"الحلم الكردي"... من التهميش إلى إدارة ذاتيّة مهدّدة

09 : 44

أعلن الأكراد النظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم في آذار 2016

أقام أكراد سوريا، الذين يتعرّضون لهجوم عسكري تركي، إدارة ذاتيّة في الأراضي التي يُسيطرون عليها في الشمال وتُشكّل نحو ثلاثين في المئة من مساحة البلاد، ضمنها حقول غاز ونفط مهمّة وأراض زراعيّة شاسعة. ويُشكّل الأكراد الموجودون بشكل رئيسي في شمال سوريا، نحو 15 في المئة من إجمالي السكّان. وفي أعقاب إحصاء مثير للجدل جرى في العام 1962، سُحبت الجنسيّة من عدد كبير من الأكراد، الذين عانوا إثر ذلك عقوداً من التهميش والاضطهاد من جانب الحكومات السوريّة المتعاقبة، فحرموا من تعليم لغتهم والاحتفال بأعيادهم وممارسة تقاليدهم.

وعند اندلاع النزاع في سوريا العام 2011، تبنّى معظم الأكراد موقفاً محايداً ولم يدخلوا في صدامات مع قوّات النظام، الأمر الذي جعلهم عرضة لانتقاد المعارضة السوريّة السياسيّة والمقاتلة، التي أخذت عليهم عدم محاربتهم قوّات النظام. وفي محاولة لكسب ودّهم، بادر الرئيس السوري بشار الأسد في بداية النزاع إلى منح الجنسيّة لـ300 ألف كردي، بعد انتظار استمرّ نصف قرن.

وانسحبت قوّات النظام في العام 2012 تدريجيّاً من المناطق ذات الغالبيّة الكرديّة في شمال وشمال شرقي سوريا. واعتُبر هذا الانسحاب أنّه يهدف بشكل أساسي إلى تشجيع الأكراد على عدم التحالف مع الفصائل المسلّحة. وفي العام 2013، أعلن الأكراد، وعلى رأسهم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، الذي تُعدّ "وحدات حماية الشعب" جناحه العسكري، إقامة إدارة ذاتيّة في مناطق سيطرتهم. وتسلّموا المؤسّسات في هذه المناطق، وأعادوا إحياء لغتهم وتراثهم. وأعلن الأكراد النظام الفدرالي في آذار 2016 في مناطق سيطرتهم التي قسّموها إلى ثلاثة أقاليم، هي الجزيرة (محافظة الحسكة، شمال شرق) والفرات (شمال وسط، تضمّ أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة) وعفرين (شمال غرب، تقع في محافظة حلب). وأثار هذا الاعلان، بحكم الأمر الواقع، غضب المعارضة وتركيا، التي تخشى إقامة حكم ذاتي كردي على حدودها على غرار إقليم كردستان العراق.

وأقرّ الأكراد دستوراً في أواخر العام 2016، أطلقوا عليه تسمية "العقد الاجتماعي" لتنظيم شؤون المنطقة. وانتخب سكّان المناطق الكرديّة مجالس بلديّة في أيلول 2017. ومنذ العام 2014، تحوّلت الوحدات الكرديّة إلى أبرز القوى المحاربة لتنظيم "داعش" الإرهابي، وبدأت تلقي الدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة. وطرد الأكراد في مطلع العام 2015 وبدعم من التحالف الدولي، "داعش" من مدينة كوباني (عين العرب) على الحدود التركيّة، بعد أكثر من أربعة أشهر من المعارك الضارية.

وانضمّوا إلى تحالف فصائل كرديّة وسريانيّة وعربيّة مدعوم من التحالف الدولي، أطلق عليه اسم "قوّات سوريا الديموقراطيّة" (قسد)، في تشرين الثاني 2015. وتلقّت "قسد"، التي تُهيمن عليها "وحدات حماية الشعب"، مساعدة كبيرة من واشنطن في مجال الأسلحة والتدريب، هذا فضلاً عن الدعم الجوّي. ومذّاك، تمكّنوا من طرد الجهاديين من مناطق واسعة من شمال وشمال شرقي البلاد، بينها مدينة منبج في العام 2016 ومدينة الرقة، معقل التنظيم الإرهابي الأبرز سابقاً، في العام 2017.

وأعلنت "قوّات سوريا الديموقراطيّة" في 23 آذار 2019، "القضاء التام" على "خلافة" تنظيم "داعش" مع سقوط الباغوز، آخر معاقل التنظيم المتطرّف. وأعلن التحالف الدولي بقيادة واشنطن في 14 كانون الثاني 2018، عزمه على تشكيل قوّة أمنيّة حدوديّة في شمال سوريا، قوامها 30 ألف عنصر، نصفهم تقريباً من عناصر "قوّات سوريا الديموقراطيّة". لكن أنقرة تعتبر حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي و"وحدات حماية الشعب"، امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي يخوض تمرّداً ضدّها منذ عقود في جنوب شرقي تركيا.

وشنّت تركيا حملة عسكريّة في شمال سوريا في آب 2016، ضدّ الجهاديين والمقاتلين الأكراد. كما أطلقت في 20 كانون الثاني 2018 هجوماً برّياً وجوّياً تحت تسمية "غصن الزيتون"، أوضحت أنّه يستهدف الوحدات الكرديّة في منطقة عفرين في شمال محافظة حلب. ودعا الأكراد وقتها دمشق إلى التدخل لمنع الهجوم التركي، متمسّكين في الوقت عينه برفضهم عودة المؤسّسات الحكوميّة إلى عفرين. وبعد معارك طاحنة، سيطرت تركيا على المنطقة في 18 آذار.

وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب الجيش الأميركي من سوريا، في أواخر العام 2018، من دون أن يتمّ ذلك على أرض الواقع. وحذّر الأكراد من أنّهم لن يكونوا قادرين على قتال الجهاديين إذا اضطرّوا إلى خوض معارك ضدّ تركيا، التي كانت تُهدّد مراراً بشنّ هجوم ضدّ "وحدات حماية الشعب". لكن واشنطن أكّدت في السادس من تشرين الأوّل 2019، أن القوّات الأميركيّة ستنسحب من الحدود مع تركيا لأنّ الأخيرة ستقوم بعمليّة مخطّط لها منذ فترة طويلة في شمال البلاد، والتي انطلقت بالفعل بالأمس.


MISS 3