"هنا عاصمة الكويتيين" بحمدون المحطة

ْفيليب متى: أعطونا الأمان وخذوا ما يُدهش العالم

10 : 24

هو مليءٌ بأملٍ ظاهر لكن ماذا عن بواطن الأمور؟ هل هو متفائل حقاً أو يُحاول أن يتظاهر بالتفاؤل؟ يُكثرُ رئيس بلدية بحمدون المحطة من ذكر كلمات الحزم والجزم حين يتنبأ بمستقبل بحمدون لكنه يُسقِطُنا، حين يغوصُ في الأرقام، في كثير من الحزن على حاضرِ بلدة راقية تصرّ على الهتاف: أنا هنا...


يتحدث رئيس بلدية بحمدون المحطة (طبيب الأسنان) فيليب متى عن ضخّ "شحنات" إيجابية حتى وهو يغوص في حاضر بلديّ ملبد ويقول: "لا بُدّ من أن تعود الحياة الى بحمدون". هل هذا إذعان منه إذاً بأنّ بحمدون كانت ميتة؟ يجيب بعودته الى التاريخ المجيد لبلدة ذاع صيتها سياحياً: يرجع تاريخ بلدتنا الى العام 1898 وسموها محطة بحمدون لضمّها معامل الغزل والحرير، وكانوا يسمونها سابقاً محطة بحمدون «خان القبو» لأن العمال كانوا يأتون بالمنتجات ويضعونها في "الخان" ويعبرون بعربات الخيل التي تنقل البضائع. وبعدما أتى الفرنسيون عُرفت بالمحطة إذ أقيمت فيها محطة القطار. ويعكس لوغو البلدية حالياً صورة «محطة التران». "بحمدون المحطة" بلدة مستقلة عن "بحمدون الضيعة". هما بلدتان، لكلّ نطاقها وأهلها ومشاكلها وحسناتها وسيئاتها.




فلنبق في بحمدون المحطة لنتعرف عليها أكثر.

إستلم رئيس البلدية الحالي منصبه قبل تسعة أشهر، بعيد وفاة رئيس البلدية أسطا أبو رجيلي الذي استمرّ في منصبه لأكثر من عشرين عاماً، بين عامي 1998 حتى 2018، وجُدّد انتخابه لأربع دورات متتالية. وطبيعيٌّ ألا تكون مهام الرئيس الجديد الآتي بعد الرئيس الراحل سهلة، أقله من منظار المتفرّج من بعيد. 

فماذا عن أولى مفاعيل ما أنتجه الرئيس الدكتور فيليب متى؟

يُحبذ رئيس البلدية (طبيب الأسنان) العودة مجدداً الى وراء: أتى الفرنسيون وبنوا طريق بيروت الشام، بطول 112 كيلومتراً، وبعرض سبعة أمتار، وسيّروا عربات كبيرة تجرّها خيول، تنقل المسافرين الى صالة انتظار سُمّيت، كما سبق وقلنا، "الخان". كلّ من يمرّ من هنا يشيد بمناخ هذه البقعة الجغرافية الصحيّ، الاصطياف في بحمدون يعود الى زمانٍ غابر فالمسافر وجد فيها المناخ الملائم والخدمات المميزة. يُقال إنّ أول مصطاف عندنا كان قنصل فرنسا الذي قصد المنطقة مع إبنه المريض، واستأجر منزلاً من طبقتين، فناسب مناخ بحمدون ابنه فتعافى وراح يُخبر الناس عن الأمر.

في 25 أيلول من العام 1935 جرت أوّل مسابقة لملكات الجمال في المنطقة، بكازينو عبدالله في بحمدون. حدثٌ وضع البلدة على خريطة الجمال. بحمدون عبّدت طريقها نحو السياحة الإقليمية لكن الحرب حلّت فعمّ الخراب ثم الركود. لكنّنا قرّرنا إعادة الحياة إليها.

يقول متذكراً بتحسّر: "كان عندنا في بحمدون سينما صامتة".




