نبيلة رامداني

اليميني المتطرّف إيريك زيمور... رئيس فرنسا المقبل؟

13 كانون الأول 2021

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

أعلن إيريك زيمور ترشّحه كي يصبح رئيس فرنسا السادس والعشرين، مستعملاً خليطاً من مشاعر الحنين والاستفزاز اللاذع. ظهر هذا الصحافيّ الهجوميّ في فيديو عبر الإنترنت في 30 تشرين الثاني وكرّر دعوة الجنرال شارل ديغول إلى "حمل السلاح" في حزيران 1940. كان ديغول يدعو حينها إلى مقاومة المحتلّين النازيّين خلال الحرب العالميّة الثانية، لكن يقول زيمور اليوم إنه يريد "إنقاذ" فرنسا من آفة الهجرة والليبراليّة القائمة منذ عقود.

على غرار ديغول، تكلم زيمور أمام ميكروفون وحاول أن يظهر بصورة رجل الدولة تزامناً مع عرض مشاهد لفرنسا الأسطورية (إنها صورة نظيفة وجميلة ومليئة برموز فرنسية مهمة، بدءاً من جان دارك وصولاً إلى إديث بياف) تليها صور جمهورية متهالكة تجتاحها فوضى عنيفة. يستفيد الشعبويون المثيرون للجدل دوماً من هذه المقارنات المبسّطة والسخيفة، ولا أحد يتفوق على إيريك جاستن ليون زيمور (63 عاماً) في هذا المجال اليوم.

أدلى زيمور بتلك التعليقات على قناة CNews التلفزيونية حيث كان يعلّق على شؤون البلد في مساء كل يوم من الأسبوع. سبق واتُّهِم مرتَين بالتحريض على الكراهية العنصرية والدينية. قد يكون نشر مفهوم الذنب الجماعي ركيزة أساسية لخطابات زيمور السامة.

يزعم زيمور أن فرنسا "يجتاحها" مهاجرون ذوو بشرة داكنة من الدول المسلمة، مع أنه ينحدر في الأصل من عائلة جزائرية أمازيغية. يعتبر زيمور نفسه يهودياً، مع أن أسوأ مواقفه الخادعة تتعلق بالنظرية القائلة إن نظام فرنسا الفيشية خلال الحرب العالمية الثانية لم يتعاون مع النازيين لارتكاب محرقة اليهود، بل إنه يقول إن رئيس حكومة فيشي، الماريشال فيليب بيتان، هو الذي "حمى اليهود الفرنسيين".

هذه الأكاذيب التاريخية المريعة قادت زيمور إلى المحكمة في العام 2020 بتهمة التشكيك بجريمة ضد الإنسانية. لكنه استعمل كلمات مخادعة لتجنب إدانته ("هذا الموضوع ليس من اختصاصي، وأنا لم أدرسه بنفسي")، ثم تمّت تبرئته في هذه القضية في شهر شباط الماضي.

في غضون ذلك فشل زيمور، وهو رجل متزوج وأب لثلاثة أولاد، في محاولاته القانونية لمنع الكشف عن علاقته السرية مع مديرة حملته سارة كنافو (28 عاماً). يقال إن الثنائي ينتظر طفلاً في شهر نيسان، أي في الفترة التي يأمل فيها زيمور أن ينافس إيمانويل ماكرون على رئاسة فرنسا.

لا أحد يستطيع التأكيد على السبب الذي أوصل زيمور إلى هذه المكانة الاستثنائية، لكن أصبحت العوامل التي تفيده واضحة. تبدو فرنسا اليوم منقسمة جداً، وقد وصلت ثقة الرأي العام بالسياسيين الفاسدين والنظام الحزبي المنقسم إلى أدنى مستوياتها.

من المعروف أن زيمور يتطرق في كتاباته إلى تفاصيل الحروب الثقافية التي تشكّل سبباً دائماً للانقسام في المجتمع الفرنسي. سواء كان يناقش موضوع العلمانية أو الانتماء العرقي أو الهوية أو أي مسائل أخرى ذات صلة، دائماً ما يستعمل قوة سامة أمام ملايين المشاهدين في وقت الذروة على التلفزيون. خطاب الكراهية له رواج كبير في فرنسا، وتميل وسائل الإعلام الاستغلالية إلى تأييد شخصيات صدامية مثل زيمور.

تغلّب ماكرون، الوجه السياسي الجديد والمستقل، على هذا النوع من التطرف في العام 2017 وفاز في الانتخابات الرئاسية في تلك السنة وطرح نفسه كوسطي معتدل يهتمّ بالسياسة المالية أكثر من خطاب الكراهية والانقسامات. لكن منذ ذلك الحين، حاول ماكرون استرضاء معسكر اليمين عبر فرض سياسات معادية للمسلمين وقمع موجات الهجرة. لكنه لا يزال يحاول طرح نفسه كمسؤول براغماتي يريد مصالحة الأطراف المتناحرة.

