خالد أبو شقرا

المؤامرة لتقويض دعائم الوطن متواصلة بخطط خارجية وأدوات تنفيذ محلية أمعنت طويلاً في الهدر والفساد

بناء المؤسسات "اللبنة" الأولى في إستعادة عافية الإقتصاد

14 كانون الأول 2021

02 : 01

فساد أركان المنظومة أهدى إسرائيل خدمة مجانية من خلال تقويض دور لبنان المصرفي (رمزي الحاج)
للفساد في لبنان وجوه عدّة، أقلّها خطورة قد يكون "مدّ اليد" إلى المال العام، فيما أعظمها شأناً يتمثّل في تقويض دور المؤسّسات. فإن كان بالإمكان تعويض ما ضاع على الصفقات العموميّة والهدر والسمسرات و"لحس الإصبع"، فإنّه من الصعب إعادة بناء مراكز القرار بعد الإمعان في تفريغها من أهدافها.






"يأتي في مقدمة هذه المؤسسات "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" الذي حَصرت السلطة دوره في إبداء الرأي بما يحال اليه من مشاريع، من دون أن تكون قراراته ملزمة للمقررين في السلطة التنفيذية. مع العلم أن هذا المجلس يمثل الأكثرية الساحقة من مكونات المجتمع، ويضم العمال وأرباب العمل والخبراء والأكاديميين وممثلي الصروح التربوية ومختلف القطاعات الخدماتية والاجتماعية"، يقول الرئيس الفخري للاتحاد الدولي لخبراء المحاسبة الناطقين بالفرنسية FIDEF والنقيب السابق لخبراء المحاسبة المجازين في لبنان وائل أبو شقرا. و"عليه فإن أولى خطوات معالجة الأزمة تكون باعطاء المجلس السلطة التقريرية في الخطط لانها تصدر عن ممثلين ضالعين بأوجاع المواطنين وحاجاتهم".

توسيع صلاحيّات المجلس الاقتصادي والاجتماعي

وهذا لن يتحقق برأي أبو شقرا "ما لم يعطَ المجلس صلاحيات موسعة تشكل منهجية لمسار اقتصادي ومالي واجتماعي سليم. ومن هذه الصلاحيات:

- إعداد مشاريع الخطط الإنمائية، والمشاركة في وضع موازناتها التي تراعي الحاجة المحلية والترابط الاقليمي والتطور الدولي. والاحتمالات المرتقبة لزيادة عدد السكان والحاجات الاجتماعية، بما يؤمن تفعيل القدرات واستمرار العمل والتعاون بين القطاعات الاقتصادية وإسهام الواحدة في إنماء الأخرى.

- إعداد الدراسات والبرامج لعملية التكامل الاقتصادي المحلي، وتجميع الكتل الاقتصادية في سبيل بناء الاقتصاد القومي. وتعزيز قدرة الدولة على تحمل الأعباء ودعم النقد الوطني، واختيار الأولويات في المشروعات وفقاً للحاجة ولمتطلبات الركائز الاقتصادية.

- الاستفادة من الخبرات والقدرات البشرية ونشر المشاريع في الأرياف، وإيجاد فرص العمل، وتعزيز الدورة الحياتية على كامل الاراضي اللبنانية.

- إقتراح النظم الاقتصادية والمالية والمحاسبية التي تعزز تطور القطاعات الاقتصادية وتؤمن استمراريتها، وتكامل بنيتها وتوفر فرص العمل.

- إعداد الدراسات والمشاركة في تنظيم وتعديل الاتفاقيات التجارية المحلية والعربية والدولية وأنظمة النقل والترانزيت.

- إعداد الدراسات من أجل إقامة المشاريع العامة والمختلطة، وتوجيه الاستثمارات نحوها وتقديم الاستشارة وابداء الرأي حول كافة المشاريع التي تحال على "المجلس".

- العمل على ايجاد المناخات لاستقطاب الاستثمارات من خلال تكثيف النشاطات المشتركة وعقد المؤتمرات والندوات المالية والمشاركة بمثيلاتها العربية والدولية.

- الاشتراك في إعداد الانظمة الضريبية واقتراح التشريعات المتطورة بشأنها وتعديل القوانين الحالية.

- العمل على انشاء مركز إحصائي للمعلومات المالية والاقتصادية من شأنه دعم مركز لبنان المالي والاقتصادي بقطاعاته المختلفة.

- إجراء الرقابة للتأكد من سلامة مسار قيام المشاريع وفقاً للدراسات المعدة والغايات التي قامت من أجلها، مع صلاحية توقيف تلك المشاريع من متابعة عملها لمدة أسبوع وإحالتها إلى المراجع المختصة لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها في حال خروجها عن أهدافها وغاياتها.

الخطة الآنية

تعزيز دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي يُعتبر، برأي أبو شقرا، "ضرورة لبناء لبنان المستقبلي بغض النظر عن الحالة التي يمر بها البلد". إلا أن الواقع الراهن يتطلب العمل بشكل مواز من وجهة نظره على خطتين متوازيتين: واحدة آنية سريعة، تمهّد المسار إلى خطة مستقبلية تنموية وإنتاجية.

