ديمتري تريني

العلاقات بين روسيا والهند...من إعادة النظر إلى التعديل ثم التحديث

16 كانون الأول 2021

المصدر: The Moscow Times

02 : 01

تضع استراتيجية الأمن القومي الروسية التي صدرت في تموز 2021 العلاقات مع نيودلهي في خانة "الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمميزة"، وتناقشها في المقطع المخصص للعلاقات الروسية ـ الصينية. في الوقت نفسه، ثمة كيمياء واضحة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

بدأت المسائل تتراكم على جبهات عدة، وهي تتطلب من القيادتَين الهندية والروسية إعادة النظر بالعلاقة القائمة وتعديلها وتحديثها كي تتماشى مع ظروف القرن الواحد والعشرين. من الناحية الجيوسياسية العالمية، تتعلق المسألة الأساسية بزيادة روابط موسكو ونيودلهي اليوم بقوتَين منافستَين عظميين: الصين والولايات المتحدة.

يمكن وضع العلاقات الهندية مع الصين غداة الاشتباكات الحدودية في الهيمالايا في العام 2020، والعلاقات الروسية مع الولايات المتحدة منذ أزمة أوكرانيا في العام 2014، في خانة المواجهة. في ظل زيادة التقارب بين أفضل الأصدقاء وأسوأ الأعداء، تقضي أبرز مهمة هندية وروسية بحماية الشراكة الاستراتيجية بينهما من الظروف العالمية المعاكسة والحفاظ على ثقة متبادلة.

على مستوى الاقتصاد الجغرافي، ورغم استمرار التعاون في مجالات تتراوح بين الطاقة النووية والفضاء الخارجي ومنطقة القطب الشمالي، ولا ننسى تطوير الأسلحة وإنتاجها، تتعلق أوضح نقطة ضعف في العلاقات الهندية الروسية بتراجع حجم التجارة وجمودها.

تتابع النُخَب الروسية الراهنة التركيز على أوروبا ولا تستطيع تخصيص وقت طويل للهند. يسهل على المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة في روسيا أن تتعامل مع الصين أكثر من الهند، ويتراجع الوجود الإعلامي الروسي في الهند وتكتفي وسائل الإعلام أصلاً بتفسير السياسات الهندية للجمهور المحلي، ولا يعرف الرأي العام الروسي معلومات كثيرة عن أحداث الهند. تحسّنت حركة السياحة والتواصل الثقافي بين البلدين في السنوات الأخيرة، لكن جاء وباء كورونا ليكبح هذه النزعة.

في المقابل، تميل النُخَب الهندية إلى التركيز على الغرب أيضاً. لكنها تُركّز على الولايات المتحدة تحديداً، على عكس روسيا. هي تريد أن تصبح جزءاً من النخبة العالمية، فلا تعطي الأولوية لروسيا ويبقى اهتمامها بها ضئيلاً. حتى أن وسائل الإعلام الهندية لا تُشغّل أي مراسلين في روسيا. لتغطية الأخبار الروسية، يتكل المحررون الهنود عموماً على التقارير والتحليلات الغربية، لا سيما الأميركية والبريطانية منها، وهي جهات تنتقد السياسات الروسية بقوة. كذلك، تتراجع الروابط بين قطاع التكنولوجيا الناشط في الهند وروسيا.

هذه المشاكل كلها أكبر من أن تُعالَج خلال زيارة رئاسية واحدة وقصيرة. لكن لا يمكن تجاهلها إذا أراد الطرفان أن تستمر الشراكة الاستراتيجية بين الهند وروسيا خلال العقد المقبل.

يجب أن يتراجع الروس للحظة ويقرروا ما يريدونه من علاقتهم مع الهند، ويُحددوا الفرص والعوائق في هذه العلاقة، ويتخذوا الخطوات اللازمة لتحقيق أهدافهم. في هذا السياق، يجب أن ترتكز مقاربة روسية أساسية على إعادة النظر بالعلاقة القائمة وتعديلها وتحديثها.

