"تسريبات بريكست" تُكهرب الأجواء بين لندن وبروكسل

02 : 19

يُتّهم جونسون بصبّ الزيت على النار في ملف "بريكست" (أ ف ب)

في خضمّ تصاعد التوترات بين المملكة المتّحدة والاتحاد الأوروربي في شأن "بريكست"، يُتّهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من قبل سياسيين ومراقبين، بصبّ الزيت على النار من خلال انتهاج "خطاب مزدوج" مع تسريبات منظّمة جدّاً لأغراض انتخابيّة. ويبذل الزعيم المحافظ الجهود كافة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 تشرين الأوّل مع اتفاق، لكنّه مستعدّ لخوض غمار "بريكست" من دون اتفاق، في حال عدم التوصّل إلى تسوية استناداً إلى الخطّة التي أرسلها إلى الأوروبّيين الأسبوع الماضي. لكن وفق التسريبات التي كشفها مكتبه للإعلام، لا تفضي المفاوضات الحاليّة مع بروكسل إلى نتيجة، بسبب تعنّت الأوروبّيين وفي مقدّمهم ألمانيا وإيرلندا.

والأجواء المشحونة أصلاً مع اقتراب استحقاق "بريكست"، إزدادت توتراً بعد كشف هذه التسريبات على مرحلتَيْن، إذ اتّهم مصدر في رسالة نصيّة طويلة نشرت مساء الإثنين على موقع مجلّة "ذا سبيكتايتور" المحافظ والمشكك بأوروبا، رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فارادكار، بالتخلّي عن وعود سابقة حول القسم الأصعب في المفاوضات، وهي الحدود الإيرلنديّة. والنصّ الذي نشرته المجلّة ذهب إلى حدّ التهديد بالثأر من الدول التي تسعى إلى منع جونسون من الخروج من الاتحاد الأوروبي في 31 من الجاري كما وعد، ما أثار انتقادات حتّى داخل الحكومة. وبعد ساعات، بات المشهد مختلفاً تماماً واللهجة أقلّ حدّة في التقرير الرسمي للمحادثة الهاتفيّة بين جونسون وفارادكار، الذي أكّد أن المسؤولين "شدّدا بقوّة على الرغبة في التوصّل إلى اتفاق".

ورأى بعض المتابعين للقضيّة، بصمة مستشار جونسون الخاص المثير للجدل دومينيك كامينغز، الذي كان وراء فوز الـ"نعم" في الاستفتاء حول "بريكست" في 2016. أمّا بعد الاتصال الهاتفي الصعب بين جونسون والمستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل الثلثاء، يبدو أن التقرير الذي نشرته مصادر مجهولة ووسائل إعلام بريطانيّة، خرق البروتوكول الديبلوماسي المتّبع من خلال كشف تصريحات ميركل المتّهمة بتشديد موقفها، ما جعل التوصّل إلى اتفاق "شبه مستحيل". وشدّد مكتب ميركل على أن موقفها لم يتغيّر، في حين أكّد ديبلوماسيّون أوروبّيون على الفارق بين مقاربة الاتحاد الأوروبي الشفافة وتلك الغامضة التي تنتهجها لندن، فيما اتهم رئيس مجلس أوروبا دونالد توسك، المعروف بصراحته، جونسون، بلعب "لعبة اللوم السخيفة التي تُهدّد مستقبل أوروبا".

واعتُبرت هذه التسريبات بأنّها تندرج ضمن خطّة منظّمة حيال إمكانيّة فشل المفاوضات الجارية في بروكسل، التي باتت أكثر ترجيحاً، كما هناك الإنتخابات المبكرة في بريطانيا التي تلوح في الأفق. وفي حال العجز عن التوصّل إلى اتفاق في 19 من الجاري، سيُرغم جونسون نظريّاً على الطلب من القادة الأوروبّيين الـ27 تأجيلاً بموجب قانون تبنّاه النوّاب البريطانيّون الشهر الماضي، لكن رئيس الوزراء البريطاني استبعد مراراً طلب تأجيل جديد، من دون أن يُفسّر أبداً كيف ينوي الالتفاف حول هذا القانون. ومع احتمال تنظيم انتخابات مبكرة، تعتبرها الطبقة السياسيّة محتّمة في الأشهر المقبلة، أصبحت اهتمامات بعض السياسيين البريطانيين في التحضير لها، ما دفع وزير الخارجيّة الإيرلندي سايمون كوفني إلى القول: "يبدو أن البعض في بريطانيا يولون أهمّية أكبر للتحضير للانتخابات التشريعيّة قبل البحث عن اتفاق".

وفي المحصّلة، أكّد مصدر في "10 داوننغ ستريت" لوكالة "فرانس برس" أن التشديد الناجم عن هذه التسريبات يندرج في إطار "استراتيجيّة متعمدة" لتحذير القادة الأوروبّيين، من أن الأمل في أن يُليّن جونسون موقفه، سيكون خطأً فادحاً في قراءة السياسة البريطانيّة. لكن مدير مركز الاصلاح الأوروبي تشارلز غرانت، رأى أن هذه اللهجة العدائيّة خاطئة، وقال: "هذا النوع من التهديدات العبثيّة لن تسمح بالحصول على ما تُريدون مع الاتحاد الأوروبي"، منتقداً خصوصاً التحذير الموجّه إلى الدول التي ستُوافق على تأجيل "بريكست"، بأنّ تعاونها مع بريطانيا، خصوصاً الأمني، سيتأثر.

وكان لافتاً إعلان جونسون وفارادكار أن بإمكانهما رؤية طريق نحو إبرام اتفاق محتمل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عقب اجتماع أزمة عقداه أمس. وقالا في بيان مشترك إنّهما "يُواصلان الاعتقاد بأنّه من مصلحة الجميع التوصّل إلى اتفاق". وأجرى الزعيمان وفق البيان، محادثات "مفصّلة ومعمّقة" في بيركنهيد خارج ليفربول في شمال غربي بريطانيا، "تركّزت حول التحدّيات الجمركيّة". ولفت البيان إلى أن فارادكار سيتشاور لاحقاً مع فريق العمل التابع للاتحاد الأوروبي، بينما سيلتقي وزير "بريكست" البريطاني ستيف باركلاي اليوم مع مفاوض الاتحاد الأوروبي لشؤون "بريكست" ميشال بارنييه.


MISS 3