وهبي قاطيشه

"فيينا 22" و"سيناريو" الحرب المحتملة

15 كانون الثاني 2022

02 : 01

خلال عرض إيران «عضلاتها الصاروخيّة» في طهران الأسبوع الماضي (أ ف ب)

تستمر المفاوضات في فيينا بين الدول الكبرى وإيران حول ما بات يُعرف في الديبلوماسية الدولية «المسألة النووية الإيرانية». فما هي نسبة نجاح هذه المفاوضات التي قد يؤدي فشلها إلى حربٍ نوعيةٍ جديدة في منطقة الشرق الأوسط؟

الباحث المتتبع للمسألة النووية الإيرانية منذ عقود، يدرك أن نسبة نجاح هذه المفاوضات ضئيلة جدّاً كونها تُخاض في ظل هدفين متناقضين: الأول أن إيران مصِرّةٌ على امتلاك سلاح نووي، والثاني هو أن الأسرة الدولية ترفض رفضاً قاطعاً أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً.

من هنا تبرز صعوبة الوصول إلى حلٍّ إذا لم تتراجع إيران عن طموحها النووي (العسكري). فإيران تعمّدت، منذ عقود، الإنقلاب على الإتفاقات الدولية التي ترعى كيفية دخول الدول إلى العالم النووي السلمي، والتي كانت قد وافقت عليها سابقاً، في محاولة منها للوصول سرّاً إلى سلاح نووي، ترفضه الأسرة الدولية، وعلى رأس هذا الرفض الدول الخمس الكبرى، ومن ضمنها حليفتا إيران، روسيا والصين. فكل ما يطلبه المفاوضون في فيينا من إيران، هو التقيُّد بهذه الإتفاقات والمعاهدات.

بالمقابل، تعمّدت إيران، منذ اكتشاف أمر مخالفتها للإتفاقات، عرقلة عمل مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حتى بعد الإتفاق الذي عقدته العام 2015 مع المفاوضين أنفسهم، بمنعهم من دخول منشآتها للكشف عليها، طبقاً للبروتوكول المعمول به مع كل دول العالم الناشطة في المجال النووي.

كما منعت هؤلاء المراقبين من استعادة كاميرات التصوير التي ركّزتها الوكالة بموافقة إيران، ضمن المنشآت النووية الإيرانية. ولا تزال تماطل في المفاوضات، كسباً للوقت الذي قد يسمح لها بالعبور سرَّاً، كما يبدو، إلى النووي العسكري ليصبح واقعاً لا مفر منه، ما دفع بالرئيس الأميركي السابق إلى الإنسحاب من الإتفاق العام 2018.

قد يبادر إلى أذهان البعض السؤال التالي: لماذا يستهدف المفاوضون في فيينا النشاط النووي الإيراني دون غيرها من الدول، بينما هناك عشرات من الدول تستخدم النووي لإنتاج الطاقة الكهربائية وللإستخدام الطبي؟ الجواب: أن عشرات الدول هذه، تستخدم النووي لإنتاج الطاقة الكهربائية والإستخدام الطبي، بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكلّفة بذلك لسببين:

الأول، لأن «تقليب» النووي والتعامل معه، حتى للأهداف السلمية، هو أمر خطر جداً، ويجب أن ينفذ بشروط الوكالة المذكورة لتفادي حصول حوادث خطرة على الإنسانية جمعاء.

والثاني: هو إبقاء النشاط النووي لهذه الدول في الإطار السلمي (الطاقة الكهربائية والإستخدام الطبي)، لمنع أية دولة من هذه الدول من الجموح والذهاب إلى العتبة العسكرية المدمرة.

لذا، فالسريّة التي تعتمدها إيران حول نشاطها النووي، وعدم إخضاع منشآتها للتفتيش الدوري، ورفض تسليم كاميرات المراقبة، وتطوير سلاحها الصاروخي البعيد المدى... هي مؤشرات، وغيرها كثر، كفيلة بفضح نوايا إيران وتصميمها على تطوير سلاح نووي.

