رمال جوني -

"إدفع بتتعالج ما بتدفع بتعيش عالوجع"

الطبابة مستحيلة ومكافحون يَتَحَدّون الظروف

15 كانون الثاني 2022

02 : 01

العم ابو حسين

على قارعة الطريق عند بئر القنديل، يقف الستيني محمد شهاب، يبيع أكياس المحارم للمارة، في مشهد بات مألوفاً لكبار السن، وهم يعملون في اي شيء لتأمين قوت يومهم.

كان صعباً عليه ان يخطو خطوة كهذه، لانه ادرك أخيراً أن من لا يعمل يموت جوعاً.

يكافح العم محمد في بلاد الارز، يرسم أفقاً جديداً لحياته، علَّه يتمكّن من الصمود أمام إعصار الأزمات المتلاحقة. جلَ ما يخشاه الطبابة، فالدخول الى المستشفيات أشبه بالدخول في تابوت الموت، لأنها بمعظمها باتت تجارية، تتعامل بلغة المال وتغيب عنها لغة الإنسانية، اذ تحولت المستشفيات في زمن الازمة إلى همّ كبير ومتفاقم للناس، حيث بات معظمها يفرض الدفع قبل الدخول، ويضاعف فاتورته مرتين وثلاثاً، مستغلة عجز الضمان ووزارة الصحة عن تغطية كلفة الإستشفاء التي باتت خارج إمكانيات العم محمد وغيره من المواطنين.

يروي المواطن عباس كيف تعامل معه أحد مستشفيات النبطية، وقد اتّبع سياسة الجلاد الذي يسلخ جلد المواطن لتحصيل مكاسب كبيرة. ويقول انه أدخل زوجته الى المستشفى للعلاج فطُلب منه 4 ملايين ليرة قبل الدخول ويضاف الى الفاتورة 100 الف زيادة لطبيب البنج، ناهيك عن فحص الـ PCR، ولا يخفي سوء المعاملة التي تلقاها، «فالاهم بالنسبة للمستشفى المال، أي إدفع بتتعالج ما بتدفع بتعيش عالوجع».

واقع بات يؤلم العمّ محمد كثيراً الذي يبيع المحارم ليساهم في تأمين كلفة الادوية، فهما يعيشان معاً ويتقاسمان الحلوة والمرّة، غير أن الأوضاع باتت أقسى من المتوقع.

ساعات طويلة يمضيها في الشارع، يبحث عمّن يشتري منه كيساً من المحارم، يعضّ على وجعه ومعاناته، فالاهم بالنسبة اليه توفير مسلتزمات الحياة، وأكثر ما يقلقه إرتفاع اسعار الادوية كما الطبابة، فأقل دواء يتخطى سعره ما ينتجه يومياً، ما يعني بالنسبة له «القتل عمداً من قبل الحكومة».

بات مشهد كبار السنّ مألوفاً على الطرقات، فبدل تقاعدهم وحصولهم على معاش وضمان وطبابة مجانية، يجدون أنفسهم مضطرين للعمل، فاللقمة باتت صعبة هذه الأيام، والطبابة أقساها.

أبو حسين يتحدى ظروفه ببيع عبوات المياه، عبر عربة صغيرة يجوب بها شوارع النبطية، يرفع العلم اللبناني عليها، وينطلق في رحلة كفاحه اليومية، عساه يُحصّل ما يمكّنه من شراء علبة فول وربطة خبز، لم يتقاعد من عمله كما كان يحلم «لأنه لو فعلت كنت سأموت جوعاً أو انتظر من يتصدََق عليَّ بطعام أولادي».

يأسف ابو حسين لأن دولته رمت به في الطرقات، متجولاً في ازقة المدينة، منتظراً زبوناً يشتري قنينة مياه، بات من النادر شراؤها بعدما تخطت الـ5 الاف ليرة لبنانية. يقرّ أنه يعجز عن دخول المستشفى، لانه لا يملك كلفة دخوله.

لم تشهد منطقة النبطية نهضة اقتصادية وصناعية وزراعية نشطة، ولم تتحول هذه القطاعات مصدر عيش، فالنواب المعنيون لم يسعوا يوماً لاحداث ثورة صناعية داخل المدينة ومنطقتها، إقتصرت أنشطتهم على التعزية والاستقبالات، وعدا ذلك لم يتغير شيء من هوية المدينة، بل تشهد تراجعاً اقتصادياً ملحوظاً رغم تسجيلها اعلى نسبة غلاء في لبنان، ما أدى الى استفحال الفقر وتدني القدرة المعيشية، ودفع الناس باتجاه العمل بالبسطات أو الانتشار على المزابل بحثاً عن التنك والحديد وما شابه.

الوضع الراهن بات لا يطمئن، والحديث عن فشل تنموي على كافة الصعد هو السائد، وإذا كان الكل يعول على الانتخابات فلتبدأ المعركة من داخل المستشفيات بؤرة الفساد الكبرى، اذ تختلف تسعيرة الليلة بين مستشفى خاص وآخر خاص ايضا 2 مليون ليرة لبنانية، ما يستدعي تدخّل وزير الصحة سريعاً.