فهد شاه

كشمير الجديدة... الحلم الضائع

23 كانون الأول 2021

المصدر: Foreign Affairs

02 : 01

في آب 2019، قررت الحكومة الهندية تغيير طبيعة علاقتها مع إقليم كشمير المتنازع عليه بطريقة جذرية، فألغت الأحكام الدستورية التي منحت المنطقة استقلالية محدودة طوال سبعين سنة تقريباً. بشخطة قلم، لم تعد كشمير ولاية داخل الهند بل أصبحت "منطقة اتحادية" تحكمها نيودلهي مباشرةً. حاول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الاستخفاف بالأبعاد الإيديولوجية لهذه الخطوة، فطرح رؤية معينة لإنشاء "كشمير الجديدة" التي تكون مزدهرة وسلمية وأكثر ارتباطاً بالهند، وشدّد على تدفق الاستثمارات المرتقبة إلى المنطقة، ما يسمح بخلق فرص عمل جديدة وتقليص فئة الشباب المستاء الذي يميل إلى الانضمام إلى جماعات مسلّحة. ادّعى مودي أن خطوته الجريئة ستنهي عقوداً من الإدارة الهندية غير الفعالة وتُمهّد لاندماج كشمير مع الهند.

بعد مرور سنتين على ذلك القرار، يبدو هذا الحلم مجرّد وهم. فقد زادت العدائية في كشمير تجاه الهند بسبب سياسات حكومة مودي المبنية على الإكراه وحملات القمع ضد المعارضين. كذلك، توسعت النشاطات المسلّحة بعد انضمام مجندين جدد إلى المتمردين وتصاعدت الاعتداءات في السنة الأخيرة. في غضون ذلك، لا يزال اقتصاد المنطقة في حالة سيئة. باختصار، يبدو المشهد السائد في كشمير اليوم معاكساً للرؤية التي طرحها مودي أمام العالم.

أدى خضوع كشمير لحُكم نيودلهي مباشرةً وغياب أي حكومة محلية مُنتخَبة إلى انتشار مظاهر الاستياء وسوء الإدارة. يتولى البيروقراطيون وكبار المسؤولين من خارج كشمير الشؤون اليومية في الإقليم، فيستبعدون السكان المحليين من مناصب كثيرة في الإدارات ووكالات إنفاذ القانون. كذلك، أكد الامتناع عن تنظيم انتخابات محلية على الفكرة الشائعة وسط الكشميريين حول خضوعهم لحُكم بلا توافق. ورغم وعود نيودلهي الكثيرة، لا تزال الانتخابات بعيدة المنال في ظل العملية التي أطلقتها الحكومة لإعادة تحديد الدوائر السياسية، إذ يظن النقاد أن هذه المحاولة تهدف في الأساس إلى ترجيح الكفة الانتخابية في كشمير لصالح "حزب بهاراتيا جاناتا" الحاكم.

برّرت حكومة مودي قرار تجريد كشمير من استقلاليتها مُعتبرةً هذه الخطوة أساسية لتأمين الاستثمارات وفرص العمل عبر تسهيل دخول الشركات الهندية إلى هذه المنطقة. لكن لم يتحقق شيء من هذه الوعود بعد، بل تدهور الاقتصاد المحلي بدرجة إضافية غداة أشهر من القيود وقطع الاتصالات بعد آب 2019، ثم انتشر وباء كورونا وفُرِضت تدابير الإقفال التام. في تموز 2019، قبل شهر على قرار مودي، بلغت نسبة البطالة في كشمير 16.3%. لكنها تصل اليوم إلى 21.4%، وهي أعلى نسبة مقارنةً بجميع الولايات والأقاليم الاتحادية في الهند وتفوق المتوسط الوطني الذي يبلغ 7.4% بأشواط. بين آب 2019 وتموز 2020، تكبّدت المنطقة أيضاً خسائر اقتصادية بقيمة 5.3 مليارات دولار. كذلك، سعت حكومة مودي إلى تشجيع المزيد من الهنود على الانتقال إلى كشمير، لكن أثبتت هذه الجهود فشلها حتى الآن.