في المقابل، يعارض زيمور المعايير التقليدية على طريقة دونالد ترامب. لقد شجّع على تداول هذه المقارنة التي تجمعه مع الرئيس الأميركي السابق عبر تصميم غلاف كتابه الجديد بطريقة شبه مطابقة لكتاب ترامب Great Again (كيفية جعل أميركا عظيمة مرة أخرى) من العام 2015. يقف زيمور أمام العلم الوطني ويزعم أنه يستطيع استرجاع عظمة بلده رغم انتشار اليأس منذ عقود. كذلك، تحمل تجمعاته الحزبية طابعاً مبهرجاً على غرار ترامب. حتى أنه واجه مثله تُهَماً بالاعتداء الجنسي على النساء لكنه يرفض التعليق على هذا الموضوع.

تعلّم زيمور في مدرسة يهودية خاصة في "درانسي"، إحدى ضواحي باريس التي كانت تشمل سابقاً معسكراً نازياً لليهود، علماً أن معظمهم سيقوا إلى معسكر "أوشفيتز" بالقطارات. لا تزال بقايا معسكر "درانسي" في مكانها، وهذا ما يجعل مواقف زيمور التي تنكر مسؤولية فرنسا الفيشية أكثر إثارة للصدمة. في المرحلة اللاحقة، قصد زيمور "معهد الدراسات السياسية في باريس" لإكمال دراسته الجامعية، لكنه فشل لاحقاً في دخول "المدرسة الوطنية للإدارة" النخبوية التي تُعتبر عموماً الكلية التي ينهي فيها قادة مستقبليون من أمثال ماكرون تحصيلهم العلمي.

بلغت شعبية زيمور مستويات قياسية في آخر سنتين نتيجة إطلالاته الليلية على قناة CNews في باريس. لطالما كان واحداً من ضيوف قلائل في البرنامج المسائي Face à l’Info (في مواجهة الصحافة) حيث سُمِح له بالتكلم عن كل ما يريده. تلاحقت الانتقادات بشأن تطرف زيمور، لكنها لم تنجح في تخفيض نسبة مشاهدة البرنامج. وعندما قال ما لا يجرؤ أحد على قوله، مُنِع من الظهور على الهواء طوال أيام تزامناً مع إجراء تحقيق ظاهري حول تُهَم مزعومة، لكنه كان يعود إلى الشاشة دوماً. ثم أُجبِر زيمور على الانسحاب من البرنامج رسمياً بقرار من هيئة تنظيم التلفزيون في شهر أيلول الماضي في خضم المساعي لمراقبة البث المخصص للمرشحين المحتملين.

تعددت المواضيع الشائكة التي تمّت مناقشتها على قناة CNews، منها الثقافة الاجتماعية المعاصرة، والماركسية، وحركة #أنا_أيضاً المناهضة للتحرش الجنسي، وحقوق المثليين. تأسّف زيمور أيضاً لزوال فرنسا المسيحية القوية والمحصّنة ولم يكف عن مهاجمة الإسلام. اقتنص زيمور جميع الفرص لنشر شعور الذنب الجماعي وسط مسلمي فرنسا (حوالى 6 ملايين نسمة) على خلفية الجرائم التي يرتكبها المجرمون المتطرفون أو التنظيمات الإرهابية الخارجية. ثم وُجِد مذنباً بتهمة "استهداف المسلمين ككل" بعدما أعلن أن "جميع المسلمين، سواء اعترفوا بذلك أو لم يفعلوا"، يعتبرون الإرهابيين الجهاديين "مسلمين صالحين".

من بين النظريات الفكرية الزائفة التي يطرحها زيمور، تبرز نظرية "الاستبدال العظيم" التي تزعم أن المهاجرين إلى أوروبا من الدول الأفريقية والعربية ينجبون الأولاد أكثر من السكان الأصليين البيض وبوتيرة أسرع بكثير، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى استبدال أبناء البلد والهيمنة على المجتمع.

ظهرت فكرة "الاستبدال العظيم" للمرة الأولى في كتابThe Great Replacement، في العام 2011، بقلم رينو كامو، وهو فرنسي قومي متطرف آخر، ويرتبط هذا المفهوم منذ ذلك الحين بعدد من المسلحين القتلة المؤمنين بتفوق أصحاب البشرة البيضاء.

في العام 2018، حين غيّرت مارين لوبان اسم حزبها الذي أسّسه والدها، كانت تأمل في تحسين صورتها أمام الرأي العام. لقد اتخذت هذه الخطوة في المقام الأول لأسباب انتخابية: أدركت لوبان أن جذب الناخبين الوسطيين المعتدلين ضروري لاكتساب سلطة حقيقية. لكنّ ذلك الاعتدال الظاهري الذي يتزامن مع ترشّح زيمور الصاخب في مواقفه لم يُحسّن نسبة تأييدها في استطلاعات الرأي.

