جاد حداد

Metallica Through the Never... بين السخافة والمتعة!

11 تشرين الأول 2019

01 : 29

فرقة "ميتاليكا" غير معتادة على الأشياء البسيطة! أغانيها عبارة عن أصوات صاخبة ومتواصلة، وتصل مدة كل أغنية أحياناً إلى 8 أو 9 دقائق. لا عجب إذاً في أن يكون الفيلم الذي يعرض حفلة موسيقية مباشرة بتقنية ثلاثية الأبعاد، Metallica: Through the Never (ميتاليكا: نحو المستحيل) للمخرج نيمرود أنتال، عرضاً ضخماً مبنياً على الواقع الافتراضي. إنه عمل سخيف وترفيهي في آن. حتى أننا قد نشعر بسخافته ومتعته في اللحظة نفسها! ابتكر الموسيقيون (المغني الرئيسي وعازف الغيتار جيمس هيتفيلد، وعازف الغيتار الرئيسي كيرك هاميت، وعازف الدرامز لارس أولريتش، وعازف القيثارة روبرت تروجيلو) مفهوماً معيناً وأعطوه طابعاً شخصياً يعرفه المعجبون القدامى بفرقة "ميتاليكا". تشمل الحفلة الموسيقية في الفيلم أضواء الليزر، ودائرة "تيسلا" الكهربائية لإطلاق الومضات في الهواء، وتمثالاً ضخماً لـ"سيدة العدل" يتفكك حول أعضاء الفرقة، وصلباناً بيضاء تظهر من أسفل المسرح، وثلجاً جافاً... في غضون ذلك، تبدأ قصة خيالية تزامناً مع الحفلة الموسيقية: يتم إرسال "تريب" (داين ديهان)، مسؤول تقني شاب، في مهمة لإيجاد حقيبة تحتاج إليها الفرقة. يتنقل الفيلم بين الحفل الموسيقي ومغامرة "تريب".

صُوّر الحفل في حلبة "ريكسال بلايس" في "إدمونتون"، ألبيرتا. يبدو المسرح ضخماً ويتخذ شكل صليب، ووُضِع الدرامز الذي يعزف عليه لارس أولريتش في طرف الموقع. يستطيع الشبان الثلاثة الآخرون أن يتحركوا بكل حرية ويلتقون أحياناً، لكنهم يقابلون بعضهم البعض في معظم الأوقات ويتواصلون مع حشود المعجبين الصاخبين. استُعمِلت 24 كاميرا، ويستخدم المصور السينمائي غيولا بادوس لقطات مقرّبة لدرجة أن نشعر بالعرق المتناثر من شعر تروجيلو الطويل حين يحرك رأسه، كما أنه يُبعِد الكاميرا بما يكفي لنشاهد الجو العام وحجم الجمهور الحاضر. يتجمع المعجبون في مساحة ضيقة ويدفعون الحواجز بالقرب من المسرح ويلوحون بأيديهم في الهواء. نتيجة هذه الأجواء كلها، لا مفر من أن نشعر سريعاً بأننا جزء من ذلك الحفل.


بعيداً عن أجواء الحفل، نتابع محاولة "تريب" إيجاد حقيبة مفقودة. يبدو هذا القسم من القصة غير مؤثر في البداية لأن الحفل ممتع لدرجة أنه لا نرغب في مغادرته. لكن يتحسن الوضع مع تقدم الأحداث، وتترك هذه الحبكة أثراً عاطفياً صادماً في اللقطات الأخيرة من الفيلم. في التفصيل، ينطلق "تريب" في شاحنة صغيرة ومهترئة للبحث عن تلك الحقيبة. ثم نشعر فجأةً بأن الحضارة انهارت، فنشاهد سيارات محروقة ومواجهات بين شرطة مكافحة الشغب والعصابات. يُعلَّق الناس من أعمدة الإنارة وتتدلى أجسامهم في الهواء. يجد "تريب" نفسه في مواجهة العصابة وحده. يظهر راكب خيل وهو يحمل مطرقة عملاقة ويضع قناعاً واقياً من الغاز ويبدأ بمطاردته. يتعرض "تريب" للضرب وإضرام النار والجرّ وراء حصان وتطارده العصابات في أزقة مظلمة. ما هو الغرض الذي تحتاج إليه فرقة "ميتاليكا" من تلك الحقيبة؟ إذا شاهدتَ يوماً أعمال هيتشكوك، ستدرك أن هذه المعلومة غير مهمة. ترتبط هذه المشاهد كلها بلائحة أغاني "ميتاليكا" في الحفل، وهي نتاج 30 سنة من العمل في هذا القطاع. لكن لا تخلو حياة الموسيقيين من الهموم. حتى قصص أغانيهم قاتمة. يعكس نضال "تريب" للبقاء على قيد الحياة في عالم عنيف وبائس أبرز المواضيع في أغاني "ميتاليكا"، لكنه يعبّر أيضاً عن طبيعة الموسيقى المطروحة. تتسم موسيقى "ميتاليكا" بسرعة إيقاعها وعدائيتها وبراعتها. يظهر "تريب" الذي يؤدي دوره داين ديهان كشاب هزيل بجينز أسود وسترة رياضية، ويضطرب حين يضطر لمواجهة قوى أكبر منه. هو ليس قوياً من الناحية الجسدية ويشعر بأنه منبوذ. على صعيد آخر، قد يكون جيمس هيتفيلد الأفضل في مجال الروك، فيرتدي ملابس سوداء قاتمة ويضع حزاماً من الرصاص ويتجول على المسرح وكأنه ملك المكان، لكنه لا يزال يتعاطف مع أشخاص مثل "تريب" ومع جميع المنبوذين وأطفال العالم الخائفين. يمثّل "تريب" الأولاد الذين لا يتأقلمون مع محيطهم ويشعرون بالخوف والعجز ويجدون القوة في موسيقى تشبه ما تقدّمه "ميتاليكا". تتخذ القصة بعداً أعمق حين يتّضح أن أعضاء الفرقة يشبهون معجبيهم لأنهم نسخة عما كانوا عليه سابقاً. تُعتبر لقطات الجمهور في الحفل من أفضل لحظات الفيلم. رغم المؤثرات المبهرة التي يقدمهاMetallica Through the Never والمواجهات العنيفة التي يخوضها "تريب" المسكين، يختصر مشهد معجبٍ عاري الصدر وهو يرفع ذراعيه مبتهجاً فحوى الفيلم والفرقة. إذا أردنا اقتباس كلمات أشهر أغاني "ميتاليكا"، يمكن القول إن هذه الذكرى وحدها باقية!