وماذا عن اليوم؟كان عندنا أربع دور سينما أما اليوم فواحدة فقط! كان عندنا كهرباء على مدار الساعة أما اليوم فتستخدم البلدية ثلاثة موتورات لتوفير الطاقة الكهربائية في البلدة، بإنتاج 700 كيلو فولت. في كلّ البلدة نحو مئة بيت فقط مسكون لا غير، في حين كان عدد السكان عام 1974 3000 نسمة. كان هناك 26 فندقاً وأربعة بانسيونات و2315 مسكناً.

نراه أدق في عرض أرقام الأمس! ماذا عن أرقام وإحصاءات اليوم؟

"لا أرقام!" يقول ليستطرد بعد حين: "لا اصطياف منذ العام 2011. وقبل ذلك التاريخ كانت أيام حرب، وهُدمت بيوت كثيرة، وأخذ الأهالي مالاً لترميم بيوتهم، لكن لم يرمم سوى القليل. أخذوا المال وتركوا البيوت مهدّمة". يقلّبُ "الريّس" الأوراق ليخرج بأرقامٍ حقيقية: "عدد المباني المتضررة 19 ويتراوح وضعها الإنشائي بين قابلة للترميم وغير قابلة للترميم، أما المباني التي جرى ترميم واجهاتها عام 2000 من شركة «سبكتروم للإستشارات الهندسية» بتكليف من الصندوق المركزي للمهجرين فعددها 181".

لماذا وجدنا بحمدون المحطة «قفرة نفرة» في عزّ آب؟

ينتهي صيف بحمدون في آب. وثمة فنادق كثيرة مقفلة. والخليجيون، الكويتيون تحديداً، يعتبرون بحمدون عاصمةً لهم في لبنان، وإذا لم يأتوا نشعر بفراغ كبير. حادث قبرشمون دفعهم الى مغادرتها، ما جعل السياحة في تموز "صفر"! كانت هناك أكثر من ثلاثين غرفة محجوزة في تموز بأوتيل "السفير" ألغيت جميعها. وهناك من يتقصّد الإساءة الى سمعة بحمدون ليحجز لنفسه مكانة متقدمة. أحدهم أعدّ بياناً ينصح فيه العرب بعدم المجيء الى هنا معلناً كلاً من بحمدون وعاليه والشوف جغرافيات خطيرة فشكيته الى وزارة السياحة". ويتابع موضحاً: "قلّعت بحمدون بعد انتهاء الحرب بقوّة ويوم وقعت حرب 2006 تأثرنا. لكننا، لم نقف مكتوفي الأيدي بل نفذنا بنية تحتية غير موجودة سوى في سوليدير. وضعنا الأعمدة كلّها تحت الأرض. وحضرنا بلدتنا لاستقبال السياح. بنينا موقف سيارات من سبعة طوابق، يتسع لـ400 سيارة. إمدادات المياه أيضاً طوّرناها. لكن هناك من يوجه سهامه صوبنا لكننا سنواجه ونعود الى الصدارة".




من يقصد حين يتحدّث عمن «يتقصدون» بحمدون؟

مناطق أخرى.

مجاورة؟لا، بلدة برمانا وجوارها، على سبيل المثال لا الحصر، لا يهمها أن تعود بحمدون بحمدون. لا منافسة شريفة أحياناً. هناك من يُصوّر بحمدون «بعبعاً» وكأن الحرب الأهلية مستمرة.

أنفهم أنّ هناك من يقبضون «ثمن» بقاء بحمدون خارج الخريطة السياحية؟ «فيكِ تقولي هيك»... لكننا «ماشيين» ولن يردعنا شيء عن المضيّ قدماً، لكن الرأسمال جبان للأسف. وحين تتقلص السياحة يغادر المستثمرون، وفي حال تجرأ بعض السياح وأتى يجد المحال مقفلة. إنّها فعلاً "دوامة".

والحلّ؟لديّ خطة ستحول دون ترك أيّ محل مقفل. المحال المقفلة تؤثّر سلباً على كلّ شيء. سأتكلم مع أصحابها إما يفتحونها أو يؤجرونها بأسعار أقل.

ماذا عن أسعار الإيجارات؟ كانت إيجارات زمان تتراوح بين 18 ألفاً و20 ألفاً، أما اليوم فثمة محال بخمسة آلاف دولار في الموسم. الرأسمال جبان. وتأتي «الضربات الأمنية» لتقصم ظهرنا.

