رفيق خوري

لبنان محشور بين خريطتي طريق

8 كانون الأول 2021

02 : 00

ليس في المنطقة والعالم من يجهل خطورة أن تستفرد إيران بلبنان. لكن إستعادة الوزن الوطني والتوازن في الأدوار محكومة بالحاجة الى تكامل دورين: دور عربي ودولي ودور لبناني. فأي دور عربي ودولي من دون دور لبناني لا يكفي. وأي دور لبناني من دون دور عربي ودولي لا يكفي. ومن هنا تبدأ القراءة في ما خرج من محادثات جدة بين الرئيس الفرنسي الحامل هم لبنان إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. فالقراءة في الجزء المتعلق بالوطن الصغير في البيان الفرنسي - السعودي تبقى ناقصة من دون رؤية الصورة الكاملة للموقف من مسائل المنطقة. وما طلبه البيان منا هو ما يحتاج إليه لبنان وما يطلبه معظم اللبنانيين ويطلبه العرب والأميركيون والروس والصينيون والأوروبيون وصندوق النقد والبنك الدوليان والمجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة. غير أن الكل يعرف لماذا بدا تنفيذ المطالب لإنقاذ بلد ينهار كأنه مهمة مستحيلة.

ذلك أن مجلس الوزراء المعطل بـ"فيتو"من "الثنائي الشيعي"، والمشلول بالخلافات ولو اجتمع، هو "الممثل الشرعي" للمأزق اللبناني وأطرافه، لا صاحب المخرج منه. والعجز عن تنفيذ المطلوب في البيان المشترك كامل الأوصاف. الطرف الضعيف في السلطة لا يستطيع ولو أراد. والطرف القوي لا يريد ولا يستطيع ولو أراد تكتيكياً. القوى خارج السلطة تريد، لكنها تعمل بالمفرق وتمنعها حساباتها الشخصية والفئوية من تشكيل جبهة موحدة في مواجهة جبهة متراصة تتحكم بالسلطة والبلد بقيادة "حزب الله". والقوى العربية والدولية والأمم المتحدة التي تطالب من زمان قبل البيان المشترك بالتطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمم 1559و 1680و 1701 ليست مستعدة لأكثر من دعم قوات "اليونيفيل" التي تواجه مهمتها المتاعب والمصاعب.

وإذا كان ما رسمه البيان المشترك هو خريطة طريق، فإن لبنان في الواقع محشور بين خريطتي طريق: خريطة باريس - الرياض، التي لا يمكن للبلد حالياً السير على طريقها الى النهاية، وإن حاول تطبيق السهل والممكن منها. وخريطة طهران التي يرفض السير على طريقها، وإن أوحى "حزب الله" أن التطورات الإقليمية ستأخذه نهائياً الى "محور الممانعة". فـ "حزب الله" لا يمكن أن يتخلى عن السلاح ولو في إطار إستراتيجية دفاعية، لأن المهمة الأساسية له ولسلاحه هي العمل للمشروع الإقليمي الإيراني. أما مهمة الرد على الخطر الإسرائيلي، فإن كثيرين يرون أن السلاح في حد ذاته من مصادر الخطر. وأما دوره الإقليمي المشكو منه عربياً ودولياً وفي الداخل، فإنه واحد من أسباب وجوده.

وخصوم "حزب الله" في الداخل والخارج لا يجهلون مخاطر إستعمال القوة لنزع السلاح. حتى التوصل الى تسوية للصراع العربي - الإسرائيلي، فإنها لن تقود الى التخلي عن سلاح هو عملياً سلاح "جيش المهدي".

ما نخشاه بعد الجهد الذي قام به ماكرون وفتح نافذة فرصة هو أن ينطبق علينا القول الشهير: "عندما تريد السماء معاقبتنا، فإنها تستجيب صلواتنا".


MISS 3