إن الخطة الآنية المتبعة الآن قائمة على سياسة الاستدانة. ونحن بحاجة اليها لسداد العجز الحاصل. خاصة على صعيد الدولة. إنما هذا المسار المتبع حالياً يفتقر كلياً إلى ربط الاستدانة بخطة مستقبلية. حيث تصبح هذه السياسة عاجزة عن تحقيق أي فائدة للخطة المستقبلية التنموية، وتبقى سياسة الاستدانة قائمة والعجز على زيادة. الأمر الذي من شأنه مضاعفة الدين بشكل خطير، ما يؤدي إلى الدمار الكامل. وعليه يرى أبو شقرا انه "من الضروري الإسراع في جمع الأرقام الدقيقة عن العجز المالي، والمرتقب والأرقام التي من شأنها إظهار الأوضاع المالية على اختلافها، كي تتمكن الدولة من وضع الخطة المشار إليها بالتفصيل، باعتبارها الأكثر معرفة بالوضع المالي الحالي، توصلاً لتحقيق خطة آنية صالحة تضمن نجاح أي مشروع يعد لانقاذ الوضع المالي والاقتصادي. مع الاشارة إلى أننا حتى تاريخه لم نر مصدراً واحداً، أو مركزاً احصائياً يستطيع إعداد خطة ناجحة تعكس واقعاً يمكّن أيضاً من اعداد سياسة المداخيل بدلاً من سياسة الاستدانة.

إنطلاقاً من هنا على الخطة الآنية من وجهة نظر أبو شقرا تحديد أماكن الهدر والفساد والإسراع في القضاء عليها. تحديد الرقم الحقيقي والفعلي للعجز. تحديد سياسة الاستدانة والحاجة اليها بعد الوقوف على توقعات للمردود السريع الذي يتم التوصل اليه في مكافحة الهدر والفساد. جدولة الديون والالتزام بتسديد الاقساط في مواعيدها ضمن الخطتين الآنية والمستقبلية. رعاية المسيرة البيئية وتحديداً لناحية معالجة النفايات والصرف الصحي. العناية الفائقة بالمشاريع الزراعية وتأمين مستلزمات تنفيذها. إضافة لمشاريع تصنيع الانتاج الزراعي والامكانات متوفرة ضماناً لانجاحها واستمراريتها. وبالطبع التأكيد على تعديل مهام المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

الخطة التنموية

الخطة المستقبلية التنموية الانتاجية تعنى بالمشاريع التجارية والصناعية والسياحية والاقتصادية والمالية والتقنيات الحديثة... وسواها، التي تقوم بها الدولة والقطاع الخاص. والتي ترتكز على إعداد المعلومات والاحصاءات المتوفرة لدى الدولة. وهي تُظهر بوضوح مراكز الانتاج الجارية على ملكيتها من أراض ومؤسسات وخلافه. هذا المسار الواجب تحقيقه لا يقف في وجهه، من وجهة نظر أبو شقرا، "أي عائق، إلا الفساد القائم وعدم محاربته، أو عدم التفكير ببناء قطاعات اقتصادية ومالية تحقق اقتصاداً قومياً يحمي الدول وابناءها من العثرات والتدهور. باعتبار أن ما هو متبع اليوم ليس إلا سياسة بناء إقتصاد أفراد، لا بل أفراد أغنياء وتجاهل ما يعرف باقتصاد قومي يحمي الوطن ويحقق رفاهية الشعب والحياة الكريمة". على أن مصادر الانتاج كثيرة وأهمّها طاقات اللبنانيين في الداخل والخارج. كما أن الخطة المستقبلية تعنى أيضاً، برأي أبو شقرا بـ"توفر فرص إعادة تنشيط المتبقي من المؤسسات الصناعية الحالية، وإعادة إحياء المتعثر من بينها. واعتماد سياسة الدمج بين المؤسسات المتشابهة في أهدافها ونشاطاتها، توصلاً لاطلاق مؤسسات ناشطة وداعمة للقطاعات الاقتصادية والمالية والتجارية والصناعية والسياحية، وقيام صناعات جديدة مواكبة للتطور والحاجة. وما هو مطلوب للاكتفاء الذاتي، وبشكل خاص على الصعيد الغذائي والصحي والتربوي".

أبو شقرا الذي ينطلق من مقولة "ما أقرب الأمس إلى اليوم"، عندما يتصفح كتبه التي لخصت الواقع المأزوم في سبعينات وثمانينات وحتى تسعينات القرن الماضي، يعتبر أن المستفيد الأكبر من انهيار لبنان هي اسرائيل. فلبنان على صغر حجمه وتواضع امكاناته يشكل التهديد الاكبر لها، ذلك أنه يتناقض مع نظامها العنصري، ويشكل المنافس الأكبر لها. ولا سيما على صعيد الدور المالي في المنطقة، الذي لم يكتمل. متذكراً نداءه بتاريخ 15/11/1978 الذي أورده في كتابه "النقيب أبو شقرا يتذكر مهنة خبراء المحاسبة في لبنان"، والذي جاء في حرفيته: "المؤامرة متواصلة تهدف إلى دك الاقتصاد ودعائمه المتمثلة بقدرات أبنائه وتهجيرهم عن أرضهم وامتصاص امكاناتهم منعاً لقيام اقتصاد لبناني مستقبلي. وبالتالي القضاء على مقومات الدولة". وهذا ما تتمّ برهنته اليوم حرفياً.