تتحدّثون عن مغادرة الرساميل (والسياح) بحمدون. ماذا عن أعضاء البلدية التسعة؟ هل يعيشون فيها؟

ليت القانون يفرض على أعضاء البلدية في بحمدون وسواها العيش في بلداتهم. في ما يخصّ بحمدون، نحو 70 في المئة من الأعضاء هنا. هناك أنا والمختار و 5 أعضاء هنا. عيادتي أيضاً هنا.

ما هي الفنادق التي استقبلت هذا الصيف، من تجرأ وقصد بحمدون؟

السفير والكارلتون والصفا. هناك اليوم جامعة الـAUST هنا لكنها لم تحصل على ترخيص بعد لأنها تشغل مبنى كان فندقاً وممنوع أن يكون في الجامعة محال تجارية. لكن المسائل تمشي قدماً. ومدام هيام صقر «شاطرة». هي أردنية الأصل وتحاول استقطاب طلاب أردنيين.

ما دمنا نتحدث عن «شطارة» إمرأة كم إمرأة عضو في البلدية يا ترى؟

لا نساء أعضاء. لم تتقدم في الإنتخابات أية إمرأة على الرغمِ من أننا نشجع المرأة كثيراً.

هل في البلدية شرطيات؟نحتاج الى مال لذلك والكلّ يعلم أن البلديات لا تقبض أموالها من الدولة. نحن ندفع فرق مازوت إنقطاع الكهرباء 12 مليون ليرة في الشهر وبالكاد عندنا في الشتاء 50 أو 60 بيتاً. أخسر كي تبقى البلدة مضاءة. لكن من أين سآتي بالمال؟ أخبروني؟ لديّ 9 موظفين يتقاضون بعد سلسلة الرتب والرواتب 220 مليون ليرة سنوياً. ولدينا مياومون يتقاضون 500 مليون. من وين بجيب؟

هل نفهم ألا مشاريع في بلدتكم حتى إشعار آخر؟

صحيح، لكن اخواننا الكويتيين يساعدون بحمدون كثيراً. هم يحبون البلدة. وبنوا مستديرة لها بكلفة 30 مليون دولار، وأهلوا الشارع بكلفة 10 ملايين دولار. موقف السيارات هم من بنوه. كذلك زارنا القنصل الكويتي سائلاً: إلام تحتاج بحمدون؟



لماذا نشحذ البقاء دوماً؟ لا، لا نشحذ، بل هم من يعرضون علينا المال. يحبون مساعدتنا. صندوق التنمية الكويتي يقرر من يعطي وماذا يعطي. سألوني: ماذا تريد؟ فهل أردّ: لا أريد شيئا!

ماذا تقدمون لجيل الشباب ليصمدوا في بلدتهم الأم؟ لديّ شخصياً ثلاثة شبان، أحدهم في كندا والثاني في بيروت وهو طبيب أسنان مثلي والثالث يبحث عن كلّ إنسان متعب، منهك، «معتر»، ليساعده. أحبّ فيه هذا الحس الإنساني. وهو ينشط مع الشباب في التحضير لمشاريع جذابة. نظم مثلاً مع اصدقائه أهمّ سباق للدراجات الهوائية في لبنان. أؤمن بأفكار الشباب المعاصرة.

ماذا عن الملعب الرياضي؟ لدينا أفضل ملعب في المنطقة كلها: ملعب إميل عبد النور. فلشنا على أرضه أعشاباً إصطناعية وافق عليها الاتحاد الدولي بكلفة 600 ألف دولار. ويستخدم الاتحاد الملعب في مباريات معينة وتتقاضى البلدية مبلغاً معيناً عن كل مباراة حسب درجتها إن كانت أولى ثانية أو ثالثة. والإقبال على هذا الملعب كبير.

هناك شباب يتذمرون أنكم تمنعونهم من الدخول الى الملعب؟

غير صحيح، فالملعب مفتوح أمام الكلّ شرط الانضباط. ذهبت من فترة قريبة الى الملعب لأجد شباباً يفلشون قناني البيرة على العشب. هذا ممنوع طبعاً فالمطلوب حدّ أدنى من الانضباط.

