هل يفوز ترودو في الانتخابات الكندية المقبلة؟

02 : 45

يقصد الكنديون هذا الشهر صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان ورئيس حكومة جديدَين. بدا هذا الاستحقاق هادئاً نسبياً قبل أن يضطرب الوضع غداة نشر صور قديمة لرئيس الحكومة الكندي جاستن ترودو حيث طلى وجهه باللون الأسود. أجبره هذا الحدث على تقديم اعتذار علني في الشهر الماضي، فقال: "لم أكن أعتبر هذا السلوك عنصرياً في تلك الفترة، لكني أعترف الآن بأنه كذلك، وأنا آسف جداً".

مع اقتراب يوم الانتخابات، نستعرض أهم إنجازات ترودو وإخفاقاته خلال وجوده في السلطة.

بدأ عهد ترودو في العام 2015، بعدما حقق حزبه نتيجة مفاجئة في الانتخابات الوطنية. كتب حينها مراسل صحيفة "فورين بوليسي"، ريد ستانديش، أن ذلك "الفوز صَدَم الكثيرين"، ويمكن اعتباره انتصاراً كبيراً للتقدميين الكنديين. لكنه ذكر أن تجدد هيمنة "الليبراليين" يرتبط بمعاداة آراء رئيس الوزراء السابق ستيفن هاربر بقدر ما ينجم عن حملة استراتيجية متقنة.




طرح ترودو أجندة ليبرالية واضحة جداً. يشير ريتشارد مايلز من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" إلى وعوده "بزيادة عجز الميزانية بمعدل 25 مليون دولار خلال السنوات الثلاث اللاحقة للاستثمار في البنى التحتية والطبقة الوسطى"، وتشريع الماريجوانا، واستقبال 25 ألف لاجئ سوري.

لكن برز تداخل معيّن بين وعود ترودو خلال حملته وسياسات حكومة هاربر المحافِظة، بحسب رأي الكاتب ماثيو بوندي. يستنتج هذا الأخير: "يدافع الطرفان عن روابط ثنائية قوية مع الولايات المتحدة، ويؤكدان ضرورة أن يكون خط أنابيب "كيستون إكس إل" جزءاً من تلك العلاقة. كلاهما يؤيد التجارة الحرة ويدعو إلى جعل الاعتبارات الإنسانية ركيزة للسياسة الخارجية الكندية، وذلك عبر مبادرات هاربر المرتبطة بصحة الأم أو عبر تعزيز أهداف التنمية التي طرحها ترودو".

في غضون ذلك، واجه رئيس الحكومة الجديد انتقادات مبكرة مفادها أن سياسته الليبرالية قد تكون ظاهرية وفارغة المضمون. حين استلمت الحكومة المتنوعة مهامها في تشرين الثاني 2015، تكلم الكاتب السياسي ميتشيل أندرسون عن "صعوبة متابعة الانتقاد أمام هذا المشهد القوي". لكنه لفت إلى ضرورة أن "يضمن التقدميون في كندا حصول تغيير حقيقي بدل الاكتفاء بالكلام". نتيجةً لذلك، "على الحكومة المرتقبة ألا توهم نفسها بأن ابتسامة النصر على وجه ترودو ستكون كافية في بلدٍ سئم السياسات التكتيكية والمصالح الحزبية الشخصية على مر سنوات طويلة".

في مجال السياسة المحلية، سارع ترودو إلى طمأنة منتقديه. فأعلن فوراً أن بلده سيبدأ استقبال عدد إضافي من اللاجئين السوريين، على أن يصل عددهم الإجمالي إلى 25 ألف لاجئ في شباط 2016. ولم يكتفِ بهذا التصريح، بل خطط أيضاً لمقابلتهم عند وصولهم وغيّر مسار السياسة المرتبطة بالتغير المناخي. يقول الكاتب أندرو نيكيفوروك إن رئيس الحكومة "أنهى الرقابة المفروضة على العلماء وأدى شخصياً دوراً بارزاً في مؤتمر التغير المناخي الأخير في باريس" (مع أنه لم يتوقف عن ترويج مشروع تطوير خطوط أنابيب تصدير النفط). في الوقت نفسه، ذكر روبي غرامر من "فورين بوليسي" أن ترودو اتخذ الخطوات اللازمة لتنفيذ وعده بتشريع الماريجوانا.


بدأ ترودو يترك بصمته في السياسة الخارجية الكندية أيضاً. كتب المُعلّق السياسي الكندي جي جي ماكولو أنه عقد اجتماعات ودّية مع الرئيس الأميركي باراك أوباما. لكن مع اقتراب موعد رحيل أوباما، بقيت تلك الصداقة قصيرة الأمد. حذر ماكولو في آذار 2016: "يبدو أن أحداً من خلفاء أوباما المحتملين لن يكون مقرباً من الزعيم الكندي. تبدو الفجوة التي تفصل بين رئيسة محتملة مثل هيلاري كلينتون والشاب ذات النزعة المثالية جاستن ترودو شاسعة، وسبق وأعلن رئيس الحكومة الكندي أصلاً أنه "يدين" نزعة دونالد ترامب القومية التي تبث الانقسامات".

حين فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، اضطربت العلاقات الأميركية الكندية. كتب الصحافي مايكل بيترو في تشرين الثاني 2016: "لا يمكن أن تكون الاختلافات بين الزعيمَين أكبر مما هي عليه". لكن بدل رفض التعاون مع ترامب، شجّع بيترو ترودو على رؤية الجانب الإيجابي من الوضع: "من المتوقع أن يُمهد عهد ترامب الرئاسي لتلميع صورة ترودو محلياً وعالمياً. سبق وأمضى رئيس الحكومة الكندي سنته الأولى وهو يحاول طرح نفسه كمدافع عن القيم الليبرالية والعولمة، ما سمح بتحسين مكانة كندا على الساحة الدولية".