على صعيد آخر، يبدو أن عدداً من القوانين التي جرى تمريرها منذ أن أصبحت كشمير إقليماً اتحادياً يُهدّد طابع المنطقة ذات الأغلبية المسلمة. بعدما أقدمت الحكومة على إلغاء المادة 35أ، مرّرت قانوناً جديداً يسمح الآن لجميع من أقاموا في الإقليم طوال 15 سنة بنيل الإقامة الدائمة. في السابق، كانت الأحكام القانونية التي تمنح كشمير استقلالية نسبية تمنع غير الكشميريين من الاستقرار في المنطقة. أقرّت الحكومة أيضاً أكثر من 890 قانوناً فدرالياً خاصاً بهذا الإقليم، وتستطيع السلطات بموجبها أن تستولي على أي منطقة لاستعمالها لأغراض صناعية أو عامة أو كي تستخدمها القوات المسلحة.

ثم نشرت الحكومة مخاوف إضافية بعدما شجّع المسؤولون الأقلية الهندوسية في كشمير على المطالبة بتعويضات عن الأملاك التي خسرتها خلال الاضطرابات في أواخر الثمانينات والتسعينات، وحاولوا تحريض غير الكشميريين على الانتقال إلى كشمير، وبدأوا ينقلون أراضي الغابات إلى القوات المسلحة. هذه التدابير أجّجت المخاوف وسط الكشميريين من إصرار الحكومة الهندية على تغيير التركيبة السكانية في المنطقة. كذلك، حذّرت الجماعات المسلحة من تكثيف اعتداءاتها إذا بدأ الدخلاء يقيمون في كشمير، ثم راحوا ينفذون وعودهم المريعة في الأشهر الأخيرة.

كان تجريد كشمير من استقلاليتها كفيلاً بتحريك المسلحين، فظهرت جماعات جديدة وتجددت أعمال العنف. ارتفع عدد المجندين في الجماعات المسلحة بين العامين 2019 و2020 بنسبة 22%.

في تشرين الأول 2019، أعلنت جماعة جديدة اسمها "جبهة المقاومة" عن وصولها إلى الإقليم عبر إطلاق هجوم بقنبلة يدوية في عاصمة المدينة "سريناغار". أصدرت الجماعة منذ ذلك الحين تحذيرات إضافية ونفذت اعتداءات عدة. أعلنت "جبهة المقاومة" ما يلي: "كل هندي يأتي للاستقرار في كشمير لن يُعامَل كشخصٍ مدني بل سيتم التعامل معه بالشكل المناسب". أقدمت الجماعات المسلّحة على قتل ثمانية أشخاص من خارج كشمير في آخر شهرَين. يظن عدد كبير من الخبراء أن المتمردين في كشمير يستوحون نشاطاتهم أيضاً من طريقة استيلاء "طالبان" على أفغانستان في شهر آب الماضي. قال مسؤول أمني رفض الإفصاح عن هويته إن كشمير ستتأثر بانتصار "طالبان" على المدى الطويل عبر تأجيج مظاهر التشدد.

تواجه قوات الحكومة من جهتها تُهَماً متواصلة بانتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك قتل المدنيين وفبركة الاشتباكات المعروفة في الهند باسم "المواجهات الوهمية"، حيث تحاول السلطات اعتبار مقتل المدنيين أو المسلحين المُشتبه بهم جزءاً من تبادل إطلاق النار. في آخر سنتَين، دفنت السلطات جثث المسلحين المقتولين في مناطق نائية وجبلية، فمنعت العائلات من دفن أقاربها. يزعم المسؤولون أن مخاطر فيروس كورونا تزيد التهديدات المطروحة على الصحة العامة خلال التجمعات الواسعة في الجنازات، لكن تهدف هذه الخطوة على ما يبدو إلى منع الاحتجاجات العامة، وقد أدت إلى نتائج عكسية وزادت مستوى السخط بين الناس.

