لبنان تحت حماية الشرعة العالميّة لحقوق الانسان

رأي حر بقلم د.ميشال الشماعي

01 : 13

جاءت المادّة 19 من الشرعة العالمية لحقوق الانسان كالآتي:

" لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء من دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود".

هذا في العالم الذي بات لبنان مفصولاً عنه بفعل التدخلات السياسيّة في عمق قراره الاستراتيجي. أمّا في لبنان الدّولة، المفترض أن تكون سيّدة حرّة ومستقلّة، فالواقع مغاير تماماً. لقد بات الاستدعاء لأجل منشور لا يبلغ عدد كلماته عدد أصابع اليد الواحدة أمراً مستساغاً. فمواقع التواصل الاجتماعي لم تعد حرّة كما كانت في زمن أعتى الاحتلالات التي حكمت لبنان، حيث صارت الكتابة على هذه المواقع تخضع لمحظورات تخالف أدنى المعايير العالميّة. كيف لا تخالفها ونحن بتنا دولة في غير كوكب. فأهلا بكم في الكوكب الجديد.

هذا الكوكب الذي تمّ إرغام أبنائه على التنازل عن حرّيتهم الشخصيّة الكيانيّة كرمى عيون زعيم من هنا أو مَسُود لمن هم خلف البحار من هناك... في كوكبنا الجديد لا يمكنك كتابة ما تريد أو حتّى اعتقاد ما تريد أو قول ما تشاء، جلّ ما باستطاعتك القيام به أن تكون الصّدى لمن يعتبرون أنفسهم أولياء أمر هذا الكوكب. وإن صودف وتجرّأ أحدهم وردّد صوتاً غير صوت الصّدى، يتحوّل هو نفسه إلى صدى.

رحم الربّ سمير قصير الذي تجرّأ وكتب "عسكر على مين" في كوكبنا الأمّ. ذلك الكوكب الذي فيه الحريّة التي إن عُدِمْناها عُدِمنا الحياة. وكلّفه هذا المقال حياته. نحن رفضنا الذهاب إلى الكوكب حيث يريدوننا بلا لسان ولا آذان ولا عيون. لقد حافظنا على وجودنا الحرّ في هذا الوطن وفي هذا الكوكب في زمن أشرس الاحتلالات ولم نرحل. وإن رحلنا كان رحيلنا انتقالاً على رجاء القيامة.

هنا لنا الحقّ بحريّة الرّأي والتعبير، ولن ينزع أحد منّا هذا الحقّ الذي فُطِرْنا عليه. وسنقول الحقيقة مهما كانت صعبة. هنا سنعتنق الآراء التي نريدها لا إكراهاً بل اقتناعاً. ولن يجبرنا أحد على اعتناق أيّ رأي نحن غير مقتنعين به. هنا سنلتمس الأنباء والأفكار من المناهل التي نختارها بملء إرادتنا، ولن يفرض علينا أحد أن نشرب من غير النّبع الذي نريده. وسننقل أخبارنا وأحداثنا بالوسائل التي نراها مناسبة ومتاحة.

تحت سقف المادّة 19 من شرعة حقوق الانسان نعلي أصواتنا. وهي التي حملت نفحات فكر المفكّر اللّبناني شارل مالك الذي صاغ المادّة 18 من الشّرعة العالميّة لحقوق الانسان، وأرخى بظلال فكره على المادّة 19 منه. ولبنان سيبقى تحت سقف الشرعة العالميّة لحقوق الانسان، ومن أراد أن ينزعه اليوم من منظومة الحريّة فليفعل، لكنّنا لن نكون شركاء معه، كائناً من كان.


MISS 3