الحوار "طار"... ولقاءات "فردية" ابتداءً من الأسبوع المقبل

عون "يحلب" الدستور: المجلس "مُلزم" بمرسوم بعبدا

01 : 59

جانب من ازدحام المودعين أمام أحد المصارف أمس (رمزي الحاج)

"الارتطام الكبير حصل ولبنان دخل في دوامة انهيارات قطاعية متتالية"... هذا ملخص التشخيص الذي خرج به "مرصد الأزمة" بشديد الاختصار لوضعية الانهيار الراهن في البلد، وكل ما يسجله شريط الأحداث اليومية لا يعدو كونه نتاج هزات الارتطام الارتدادية في مختلف تشعبات المشهد، سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً.

وفي صلب دوامة الانهيار، يتمركز أهل السلطة ويتمسك كل منهم بطرفه من خيمة الدولة المتداعية، متشبثاً بمكتسباته في صراع البقاء على قيد الحياة السياسية، حتى بلغ الاقتتال في الآونة الأخيرة مرتبة متقدمة من الاستقتال بين أركان الأكثرية الحاكمة لتعويم الذات "ومن بعدها الطوفان"، وهي القاعدة الأساس التي باتت تحكم التشرذم والتناحر المتمادي والمتمدد رئاسياً وحكومياً ومجلسياً، وسط تصاعد حدّة الاشتباك بشكل خاص بين بعبدا وعين التينة وتنوع "عدّة" حرب الصلاحيات المحتدمة بين الجبهتين، وجديدها أمس ما يتصل بالعقد الاستثنائي لمجلس النواب، بحيث لم يوفّر رئيس الجمهورية ميشال عون فرصة "حلب" الدستور في توقيع مرسوم الدعوة إلى هذا العقد، و"التنغيص" على رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر تحديد "برنامج أعمال" المجلس خلال فترة الدورة الاستثنائية الممتدة بين العاشر من الجاري والحادي والعشرين من آذار المقبل.

وعلى الفور، عاجل بري عون ببيان يكفّ فيه يده عن "صحن" المجلس، على اعتبار أنه "سيّد نفسه ولا يقيّده أي وصف للمشاريع أو الإقتراحات التي يقرر مكتب المجلس طرحها، ويعود لرئيس الجمهورية حق الرد بعد صدورها عن الهيئة العامة الى المجلس"، مشدداً على أن ذلك هو "حكم الدستور وما استقر عليه الاجتهاد"... غير أنّ مصادر قصر بعبدا استغربت رد رئيس المجلس الخارج عن سياق النصّ الدستوري الواضح، جازمةً في المقابل بأن "المجلس النيابي ملزم بمناقشة جدول الأعمال الذي حدده المرسوم الصادر عن رئيسي الجمهورية والحكومة وفق نص المادة 33 من الدستور على أن يكون لهيئة مكتب المجلس حق إضافة البنود التي تراها الهيئة مع رئيس المجلس ضرورية على برنامج الدورة الاستثنائية".

وعلى جبهة أخرى، لاقت دعوة رئيس الجمهورية إلى عقد طاولة "حوار عاجل" مصير الفشل، بعدما أوصدت أغلبية الجهات المدعوة إلى الحوار أبوابها أمام الدعوة العونية التي سرعان ما اصطدمت بتقاطع سني – مسيحي رافض لها بوصفها غير ذات جدوى في توقيتها ومضمونها، لا سيما وأنّ رئيس الحكومة نفسه عبّر لرئيس الجمهورية مباشرة أمس عن تفضيله التمهّل في توجيه أي دعوة حوارية في المرحلة الراهنة وأنّ الأولوية يجب أن تنصب على تفعيل مجلس الوزراء لإنجاز المشاريع الإصلاحية.

أما رد الرئيس سعد الحريري هاتفياً على عون فكان بالغ الدلالة في أكثر من معنى، خصوصاً لناحية ربط اعتذاره عن عدم المشاركة في أي حوار بوجوب أن يحصل "بعد الانتخابات النيابية"، لما اختزنه هذا الربط المباشر بين الحوار الوطني وبين الاستحقاق الانتخابي من تأكيد عزم الحريري فور عودته القريبة إلى بيروت على صب كل تركيزه على الانتخابات النيابية، باعتبارها تتربع على قمة أولوياته الراهنة... ومن بعدها لكل حادث حديث.

وبناءً عليه، بات واضحاً أنّ الحوار "طار" بالصيغة التي طرحها رئيس الجمهورية في إطلالته المتلفزة الأخيرة، فقررت دوائر الرئاسة الأولى الاستعاضة عنه بتكثيف اللقاءات مع مختلف القوى للتداول في سبل "المحافظة على الهدوء والاستقرار" في البلد، ومن هذا المنطلق، استهل عون هذا المسار أمس باتصالات أجراها مع الرئيسين بري وميقاتي وعدد من رؤساء الكتل النيابية، على أن يستكمل اتصالاته خلال الساعات المقبلة تمهيداً لتحديد مواعيد "لقاءات فردية" مع الجهات المعنية بالدعوة الحوارية، ابتداءً من الأسبوع المقبل في قصر بعبدا بغية استمزاج الآراء في البنود المطروحة على طاولة البحث والحوار.

وأوضحت مصادر بعبدا أنّ "رئيس الجمهورية يرغب بمشاركة الجميع في النقاش لأن المواضيع المطروحة أساسية ومرتبطة بالصالح العام وسبق ان حددها في رسالته الاخيرة إلى اللبنانيين"، مشددةً على أنّ "مقاربة هذه المسألة لا تنطلق من منطلقات شخصية بل من زاوية النقاش الوطني الذي يجب على الكل المشاركة فيه إلا من يريد أن يغيّب نفسه عن المشاركة في وضع الأسس الإنقاذية للأوضاع الصعبة غير المسبوقة التي تمر بها البلاد"، وتوقعت في ضوء ذلك أن "تتبلور المواقف أكثر في هذا الاتجاه أو ذاك خلال اللقاءات التي سيعقدها عون مع مختلف الأطراف والتي كان بدأها (أمس) مع رئيس الحكومة".