لا يقتصر الرفض لوصول إيران إلى العتبة النووية العسكرية على الدول المعادية لها، كإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، إنما يشمل أيضاً الدول الحليفة لها وعلى رأسها روسيا والصين، اللتان تشتركان في مفاوضات فيينا، وتتخذان مواقف إعلامية علنية برفض امتلاك إيران للسلاح النووي.

الرفض لامتلاك إيران سلاحاً نووياً، تعززه عوامل استراتيجية عديدة: أولها إسرائيل، التي قد تفقد مظلة الأمان الإستراتيجي للمرة الأولى في تاريخها. ثانيها المحيط الشرق أوسطي، الذي قد يشهد سباقاً محموماً نحو النووي، بحيث يصعب ضبطه لاحقاً، ليتحوَّل إلى بؤرة تهديد مستدامة للسلام الدولي والأمان الإنساني. وثالثها عدم وجود سبب أو عامل استراتيجي يُبرر لإيران تصميمها على امتلاك سلاح نووي.

المفاوضون الدوليون في فيينا شبه متأكدين من أن إيران تعمل سرّاً للوصول إلى العتبة النووية العسكرية، وهم يعتقدون بأنه لو كانت نواياها النووية سلمية فقط، لأمكنها تحقيق ذلك بمجرد التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل شفاف. هذا التناقض الحاد في مواقف الطرفين سوف يقود حتماً إلى فشل المفاوضات.

من هنا، ترتفع وتيرة التهديد لإيران من قبل أعدائها، خصوصاً إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. فهل يُمكن القيام بعمل عسكري ضدها قبل أن تكتمل دورتها النووية، وإنقاذ الشرق الأوسط والمحيط الأوسع من تلوُّثٍ نوويٍّ جديد؟ ومن هي الدول القادرة على ضرب منشآت إيران النووية؟

في الطليعة تأتي إسرائيل، التي تُطلق التهديدات اليومية على ألسنة قادتها بأنها غير معنية بنتائج المفاوضات في فيينا، وبأنها جاهزة لضرب منشآت إيران النووية. ولكن يبقى السؤال: متى وكيف؟

متى؟ يرتبط توقيت العمل العسكري الإسرائيلي بمدى اقتراب البرنامج النووي الإيراني من خط العبور نحو العتبة العسكرية الخطرة. ويبدو أن إسرائيل سوف تستمر بالتهديد إلى اليوم الذي تتأكد فيه من أن إيران باتت على باب اجتياز العتبة الخطرة، عندها تُبادر، ودون إذن من أحد، إلى ضرب منشآت إيران النووية وفقاً لمواقف قادتها. ويبقى السؤال: كيف؟

السيناريو المحتمل يُمكن أن يكون على الشكل التالي: في المرحلة الأولى، التركيز على مراكز القيادة والسيطرة لمنظومة الصواريخ البعيدة المدى لتعطيلها وشل حركتها، يليها في المرحلة الثانية تدمير المنشآت النووية. فكيف يكون الردّ الإيراني؟

الردّ الإيراني يقتصر على وسيلتين: الأولى بواسطة ما تبقّى لها من صواريخ بعيدة المدى التي يُمكن إطلاقها من الأرض الإيرانية على إسرائيل وبعض دول الخليج بـ»ضهر البيعة». تبقى فعالية هذه الصواريخ محدودة، إما باعتراضها جواً أو عدم دقة إصابتها لافتقارها إلى أجهزة التوجيه الجوي إذا وصل ما تبقى منها إلى أرض فلسطين أو إلى أية أرضٍ عربية.

أمّا الوسيلة الثانية فهي صواريخ «حزب الله» من لبنان المتاخم لأرض المعركة، التي تبقى، مع محدودية فعاليتها في هذا الصراع الواسع المفتوح، أكثر تأثيراً من صواريخ إيران البعيدة المدى والتي قد تُصيب مدناً فلسطينية، بسبب قربها من أرض فلسطين.

هذا «السيناريو» الجهنمي المحتمل في الشرق الأوسط، إذا فشلت المفاوضات في فيينا، سيدفع لبنان ثمنه الأغلى، لذلك يجب علينا أن «نعلم».

MISS 3