هل من حدائق ومكتبات في بحمدون؟

لدينا حديقة واحدة في أوّل بحمدون سننتهي قريباً من تأهيلها، وهي جميلة جداً. وننوي إنشاء حديقة ثانية مساحتها 7000 متر ونحن بانتظار التمويل. وكانت لدينا مكتبة من زمان ولكنها أقفلت في الحرب. ونفكر كذلك في إعادة إحياء سكّة "التران". سنعيد ترميمها وثمة طرح أن يُعاد تسيير التران من بحمدون الى صوفر أو تحويل سكة التران مع مقطوراتها الى مطاعم. ثقتي كبيرة أنكم سترون بحمدون في حلّة جديدة. قولوا انشاالله. انشاالله.

وماذا تفعل بحمدون بنفاياتها؟ هناك شركة اسمها «سيتي بلو» تأخذ النفايات. لكن مشكلتنا أن المهجرين السوريين يُحمّلون نفاياتهم على دراجات ويرمونها عشوائياً وغالباً من دون أكياس. أعطيناهم أكياس نفايات فباعوها. لمنعهم نحتاج الى شرطيّ لكل مهجّر. في عيد الأضحى مثلاً رفعنا 36 "كيس كروش"من ملاحم مجاورة. ليس عندنا سوى ستة حراس، ويغادرون واحداً تلو آخر بفعل التقدم في العمر. في العام الماضي أحيل أحدهم إلى التقاعد فكلفني 90 مليون ليرة. دولتنا أعطتهم سلسلة الرتب والرواتب فـ"هريتنا هري". في بحمدون نحو مئتي مهجر سوري لا أكثر.

فلنُغيّر الموضوع ونسأل عمّن لمعوا في بحمدون؟ يجيب: أيوب تابت من هنا، وأطباء كثر منها اشتهروا في العالم. ليست لدينا لائحة بأسمائهم لأن البلدة عانت كثيراً خلال الحرب وهدمت بيوتها وانهمكنا منذ العام 1998 في إعادة الإنسان إليها قبل كتابة التاريخ. رئيس البلدية مع اللامركزية "مئة في المئة" ويؤكّد: "نحتاج الى إستقلالية لنتصرّف".

ختاماً بمَ يعد البحمدونيين من دون أن يقال «ع الوعد يا كمون»؟



المستقبل سيكون ممتازاً! ويجب أن يشاركنا الأهالي بالأفكار. وهناك مكتب للشكاوى في البلدية فليتفضلوا ويعربوا عن كلّ ما يريدون.

الإسم: بحمدون المحطة

الرئيس: فيليب متى

المساحة: 190 هكتاراً

أوّل رئيس بلدية: أمين عبد النور

إحصاء السكان: 4000 نسمة

الناخبون: 1200 ناخب

أبو خالد، عبد النور، متى، بدران، هبر، حداد، أبو رجيلي، كرم، تابت، قشوع، خيرالله، مجاعص، صبرا، أبو حبيب، سالم، معلوف، صدي، العبيد، السمور، ذياب، خطار، أبي نادر، حرفوش، وازن، جبور، كالوستان، عساف، غصن، كساب، الصليبي، عبدو وصوايا.

- أوّل قطار دشّن هنا في الجبل عام 1898

- تشتهر بحمدون بالنبيذ وتقيم سنوياً مهرجان النبيذ.

- أشهر لاعب كرة طاولة كان اسبيرو أبو رجيلي.

- أوّل مؤتمر مسيحي إسلامي في تاريخ العالم جرى في فندق «الأمباسادور» في 22 نيسان 1954.

- ميخائيل أبو خالد أوّل شاب تخرج طبيباً من الجامعة اليسوعية عام 1896.

- أول صيدلي في جبل لبنان هو ابن بحمدون أمين أبو خالد.

- أول مجلس بلدي عُيّن عام 1912.

- مار الياس الأرثوذكسية هي أوّل كنيسة بناها أنطوان ابراهيم سعد.

- أوّل ختم بريدي يعود الى العام 1914.

- أوّل فندق بني بعيد الحرب العالمية الأولى في بحمدون حمل اسم «الكرمه».


MISS 3