أولاً، تعني إعادة النظر بالعلاقة الثنائية التعامل مع الهند وفق مكانتها الحقيقية ووجهتها المحتملة. برأي عدد كبير من المسؤولين في أوساط النخبة الروسية، لا تزال الهند دولة من العالم الثالث. لكن يغفل هذا المعسكر بكل وضوح عن النجاح الاقتصادي والتكنولوجي المبهر الذي حققته الهند في آخر ثلاثة عقود. لهذا السبب، يجب ألا تتوقع روسيا من جارتها الكبيرة في أوراسيا أن تتصرف كدولة غير منحازة ومنشغلة بشؤونها الداخلية، ما يعني أن تبقى بعيدة عن الأضواء في علاقاتها الدولية وتتصرف كقوة متوسطة.

يجب أن يعترف الروس إذاً بمكانة الهند الجديدة، والصورة التي تحملها عن نفسها كقوة عظمى، وتركيزها على النمو الاقتصادي السريع، وطموحها بالتحول إلى قوة اقتصادية عالمية ورائدة في مجال التقنيات المعاصرة. ويجب أن يفهموا أيضاً الأسباب الأساسية وراء تقرّب الهند المتزايد من الولايات المتحدة وعدائيتها المتوسعة تجاه الصين.

ثانياً، يعني تعديل العلاقة الثنائية مراعاة هذه الوقائع كلها عند تطوير استراتيجية روسيا تجاه الهند. يجب أن ترتكز هذه الشراكة على المساواة بين الطرفين، ما يعني أن تتخلى موسكو عن مواقفها الفوقية السابقة تجاه نظرائها الهنود.

كذلك، يجب أن يفهم الروس أن أفكار نيودلهي ترتبط بمصادر وأهداف تختلف عن استراتيجية واشنطن. ترتكز استراتيجية الهند الجديدة على نزعة منطقية إلى متابعة "سياسة التطلع شرقاً". تستطيع موسكو إذاً أن تزيد ثقتها المتبادلة مع نيودلهي عبر تبديد المخاوف الهندية المرتبطة بعلاقات روسيا الاستراتيجية مع الصين وتعاونها الظرفي مع باكستان.

يُفترض أن تعزز موسكو تواصلها مع نيودلهي تزامناً مع طرح مفهوم توسيع الشراكة في أوراسيا. سيكون الحفاظ على شراكات استراتيجية مع الهند والصين في آن، على مستويات ثنائية وثلاثية، عاملاً أساسياً لضمان استقرار جيوسياسي عام في أوراسيا. لا تطمح روسيا إلى الهيمنة على أوراسيا الكبرى ولا تملك الموارد اللازمة لفعل ذلك أصلاً، لكنها قد تؤدي دوراً محورياً للحفاظ على التوازن في المنطقة وتتطلب هذه العملية تفاهماً واضحاً بين روسيا والهند والصين.

في غضون ذلك، يجب أن تحافظ روسيا على واقعيتها عند التعامل مع شركائها وعلاقاتها المعقدة، فتُسهّل مسبقاً الجهود الرامية إلى تحسين التفاهم بين نيودلهي وبكين وتعزيز التفاعلات الإيجابية بين القوى العظمى الثلاث. سيكون هذا التفاعل ضرورياً أيضاً للتواصل مع "رابطة أمم جنوب شرق آسيا"، وهو جانب أساسي من الشراكة الكبرى في أوراسيا. كذلك، يُعتبر هذا العامل أكثر أهمية من غيره لتحويل "منظمة شنغهاي للتعاون" إلى منصة حوار في أنحاء القارة.

قد تستفيد موسكو من توثيق علاقتها مع نيودلهي لأن هذه الخطوة تسمح لها بالتحاور مع واشنطن وطوكيو بطريقة براغماتية حول مسائل أوراسيا ومنطقة المحيطَين الهندي والهادئ، علماً أن هذه المسائل ترتبط بنيودلهي أيضاً عن طريق الحوار الأمني الرباعي. ومثلما تعتبر الهند الشراكة بين روسيا والصين مفيدة للتحكم بعلاقتها مع بكين، تستطيع موسكو أن تستعمل علاقتها الوثيقة مع نيودلهي لزيادة ثقلها الدبلوماسي في الأجندة المرتبطة بمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ.