تحصل الانتخابات الرئاسية في فرنسا خلال جولتَين حيث يتواجه المرشحان الأوفر حظاً بعد مرور أسبوعين إذا لم يفز أيٌّ منهما بأغلبية مطلقة خلال الجولة الأولى. وفق استطلاع أجرته صحيفةLe Figaro وقناةLCI في شهر تشرين الأول، قد يحصد زيمور 17% من الأصوات خلال الجولة الأولى، متفوقاً بذلك على لوبان (16%) بفارق ضئيل. هذه النتيجة ستسمح لزيمور بمواجهة ماكرون الذي سيحصد 25% من الأصوات خلال الجولة الأولى وفق الاستطلاع نفسه.

لكن قد تكون التُهَم المرتبطة بارتكاب اعتداءات جنسية من العوامل التي تُهدد نجاح زيمور. تراجعت نسبة تأييده المتوقعة في الجولة الأولى إلى 13% وفق استطلاعات الرأي المنشورة في بداية كانون الأول، مقابل 20% لمارين لوبان و24% لماكرون.

خلال السنة الماضية، بدا وصول لوبان إلى الجولة الثانية شبه مضمون. لكن يبدو أن جزءاً كبيراً من الناخبين ذوي الميول اليمينية المتزايدة في فرنسا بات أكثر اهتماماً بمرشّح يستعمل أسلوب جان ماري لوبان، على غرار زيمور، بدل دعم مارين لوبان شخصياً. سبق وأعلن جان ماري لوبان أنه سيصوّت لصالح زيمور إذا تبيّن أن فرصة فوزه بالرئاسة تفوق حظوظ ابنته.

إلى جانب ناخبي حزب "التجمع الوطني"، سيحصد زيمور على الأرجح دعم حزب "الجمهوريون"، وهو الاسم الذي يحمله راهناً المحافظون الداعمون لحركة ديغول، فضلاً عن حزب نيكولا ساركوزي وفرانسوا فيون الذي اختار للمرة الأولى امرأة لتكون مرشّحته للرئاسة في العام 2022، وهي فاليري بيكريس. على غرار زيمور، يتوق الناخبون في هذه الأحزاب إلى استرجاع فرنسا الغابرة، حين كانت قوة استعمارية عظيمة كتلك التي ظهرت في فيديو حملته الانتخابية.

على صعيد آخر، تُعتبر النزعة الذكورية من الفضائل التي يؤيدها الفرنسيون الرجعيون. يمقت زيمور الحركة النسوية ويطمح للتحول إلى شخصية شبه استبدادية أخرى على طريقة ديغول أو نابليون بونابرت. قال زيمور قبل تجمّع حزبي في مدينة "ليون" في الشهر الماضي: "أنا أحترم نابليون وديغول وما فعلاه لفرنسا. ماكرون يمثّل نوعاً مختلفاً جداً من الزعماء، لكنه سيكون آخر قائد من بين قادة كثيرين خذلوا فرنسا".

لكن لا يمكن اعتبار زيمور زعيماً قوياً. بل إنه مجرّد نتاج لحملات دعائية واسعة: هو يبرع بكل بساطة في جمع نصوص هجومية وكتبٍ على شكل مقالات.

هل يستطيع زيمور إذاً أن يكسب السلطة السياسية التي يصبو إليها الآن؟ في ظل زيادة الانقسامات في معسكر اليمين (بين زيمور ولوبان وحزب "الجمهوريون")، أصبح فوز ماكرون بولاية ثانية رهاناً شبه مؤكد، حتى الآن على الأقل، وفق جميع استطلاعات الرأي. وعلى غرار جان ماري ومارين لوبان اللذين خاضا المواجهة الرئاسية ضد مرشّحين معتدلين، يستطيع زيمور أن ينشر الأحقاد في هذه المرحلة. تتماشى مواصفاته مع نظام التصويت الممتد على جولتَين في فرنسا، حيث يستعمل جزء كبير من الناخبين الجولة الأولى للاحتجاج على المعايير التقليدية السائدة قبل أن تطغى عليهم نزعتهم البراغماتية في الجولة الثانية ويقرروا التصدي للمتطرفين.

لكن بغض النظر عما سيحصل في نيسان المقبل، سيحتفظ زيمور بقاعدة كبيرة من الناخبين في بلدٍ تتزايد فيه شعبية اليمين المتطرف بكل وضوح. من المتوقع أيضاً أن تتابع خطاباته الهجومية المتلفزة تأجيج الجدل والانقسامات بين الناخبين. وحتى لو حقّق ماكرون فوزاً متوقعاً آخر، سيبقى فكر زيمور الخطير مرادفاً للخطاب السياسي الطاغي في فرنسا.


MISS 3