وليد شقير

ترسيم الحدود البحرية والتوظيف السياسي

27 كانون الأول 2021

02 : 00

إذا كانت الأهداف الثلاثة التي أخذ رئيس الحكومة على نفسه تحقيقها في الأشهر القليلة المتبقية من عمر حكومته هي إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وإنجاز "اتفاق الإطار مع صندوق النقد الدولي، وتأمين الكهرباء عبر استجرار الطاقة من الأردن والغاز من مصر عبر سوريا، لمبادلته بالغاز السوري، فإن هدفاً رابعاً قد ينضم إليها إذا صدقت المواقف التي تبلغها أكثر من موفد دولي هو ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، طالما أن الرؤساء الثلاثة وحدوا موقفهم من سقف المطالب اللبنانية.

الأهداف المحددة المذكورة على رغم اعتبارها متواضعة قياساً إلى المطلوب في مواجهة الأزمة الكارثية التي يعيشها اللبنانيون، يرى البعض أنها تشكل إنجازاً كبيراً قياساً إلى الانسداد السياسي الذي يغلف عمل الحكومة، خصوصاً أنها تحتاج في نهاية المطاف إلى اجتماع الحكومة لاتخاذ القرارات اللازمة دستورياً وقانونياً في شأنها. وبات معروفاً ان استعجال إنجازها قبل الانتخابات النيابية، سببه ضرورة إقرارها من قبل الحكومة لأنها ستصبح مستقيلة بعد هذه الانتخابات بحكم الدستور، والأرجح أنه سيتعذر تأليف حكومة جديدة إلى أن تجرى الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل، ما يعني إبقاء الاتفاق مع صندوق النقد والاتفاقات حول استجرار الكهرباء والغاز معلقَة.

إلا أن الآمال بإمكان إحداث تقدم في التفاوض على ترسيم الحدود البحرية يستند إلى أن المفاوض اللبناني قرر النزول عن الشجرة في مطالبه، والتخلي ضمناً عن المطالبة بأن تكون المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان محصورة بالخط البحري الرقم 23 وليس الخط البحري 29، كما سبق للوفد اللبناني المفاوض أن طلب في مفاوضات آخر العام الماضي.

لم يكتف الرؤساء الثلاثة، بمن فيهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي كان وافق سابقاً على الخط 29 بإبلاغ الموقف الجديد للوسيط الأميركي المستشار الأول في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة آموس هوكستين، بل تبلغه أيضاً الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال زيارته الأسبوع الماضي.

خلافاً للاعتقاد بأن هوكستين منذ جاء إلى لبنان في 19 تشرين الأول الماضي، ثم إلى إسرائيل توقف عن التحرك في إطار وساطته إما لأن الاقتراحات التي عرضها لم تلقَ قبولاً أو لسبب آخر، فإن الموفد الأميركي تابع اتصالاته مع الجانب الإسرائيلي. وتشير المعلومات إلى أن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا قامت بالاتصالات اللازمة بعيداً من الأضواء مع الجانب اللبناني بالنيابة عن هوكستين. فالأخير اقترح أن يحصل لبنان على ما يطالب به ضمن الخط 23، أي المساحة التي تشمل 860 كيلومتراً مربعاً كانت ادعت إسرائيل أنها ملكها، لكن على أن يكون خط الحدود متعرجاً، بحيث يتمكن لبنان من الحصول على كامل حقل قانا الغازي الذي يتخطى جزء من مساحته الخط 23، نحو المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة لإسرائيل، بحيث يحصل لبنان على كامل هذا الحقل. وجاء اقتراحه هذا بعدما كان طرح فكرة الاستفادة اللبنانية الإسرائيلية المشتركة من هذا الحقل بحيث يتم تقاسم ما ينتجه من غاز طبيعي، لكن لبنان لم يستسغ تلك الفكرة. وافق لبنان على الخط المتعرج لضمان ملكيته لحقل قانا، وينتظر رسماً للخريطة التي تحدد تعرجه وما هي المساحة التي ستكون من نصيب إسرائيل مقابل تلك التي سيحصل عليها...

في انتظار عودة هوكستين المتوقعة في النصف الثاني من شهر كانون الثاني، تتعدد التكهنات حول إمكان تحقيق اتفاق على الترسيم قبل الانتخابات النيابية، أسوة بالأولويات الأخرى التي تحتاج قرارات من الحكومة. وتتعدد الترجيحات في هذا الصدد، استناداً إلى اعتقاد الأوساط السياسية أن لكل من الرؤساء الثلاثة أهدافه من وراء إنجاز هذا الترسيم.

قراءة الأوساط المتابعة لملف ترسيم الحدود البحرية تعتقد أن الرئيس عون بات أشد الحريصين على تسريع إنجاز هذا الملف قبل الانتخابات النيابية، لأنه يطمح إلى الإفادة منه في العلاقة مع واشنطن من أجل مبادلة استجابته للاقتراحات الأميركية بتجاوب واشنطن مع مطلبه رفع العقوبات الأميركية عن صهره ووريثه السياسي رئيس "التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، وفق قانون ماغنتسكي. وبعض المتصلين بالجانب الأميركي لا ينفون أن الفريق الرئاسي لم يتردد في الإفصاح عن طموحه لإجراء مقايضة كهذه.

فالجانب الأميركي يلح على الإفادة من ظروف حاجة إسرائيل للبدء في استخراج الغاز في المناطق غير المتنازع عليها، كي تتمكن من توظيف ذلك على الصعيد التجاري. كما أن واشنطن تعتبر أن الترسيم يضعف حجة "حزب الله" بالإبقاء على سلاحه من أجل حماية حقوق لبنان الغازية والنفطية في البحر، ما يجعل تسهيل هذا الهدف مقابل ثمن ما مناسباً.

وفي المقابل هناك اعتقاد بأن هدية الترسيم لن تصبح واقعاً عملياً إلا بعد الانتخابات الرئاسية في لبنان بحيث تكون هدية للرئيس الجديد للجمهورية، ينطلق منها من أجل قيادة التعافي الاقتصادي للبنان، بدل أن يستفيد منها الفريق الرئاسي الحالي في معاركه الانتخابية والسياسية الأبعد مدى.


MISS 3