خالد العزي

روسيا تُعيد تجربة "ربيع براغ" وسوريا في قمع الثورة الكازاخيّة

13 كانون الثاني 2022

02 : 01

دبّابات وآليّات عسكريّة روسيّة قبل نقلها إلى كازاخستان الأسبوع الماضي (أ ف ب)

بناءً على طلب الرئيس الكازاخستاني قاسم جومرت توكاييف بمساعدة بلاده في "التغلّب على التهديد الإرهابي" و"العدوان الخارجي" في عدد من المدن، بما في ذلك ألماتي ونور سلطان، حيث اندلعت احتجاجات عنيفة، تمّ إرسال المظليين الروس تحت العباءة القانونية لـ"منظمة معاهدة الأمن الجماعي"، قبل التوافق عليها في اجتماع ليلي الخميس الماضي في القمة الاستثنائية لرؤساء دول المنظمة من دون انتظار الموافقة البرلمانية للجمهوريات المعنية.

لقد استنسخت روسيا تجربة "حلف وارسو" عندما قمع ثورة "ربيع براغ" بواسطة الدبابات، لأنّها لا تقبل بنشوب ثورات في الدول المجاورة لها، كما صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علناً أمام وكالات الإعلام الروسية الإثنين، بحيث أكد أن موسكو لن تسمح باندلاع ثورات في الفضاء السوفياتي السابق.

واندلاع الاحتجاجات في المدن الكازاخية التي أذهلت المراقبين لجهة انتشارها السريع، قد دفعت توكاييف لحسم الصراع الخفي مع جهاز المخابرات الذي كان يُمسك به الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف، بعد أن سيطرت الاحتجاجات على أكبر مدينة في الدولة، وهي ألماتي.

بات واضحاً أن سلطة توكاييف على الجيش وقوات الأمن ضعيفة ولا يُمكن الوثوق بها، ما دفعه إلى طلب المساعدة الخارجية السريعة، لأنّ سيناريو الأحداث يُشير إلى أن ضباط المخابرات هم وراء تصاعد الاحتجاجات الدموية. والرئيس بدأ بمحاربة الاحتجاجات بإجراءات غريبة للغاية، من خلال استقالة مفاجئة للحكومة وتغيير في رؤساء الأجهزة الأمنية، التي كانت تتبع لنزارباييف والعشيرة المقرّبة منه.

والإحتجاجات الدموية ارتبطت بتقاعس رجال الأمن الحاليين و"السابقين" من خلال إطلاق المساجين، وعدم إعطاء أوامر ميدانية في كيفية التعامل مع الاحتجاجات، وترك الشرطة في المواجهة والسماح بإطلاق النار العشوائي على المحتجّين، وعدم اتخاذ قرار بمنع التجوّل الليلي. كلّ هذه الأمور مدبّرة بسيناريو يهدف إلى إراقة الدماء عبر القمع المستخدم من قبل الأجهزة، ما يدفع المتظاهرين إلى المطالبة بإسقاط توكاييف.

ونجحت الأجهزة الأمنية الكازاخية والروسية باستنساخ تجربة النظام السوري في التعامل مع الإنتفاضة الشعبية السورية، عندما أطلق سراح الإرهابيين من السجون السورية. من هنا نرى استفادة روسيا المباشرة من الأحداث التي عصفت بكازاخستان، حيث بات الإعلام يُروّج لمؤامرة تُحضّر من الخارج ضدّ البلاد بمساعدة تركية وبريطانية.

وفي ظلّ التدهور الدراماتيكي للوضع الميداني، سارعت موسكو إلى استغلال التطوّرات وقمع الثورة قبل أن تفلت الأمور من يدها. وكانت الجهوزية الروسية عالية، بحيث أرسلت قوات عسكرية تحت شعار "حفظ السلام" لتأمين قاعدة "بايكونور" لإطلاق الصواريخ الفضائية، لأنّ موسكو ببساطة لا تستطيع ترك القاعدة، كما حال أسطول البحر الأسود في القرم، فضلاً عن السعي للإمساك بمصادر الطاقة المختلفة، وحماية الحدود الواسعة جدّاً بين الدولتين.

إذاً، الإحتلال العسكري المُقنّع للدولة الكازاخية يُساعد على إعادة بسط نفوذ موسكو على المؤسّسات العامة، بعد أن لمست ضعف سلطة توكاييف على المؤسّسة الأمنية نتيجة الصراع الداخلي. لقد وجد بوتين في احتجاجات كازاخستان فرصة ثمينة لغزو الجمهورية الآسيوية والسطو عليها، كونها تأتي ضمن استراتيجيته الهادفة إلى إعادة بناء أمبراطوريّته السوفياتية المصغّرة التي يخسرها تدريجيّاً في الجمهوريات الأخرى. كما تدخل روسيا إلى كازاخستان لعرض عضلاتها أمام الناتو. واستطاعت المعارضة تحقيق بعض المطالب من خلال قرارات توكاييف الذي واجه المشكلة بخطوات تقضي بتصفية ورثة الرئيس السابق، فيما أضحت موسكو الفائز الوحيد بعد الاحتجاجات من خلال إظهار قدرتها على السيطرة على دول الاتحاد السوفياتي السابق من خلال قوّة "منظمة معاهدة الأمن الجماعي".

والسؤال الذي يطرح نفسه أمام الرأي العام المحلي والعالمي: هل سيتمكن المظليون الروس من إحلال السلام في كازاخستان؟ وما هي المهام التي ستُشكّل أولوياتهم على أرض الواقع؟ إنّ بقاء قوات السلام الروسية في كازاخستان سيُعقد المشهد السياسي العام، خصوصاً أن معظم سكان كازاخستان لا يُرحّبون بهم.

من هنا، لا بدّ من القول إن الجرح الذي فُتح في كازاخستان لم تستطع روسيا تضميده بقواتها العسكرية، لأنّ المشكلة التي ظهرت أمام روسيا تكمن في أن إشكالية آسيا الوسطى قد فُتحت على مصراعيها ضمن الصراع الدولي، نظراً لأهمية المنطقة وموقعها الإستراتيجي في إطار الحرب الجيوسياسية الجديدة.


MISS 3