كمية أوكسجين كافية على سطح القمر لإبقاء المليارات على قيد الحياة طوال 100 ألف سنة!

02 : 00

إلى جانب التطورات الحاصلة في مجال استكشاف الفضاء، لاحظنا حديثاً زيادة الأموال والفترات الزمنية المخصصة للاستثمار في التقنيات القادرة على استعمال الموارد الفضائية بأعلى درجات الفعالية. في طليعة هذه الاستثمارات، زاد التركيز على إيجاد أفضل طريقة لإنتاج الأوكسجين على سطح القمر.

في شهر تشرين الأول، وقّعت "وكالة الفضاء الأسترالية" ووكالة "ناسا" على اتفاق لإرسال مركبة أسترالية الصنع إلى القمر في إطار برنامج "أرتيمس" لجمع الصخور القمرية التي تستطيع في نهاية المطاف توفير أوكسجين قابل للتنفس على سطح القمر.

يشمل القمر غلافاً جوياً خاصاً به، لكنه رقيق جداً ويتألف في معظمه من الهيدروجين والنيون والآرغون. هذا الخليط الغازي ليس من النوع الذي يحافظ على حياة الثدييات التي تحتاج إلى الأوكسجين، مثل البشر.

عملياً، ترتفع كمية الأوكسجين الموجودة على سطح القمر لكنها ليست من النوع الغازي. بل إنها عالقة داخل الثرى (طبقة من التراب الناعم والصخور التي تغطي سطح القمر).

إذا نجحنا في استخراج الأوكسجين من الثرى، هل ستكون الكمية كافية للحفاظ على حياة البشر على القمر؟

سعة الأكسجين

يمكن إيجاد الأوكسجين في عدد كبير من المعادن في التربة من حولنا. ويتألف القمر في معظمه من الصخور الموجودة على كوكب الأرض (لكن تكون كمية المواد المشتقة من النيازك أكبر بقليل هناك).

تطغى معادن مثل السيليكا والألومنيوم والحديد وأكسيد المغنيسيوم على سطح القمر. وتحتوي هذه المعادن كلها على الأوكسجين، لكنه ليس من النوع الذي تستطيع رئة البشر الوصول إليه.

على سطح القمر، تظهر هذه المعادن بأشكال مختلفة، منها الصخر الصلب، والغبار، والحصى، والحجارة التي تغطي مساحة السطح. تشتق هذه المواد من تأثير النيازك التي اصطدمت بسطح القمر على مر آلاف السنين.

يسمّي البعض طبقة القمر السطحية "التربة" القمرية، لكن يتردد علماء التربة في استعمال هذا المصطلح. تكون التربة التي نعرفها عبارة عن مادة سحرية لا يمكن إيجادها إلا على كوكب الأرض. هي تشتق من مجموعة كائنات واسعة تؤثر على مواد التربة الأساسية (تنبثق الثرى مثلاً من الصخور الصلبة) على مر ملايين السنين.

نتيجةً لذلك، نشأت مصفوفة من المعادن التي لم تكن موجودة في الصخور الأصلية. تتّسم التربة على كوكب الأرض بمجموعة كبيرة من الخصائص المادية والكيماوية والبيولوجية اللافتة. في الوقت نفسه، تكون المواد الموجودة على سطح القمر عبارة عن طبقة الثرى بشكلها الأصلي وغير المُعدّل.

تتألف الثرى على سطح القمر من 45% من الأوكسجين تقريباً. لكن يتّصل ذلك الأوكسجين بالمعادن الآنف ذكرها. لتفكيك تلك الروابط القوية، لا بد من استعمال الطاقة المناسبة.

قد تكون هذه العملية مألوفة بالنسبة إلى جميع المطّلعين على التحليل الكهربائي. على كوكب الأرض، تُعتبر هذه العملية شائعة في قطاع التصنيع، فهي ضرورية مثلاً لإنتاج الألومنيوم. يمرّ تيار كهربائي عبر شكلٍ سائل من أوكسيد الألومنيوم عن طريق الأقطاب الكهربائية لفصل الألومنيوم عن الأوكسجين.

في هذه الحالة، يظهر الأوكسجين على شكل ناتج ثانوي. على سطح القمر، يكون الأوكسجين المنتج الأساسي وقد يصبح الألومنيوم المستخرج (أو معدن آخر) ناتجاً ثانوياً مفيداً.

إنها عملية مباشرة، لكنها تستنزف نسبة كبيرة من الطاقة. لضمان استمرار هذه العملية، تبرز الحاجة إلى استعمال الطاقة الشمسية أو مصادر طاقة أخرى يمكن إيجادها على سطح القمر.

على صعيد آخر، يتطلب استخراج الأوكسجين من الثرى معدات صناعية فاعلة. يجب أن نُحوّل أوكسيد المعدن الصلب إلى شكلٍ سائل أولاً، ويمكن فعل ذلك عبر استعمال الحرارة وحدها أو مع مذيبات أو شوارد.

نحن نملك التكنولوجيا اللازمة لفعل ذلك على كوكب الأرض، لكن يصعب نقل هذا الجهاز إلى القمر وإنتاج طاقة كافية لتشغيله.

في وقتٍ سابق من هذه السنة، أعلنت الشركة البلجيكية الناشئة Space Applications Services عن بنائها ثلاثة مفاعلات تجريبية لتحسين إنتاج الأوكسجين عبر التحليل الكهربائي. يتوقع المسؤولون في الشركة إرسال التكنولوجيا إلى القمر بحلول العام 2025 كجزءٍ من مهمة "استخدام الموارد في الموقع" التي أطلقتها وكالة الفضاء الأوروبية.

ما هي كمية الأوكسجين المحتملة على القمر؟

حين تنجح هذه العملية، ما هي كمية الأوكسجين التي يستطيع القمر إنتاجها؟ يبدو أنها كمية وافرة!

إذا تجاهلنا الأكسجين القابع في أعمق مواد الصخور الصلبة على القمر واكتفينا بتقييم طبقة الثرى التي يسهل الوصول إليها على السطح، يمكننا التوصّل إلى بعض التقديرات.

يحتوي كل متر مكعب من طبقة الثرى القمرية على 1.4 طن من المعادن تقريباً، وتشمل هذه الكمية حوالى 630 كيلوغراماً من الأوكسجين. وفق مصادر وكالة "ناسا"، يحتاج البشر إلى تنشّق 800 غرام من الأكسجين يومياً للبقاء على قيد الحياة، ما يعني أن الإنسان قد يبقى حياً طوال سنتين تقريباً إذا وصلت تلك الكمية إلى 630 كيلوغراماً. لنفترض الآن أن متوسط عمق الثرى على القمر يبلغ 10 أمتار تقريباً وأننا نستطيع استخراج كامل كمية الأوكسجين منها. يعني ذلك أن أعلى عشرة أمتار على سطح القمر ستوفّر كمية كافية من الأكسجين لجميع سكان الأرض (8 ملايين نسمة) طوال 100 ألف سنة.

تتوقف هذه العملية أيضاً على طريقة استخراج الأكسجين واستعماله. ومع ذلك، يُعتبر هذا الرقم المتوقع مدهشاً!

في مطلق الأحوال، تبقى الكميات الموجودة على الأرض كبيرة ويجب أن نبذل قصارى جهدنا لحماية كوكبنا الذي يضمن استمرار الحياة من دون تكبّد أي عناء.