادة تنسجم مع المادة 17 من الدستور المعدلة بالقانون الدستوري نفسه: "تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء. وهو يتولاها وفقاً لاحكام الدستور". وكما هو معروف وقبل تعديل الدستور سنة 1990 كانت السلطة الإجرائية تناط برئيس الجمهورية وهو يتولاها بمعاونة الوزراء، وفقاً لاحكام القانون".

ففي ظل هذه النصوص الواضحة، هل يمكننا الحديث عن فراغ في السلطة الإجرائية؟ هذا من الناحية الدستورية الصرف، بعيداً عن القراءة السياسية والتفسير غب الطلب لمضمون الدستور اللبناني، الذي استعر من خلال البدع الدستورية، التي طغت على "الكتاب" وروحيته. على شاكلة "الثلث المعطل"، او الزامية تشكيل حكومات وحدة وطنية.

فلا يمكن تصور أي دستور او أي نظام داخلي يشرّع للفراغ، ليترك الدولة عرضة للاهواء وتحت سيطرة السياسة المصلحية على روحية النص الدستوري. لا خلاف بأن لبنان يعاني على الاقل منذ 2005 من علة فحواها الاستخفاف بالدستور الذي لم يجرؤ احد حتى في ظل الحرب على التقليل من هيبته واحترامه، هكذا يكتسب مصطلح "رجل الدولة" رمزيته من خضوعه للشروط الدستورية في دولة "الحق والمؤسسات" التي يقوم جوهرها على خضوع الحاكم والمحكوم للقانون.

إن الدستور اللبناني ككل الدساتير عالج احتمال حدوث الفراغ في المؤسسات الدستورية، وهذا ما يؤكده نص المادتين 73 و74 منه. فالمادة 73 تنص على ما يلي "قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد.

وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس".

اما المادة 74 فتنص: "إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية دون ابطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية".

فالعبارتان "حكماً" و"فوراً بحكم القانون" تشيران الى عدم الخيار للمنوط بهم انتخاب الرئيس في الانتخاب من عدمه، فضلاً عن الزامية دعوة الهيئات الناخبة لتكوين السلطة التشريعية في حال كانت منحلة، ليجمتع المجلس المنتخب فوراً وبحكم القانون للشروع في انتخاب الرئيس.

تجدر الاشارة الى أن بعض فقهاء الدستور يتحدثون عن شغور وليس عن فراغ في حال خلو الرئاسة لأي علة كانت.

إن اتفاق الطائف وجد ليطبق، وبعدها نحكم عليه ونسعى لتطويره باتجاه دولة المواطنة. لا نريد شيئاً كلبنانيين، سوى احترام الدستور وتطبيقه.

MISS 3