بعد فترة قصيرة، اجتمع ترامب وترودو وكان اللقاء جيداً بما يكفي. كتب غرامر والمراسلة إيميلي تامكين: "أراد ترودو توجيه رسالة إلى إدارة ترامب على ما يبدو: "لن نقلل من احترام سياساتك حول الهجرة، مع أننا نعارضها، شرط ألا تقلل من احترامنا في القطاع التجاري". لكن سرعان ما أصبحت التجارة نقطة خلاف في هذه العلاقة الثنائية، فقد أصرت إدارة ترامب على إعادة التفاوض حول "اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية". فرض ترامب سريعاً رسوماً جمركية على منتجات الفولاذ والألمنيوم الكندية، ما دفع كريستيا فريلاند، وزيرة الخارجية في عهد ترودو، إلى التحذير من تجدد سياسة "الدولار مقابل الدولار". في غضون ذلك، تابعت إدارة ترامب لوم كندا على سياستها الحمائية التجارية في قطاع الحليب ومشتقاته. لم يكن هذا الموقف جزءاً من الأخبار المزيفة الشائعة وفق المحرر جوناثان كاي من مجلة "كييات": "هذا ما يحصل أحياناً في عالم السياسة: حتى أكثر السياسيين جهلاً قد يطرحون أفكاراً حكيمة عن طريق الخطأ. ربما لا يريد الكنديون الاعتراف بذلك... لكن هذا ما حصل مع هجوم ترامب على قطاع مشتقات الحليب الكندي".

في نهاية المطاف، توصّلت كندا والمكسيك والولايات المتحدة إلى اتفاق حول التجارة. يوضح كاي أن ذلك الاتفاق كان منطقياً جداً من الناحية الاستراتيجية بالنسبة إلى كندا، مع أن هذه الخطوة كانت لتنهي لحظات الهدوء التي عرفها ترودو منذ وصوله إلى السلطة.كتب كاي في العام 2018: "على مر أكثر من سنتين في الحكم، بدا وكأن حكومة ترودو تتحدى الجاذبية. لكن تبرز مؤشرات الآن الى عودتها أخيراً إلى أرض الواقع. تكشف استطلاعات جديدة أن نسبة تأييد الحكومة التي يقودها الحزب الليبرالي برئاسة ترودو تقتصر راهناً على 36%، وهي أدنى نسبة منذ انتخابات العام 2015، وأعلى بثلاث نقاط فقط من نتيجة المحافظين في معسكر المعارضة". تتعدد الأحداث التي أثارت الجدل وطرحت مشكلة، بدءاً من ظهور الزوجين ترودو في مهرجان للأزياء الهندية التقليدية خلال رحلة إلى الهند، مروراً بحضورهما عشاءً مع متطرف من الديانة السيخية، وصولاً إلى تدخل رئيس الحكومة الواضح في قضية مرتبطة بشركة الهندسة الكندية "إس إن سي – لافالين".

كان سقوط ترودو قوياً لكنه متوقع بدرجة معينة. في هذا السياق، يقول الكاتب ستيفن مارش إن نزعة رئيس الحكومة إلى التضحية بنفسه "تشتق من طريقة وصوله إلى السلطة، أي اتكاله على ادعاء الفضيلة ومواقع التواصل الاجتماعي. تترافق هذه التقنية السياسية مع كلفة محددة، فيضطر السياسي للظهور دوماً بصورة المثالي الذي لا يخطئ".

في بداية شهر تشرين الأول، قبل أسابيع من موعد الانتخابات الوطنية في كندا، تراجعت نِسَب تأييد ترودو أكثر من ترامب بعد نشر صوره بوجه أسود. فجأةً، بدأ الجميع يشكك بفرصة إعادة انتخابه. ولم يضطرب وضعه بسبب سلسلة المواقف المحرجة والفضائح فحسب، بل نتيجة إخفاقاته التشريعية أيضاً بحسب رأي الصحافي المستقل تشارلي ميتشيل: "أثار تشريع الحشيشة حماسة جيل الألفية. لكن اعتبرت هذه الفئة نفسها من الناخبين قراره بالتخلي عن الخطط المرتبطة بإقرار نظام انتخابي نسبي خيانة لهم. وبعد شرائه خط الأنابيب العابر للجبال من شركة "كيندر مورغان" مقابل 3.4 مليارات دولار تقريباً، لنقل النفط من ألبيرتا إلى كولومبيا البريطانية ومن هناك إلى الأسواق الدولية، ثارت حفيظة مناصري البيئة وجماعات السكان الأصليين لأن محمياتهم تَحِدّ مسار خط الأنابيب".لكنّ وضع خصوم ترودو في حزب المحافظين ليس أفضل بكثير. يوضح كاي: "بشكل عام، يبدو أننا نتجه إلى حملة انتخابية غير مسبوقة في تاريخ كندا من حيث الفراغ الفكري. إنه مجرّد سباق على حصد الإعجابات على مواقع التواصل الاجتماعي". في ظل تراجع مستوى السياسة الكندية، تكشف هذه الانتخابات برأيه "ما يحصل حين تعجز البلدان عن إيجاد أفكار مهمة للتناقش حولها. بدل تهدئة الحياة السياسية وخوض نقاشات منطقية حول المسائل القليلة المتبقية، يحصل العكس تماماً: يبدو أن الغرائز القبلية لدى السياسيين والنقاد تُركّز على الفضائح المفبركة والقضايا الرمزية التي لا ترتبط فعلياً بواقع الناخبين".


MISS 3