إيمانويل غرينزيان

تقارب استراتيجي بين كازاخستان وتركيا

8 كانون الثاني 2022

المصدر: Le Monde

02 : 01

رغم عقد اتفاق أمني مع موسكو، تفضّل كازاخستان، الجمهورية السوفياتية السابقة، التقرب من أنقرة اليوم للتصدي لنفوذ روسيا والصين في جوارها. بدأ التوتر يتصاعد مع روسيا.

بالكاد انتهت الاحتفالات بمرور ثلاثين عاماً على استقلال البلد حتى قررت كازاخستان في 22 كانون الأول 2021 التوقيع على اتفاق أمني مع البلد الذي حكمها سابقاً. في ذلك اليوم، صادق البرلمان الكازاخستاني على وثيقة محورها التعاون مع روسيا في مجالات الأمن الإلكتروني والاستخبارات ومكافحة الإرهاب. على الورق، يعكس هذا الاتفاق الوضع الذي تحاول موسكو فرضه في آسيا الوسطى، أي غياب القواعد الأميركية ووقف التعاون مع حلف الناتو في ظل احتدام الأزمة بسبب أوكرانيا حيث تطالب روسيا بانسحاب المنظمة العابرة للأطلسي من الجمهوريات السوفياتية السابقة.

لكن تشير توجهات كازاخستان الأخيرة في عالم السياسة الخارجية إلى استعمال الاتفاق الجديد للتصدي لروسيا التي تريد طرح نفسها كقوة عظمى بأي ثمن. في العام 2021، اشترت كازاخستان طائرات بلا طيار ومدرعات من تركيا المنتسبة إلى حلف الناتو. وفي 7 كانون الأول 2021، عقدت وزارة الدفاع الكازاخستانية اتفاقاً مدته خمس سنوات للتعاون عسكرياً مع الولايات المتحدة. وفي فترة سابقة من شهر تشرين الأول، وقّعت العاصمة نور سلطان على اتفاق للتعاون عسكرياً مع إيطاليا المنتسبة بدورها إلى الناتو في العام 2022.

بما أن كازاخستان عضو مؤسس في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، لن يمنع التحالف العسكري الذي تطغى عليه موسكو البلد من التطلع إلى دول أخرى، لا سيما تركيا التي تسعى منذ سنة إلى تطوير "منظمة الدول التركية": تأسس هذا الاتحاد الناشئ في العام 2009 وأُعيد إحياؤه في مناسبات عدة منذ ذلك الحين، وهو يجمع خمس دول قديمة كانت تابعة للاتحاد السوفياتي في آسيا الوسطى والقوقاز. تتقاسم هذه الدول خصائص لغوية وثقافية كثيرة مع تركيا ويعتنق معظم سكانها الدين الإسلامي.

أعلن رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، خلال قمة "منظمة الدول التركية" في آذار 2021: "نريد أن يصبح العالم التركي من أهم المناطق الاقتصادية والثقافية والإنسانية في القرن الواحد والعشرين". من المتوقع أن يتحول هذا التحالف الاقتصادي مستقبلاً إلى تحالف سياسي وعسكري برأي العالِم السياسي الكازاخستاني دوسيم ساتباييف: "لقد أثبتت تركيا أنها لاعبة أساسية في صراع ناغورنو كاراباخ في العام 2020، وهي تطرح حججاً مقنعة بنظر أعضاء منظمة الدول التركية. من الآن فصاعداً، يتمحور الوضع كله حول مسألتَين: الاقتصاد والأمن". ينذر التحالف التركي منذ الآن بإبداء ردود أفعال سريعة تجاه الكوارث عبر استعمال الوسائل العسكرية. يتماشى التقرّب من أنقرة مع عقيدة السياسة الخارجية الكازاخستانية التي تُعتبر "متعددة التوجهات". كازاخستان هي أكبر دولة في آسيا الوسطى، وتساوي مساحتها خمسة أضعاف مساحة فرنسا وهي تشعر، مثل الدول المجاورة لها، بأن المخالب الروسية والصينية بدأت تُضيّق الخناق على المنطقة غداة الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

سيكون إيجاد طرف داعم ثالث أساسياً للتصدي للنفوذ الروسي والصيني. تأتي المواقف التوسعية التي تبنّاها هذان البلدان القويان حديثاً لتؤجج مخاوف قادة كازاخستان. لقد انتهك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيادة الأرض السوفياتية القديمة حين أعلن أن هذه المساحة "لم تشكّل دولة بحد ذاتها يوماً" قبل العام 1991 وأن هذا البلد هو "هبة سخية من الشعب الروسي". كذلك، تنشر الصحافة الصينية الرسمية دوماً مقالات مفادها أن أرض كازاخستان تعود تاريخياً إلى الصين.

حتى الفترة الأخيرة، تطبّق الديبلوماسية الكازاخستانية مقاربة متوازنة للتعامل مع هذين البلدَين المجاورَين اللذين يُعتبران من أبرز شركائها التجاريين. لا يعترف الرئيس توكاييف بأن شبه جزيرة القرم أرض روسية، لكنه يمتنع عن استعمال مصطلح "الضمّ". في ما يخص مسألة الإيغوريين المقرّبين عرقياً من الكازاخستانيين، تنكر الحكومة حصول اضطهادات جماعية من جانب الصين.

في موسكو، أطلق التحالف التركي الذي تدعمه السلطات الكازاخستانية منذ شهرَين سيلاً من التعليقات اللاذعة على القنوات التلفزيونية الحكومية، فتكلم الكثيرون عن قمع اللغة الروسية (ثاني لغة رسمية في كازاخستان) وانتهاك حقوق الأقلية الروسية (19% من السكان في شمال البلاد). حتى أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، اشتكى في تشرين الثاني 2021 من "تجدّد موجة كره الأجانب نتيجة العقائد المستوردة التي تهدف إلى تأجيج القومية المحلية وإضعاف التعاون مع روسيا". استعمل المسؤولون الروس هذا النوع من العبارات في الماضي لتبرير ضم شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين في إقليم "دونباس".

شهدت المرحلة اللاحقة تصعيداً لافتاً في المواقف حين تكلمت داريغا نزارباييفا، ابنة رئيس الوزراء الكازاخستاني، عن شكلٍ من "العدائية" الروسية. في هذا السياق، يقول العالِم السياسي الروسي ألكسي مكاركين: "تدافع كازاخستان عن طبيعتها المعروفة بتعدّد توجهاتها وتردّ بقوة على أي تلميح أو تشكيك بسيادة أراضيها من الجانب الروسي على جميع المستويات". في المقابل يقول تيمور عمروف، خبير في شؤون آسيا الوسطى في مركز "كارنيغي" للأبحاث في موسكو: "في ظل احتدام المواجهة بين القوى العالمية، تجد كازاخستان صعوبة متزايدة في الحفاظ على توازنها الجيوسياسي من دون أن تنجرّ إلى الصراع القائم".