في حادثة بارزة في كانون الأول 2020، سيقت جثة مراهق قيل إنه قُتِل خلال تبادل إطلاق النار بين قوى الأمن والمسلحين إلى مكان بعيد لدفنها. لكن أنكر والد الفتى مزاعم الحكومة التي ادّعت أن ابنه كان مسلّحاً وطالب بإعادة جثته واحتفظ بقبر فارغ في بلدته احتجاجاً على ما حصل. في المقابل، اتّهمت السلطات الأب بانتهاك قانون مكافحة الإرهاب الصارم الذي يَحِدّ من حرية التعبير ويمنع مظاهر المعارضة.

في الوقت نفسه، عمدت السلطات إلى قمع الموظفين في دوائر حكومية متنوعة على اعتبار أنهم نفذوا نشاطات غير وطنية، ما أدى إلى طرد مسؤولين لم يوافقوا على السياسات المتشددة الجديدة. كذلك، رفعت السلطات دعاوى ضد صحافيين وثّقوا انتهاكات حقوق الإنسان في كشمير واستجوبت وضايقت عشرات المراسلين العاملين مع وسائل إعلام محلية ودولية. في ظل هذه الأجواء المخيفة، فرضت وسائل الإعلام المحلية والوطنية مستوىً مرتفعاً من الرقابة على نفسها وباتت أكثر تردداً في التدقيق بممارسات قوى الأمن.

زاد الوضع سوءاً بسبب سياسات حكومة مودي الصارمة للتعامل مع الاضطرابات المتزايدة. يقول مسؤول بارز في الشرطة إن عدداً كبيراً من المسؤولين الأمنيين مقتنع بأن كشمير ستشهد انتفاضة مدنية في السنوات القليلة المقبلة. أدت هذه المخاوف إلى نشوء حلقة مفرغة مألوفة، فأجّجت حملات القمع العدائية مشاعر الغضب.

لطالما بالغت الحكومة الهندية في اتكالها على أعمال العنف لقمع الاضطرابات في كشمير، وقد شجّعت مقاربتها الصارمة تجاه المتمردين خلال التسعينات على نشوء حركة تمرّد أكثر وحشية في المرحلة اللاحقة. ثم أدى القمع إلى اندلاع انتفاضات مدنية كبرى في الأعوام 2008 و2010 و2016. لا يمكن إرساء السلام إذاً إلا عبر مقاربة تعطي الأولوية للتعاون وتمكين الكشميريين، لكن لم تقدّم حكومة مودي منافع كثيرة لكشمير بل اكتفت بمطالبتها بالرضوخ.

من الأفضل أن تتراجع الحكومة وتعترف بأن مقاربتها لم تُحقق نتائج ملموسة ميدانياً. لكن يبقى اهتمام حكومة مودي بكشمير سياسياً بطبيعته، ما يعني أنها تريد إقناع الرأي العام الهندي بأنها تتخذ خطوات جريئة ومدروسة. من وجهة نظر مودي، سيكون تعديل موقف الحكومة في كشمير كفيلاً بتضرّر مكانته في بقية البلد. وطالما تستمر هذه الحسابات السياسية، لن تتوقف الصراعات في كشمير.

لطالما أراد مودي وحزبه السياسي دمج كشمير مع الهند، لكن تغيرت الهند بحد ذاتها منذ وصوله إلى السلطة في العام 2014. خلال عهد مودي، لم يعد البلد يتقبّل الاختلافات الدينية بالقدر نفسه، ولم يعد يلتزم بقِيَمه التأسيسية المبنية على التعددية والعلمانية، بل أصبح أقل تسامحاً مع الجهات غير المستعدة لتقبّل الهند كوطن هندوسي وغير تعددي.

لا تزال وعود السلام والاستقرار التي أطلقها مودي ومساعدوه مجرّد حلمٍ بعيد المنال. حتى أن سكان كشمير قد يزدادون بُعداً عن الهند خلال السنوات المقبلة. لقد زاد التوتر أصلاً في علاقات الهند مع جارتها وعدوتها باكستان (طرف آخر من الصراع في كشمير) في آخر سنتَين. في ظل هذه الظروف ونظراً إلى غياب أي تواصل سلمي وفعال بين كشمير والحكومة الهندية، لا مفر من تصاعد أعمال العنف في المرحلة المقبلة.