قد تكون الهند مفيدة في هذا المجال تحديداً، فهي تهتم بتحسين العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. على المستوى العالمي، ستستفيد روسيا من تكثيف التفاعلات مع الهند داخل مجموعة "البريكس" وفي الأمم المتحدة أيضاً.

في عدد من المسائل الإقليمية، بدءاً من أفغانستان وصولاً إلى منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموماً، يجب أن يتم التعامل مع الهند باعتبارها محاوِرة أساسية وشريكة روسيا المميزة. يُفترض ألا تُهمَّش نيودلهي مجدداً لأي سبب، كما كان يحصل خلال النقاشات حول أفغانستان سابقاً. قد تفتح المسائل العالمية الجديدة (انتشار الأوبئة، التغير المناخي، نقل الطاقة...) مجالات واسعة ومستحدثة لتعزيز التعاون بين روسيا والهند، مع أنها تتطلب أولاً معالجة الخلافات بحذر.

قد يسمح التواصل المبكر بين الطرفين بتفوّق عوامل التعاون على المنافسة وتسهيل طرح مقاربة منسّقة لمعالجة المسائل التي تحتل أهمية كبرى على مستوى العالم اليوم.

أخيراً، يعني تحديث العلاقة الثنائية بين روسيا والهند رفع مستواها ووضعها بمصاف شراكة موسكو الاستراتيجية الأخرى مع الصين. لا يعني ذلك أن تشبه الروابط بين موسكو ونيودلهي تلك التي تجمع روسيا ببكين. تبقى هاتان العلاقتان مختلفتَين جداً، ويختلف السياق العام الذي يتحكم بكل علاقة منهما. لكن تبرز الحاجة إلى استكشاف الفرص الاقتصادية واستغلالها، علماً أن العلاقات مع الهند ستبقى أقل مستوى من الروابط التي تجمع البلد مع الصين من دون تلك الفرص.

سبق وانطلقت محاولات عدة لتوسيع العلاقات الاقتصادية بين الهند وروسيا، لكن بقي التقدم في هذا الاتجاه بطيئاً على نحو مؤلم.

ارتكزت معظم هذه الجهود على مسار مدروس لإبرام عقود بين الحكومات، ويجب ألا يتخلى أحد عن هذه المقاربة. تبرز فرصة مهمة اليوم لتعميق التعاون العسكري التكنولوجي. طوال عقود، كانت روسيا أهم جهة تزوّد الجيش الهندي بالأسلحة. أما الهند، فهي جدّية في تطبيق نموذج "صُنِع في الهند" ويمكنها أن تقدّم امتيازات كثيرة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، لا سيما في قطاع المعلومات.

تتعدد الأمثلة على حصول تجارب ناجحة لتطوير وإنتاج أسلحة روسية هندية، على غرار صاروخ "براهموس". مقارنةً بمنتجي الأسلحة الأخرى، تبدو روسيا أكثر مرونة في استعدادها للتعاون مع الآخرين. إنه أفضل مسار مرتقب على الأرجح.

لكن يجب أن يحافظ الجميع على واقعيتهم. حتى الآن، لا يُكَمّل الاقتصادان الهندي والروسي بعضهما بقدر اقتصادَي الصين وروسيا. لا يبدي الروس والهنود اهتماماً كبيراً بقطاع الأعمال في البلد الآخر نظراً إلى تراجع الفرص المفيدة هناك برأي كل فريق منهما.

لا يمكن تغيير هذا الوضع من دون بذل جهود مشتركة في مجال التفكير الإبداعي. يجب أن يطلق الزعيمان بوتين ومودي خلال لقائهما القادم هذا النوع من الجهود عبر المطالبة بإجراء تحليل عميق لمجالات التعاون المحتملة قبيل اجتماعهما السنوي المقبل.


MISS 3